وخزة ضمير امرأة

(( أنا لست حجرا )) يا لسخرية الأقدار !! هذه الكلمات ما فتئت تطاردها ، وهي التي كانت تحسب أن ارتداد أصوات الأموات وهم يستصرخون ، حتما ستذوب وتتلاشى عند حدود أضرحتها ، ولكن هذا الميت الذي استيقظ من سباته بعد هذه السنين ، كان يرقد في مقبرة مغايرة تماما ، كان من المستحيل اختراق عتباتها ، إذ أن أفئدة الناس عندما يموت فيها الضمير تكون دوما أقسى من الحجارة .

عشرون عاما وهي تنام قريرة العين ، لم يتمكن فيها ذلك اليوم من التسلل عبر خلايا ذاكرتها ولو لثوان معدودات ، ولكنها لم تكن تتوقع قط ، أن يكون فلذة كبدها هو السحابة التي ستمطر رذاذ ذلك الريق الملتهب مجددا على وجهها ، وهو يصرخ متأوها من شدة المرض ، ويكرر العبارة ذاتها بعد يأسه من مقاومة الألم .

جفلت عيناها ، تكاد لا تصدق ما تسمع ، تذكرت كل التفاصيل ، وعاد بها الزمان رغما عنها إلى الوراء ، لتتذكر تلك العبرات التي انهمرت كالسيل وهي ترجوها أن لاتعقد العزم على الرحيل ، ولكنها أبت ، متذرعة بحجج واهية ، لتترك ذلك القلب الذي أحبها يحتضر دونما اكتراث .

هي لم تعترف يوما بأن قرارها كان خاطىء ، فذلك الشاب كان غير قادر على الزواج ، وكان يتحتم عليها أن تتذوق معه مرارة العيش والفقر ، بينما شقيق صديقتها المتربص بها منذ أمد بعيد ، فيكفي أن تمد له يدها ليدخلها إلى جنة الدنيا ومن أوسع أبوابها .

ولكن ماذا عن عهدها الذي نكثته في ذات ليلة من شباط ، عندما أقسمت له أن لايفرق بينهما إلا الموت ؟

قطعا هنالك مبررات لذلك ، فهي أكدت له قبل يوم الوداع ، أن قصتهما كالشمس والقمر ، طريدين في تعاقب الليل والنهار ، ولكن يتعذر لسقف السماء أن يحتويهما في آن واحد .

ثمة هواجس كانت تحاصرها باستمرار ، وتملي عليها الإذعان لشروط عقلها ، فوالدها ما كان ليبارك ذلك الزواج مهما حاولت إقناعه ، فهو لن يكرر خطيئته مع شقيقتها الكبرى عندما وافق على ارتباطها من شاب كان لايزال يحبو في درب الحياة .

إذن لماذا شعرت بوخزة الضمير وهي تسمع صرخة ولدها ؟

بالتأكيد هي مصادفة لا أكثر وليس هنالك من أدنى علاقة بين الصرختين .

عندما نذهب إلى فراشنا في كل ليلة ، هل نشعر حقا بوخزة ضمير تؤلمنا على أخطائنا بحق أشخاص لم يتسببوا بأذيتنا قط ؟

Followers

Pageviews Last 7 Days