فنون التعري في الأعراس غير المختلطة

كنت دائما لا أقتنع بحفلات التعري التي يتم ممارستها من قبل بعض النساء والفتيات المحجبات في قاعات الأعراس غير المختلطة ولطالما كنت أعلل السبب في ذلك إلى الوصف الدقيق لتفاصيل تلك الأجساد المتعرية والتي يتم نقلها ببث حي ومباشر من خلال نشرات نميمة نسائية يتشوق بعض الرجال لسماعها بعد إنتهاء تلك الإحتفالات مما يؤدي إلى تشويه صورة هؤلاء المحجبات من مظهر الوقار والعفة والاحتشام إلى مظهر التعري والتبرج الذي تعجز عن تقديمه أشهر الراقصات في الملاهي الليلية .

ومع هذا فلقد كانت تحفظاتي في هذا الموضوع تلوذ في غياهب الصمت حتى سمعت قصة من شقيقتي دفعتني للحديث في هذا الجانب وجعله من أولويات المواضيع التي لابد من طرحها في المدونة .

ملخص القصة أن شقيقتي كانت في عرس غير مختلط في الأسبوع الماضي حيث اندهشت فيه كثيرا من نساء محجبات تسابقن في التعري بطريقة لم تشاهد لها مثيل ، وفي الواقع ولغاية هذا الجزء من القصة كنت على النقيض التام لها من الاندهاش لكثرة ما سمعت من تلك القصص التي حاولت دائما أن أتجنب سماعها ، ولكن الجزء غير المتوقع من تلك القصة والذي دفعني لكتابة هذا الإدراج أنها لاحظت وجود امرأة في العرس تمسك بهاتفها الجوال وتترصد بتصوير نجمات التعري من النساء والفتيات في ذلك العرس وبدون أن يتنبهن أنها تقوم بتصويرهن مما زاد الشكوك لدى شقيقتي حول تلك المرأة وبخاصة أنها كانت تلتقط صورا لنساء تدرك شقيقتي أنهن محجبات مما دفعها للذهاب إلى تلك المرأة وسؤالها عن هويتها ، فما كان من تلك المرأة إلا أن توقفت عن التصوير وخرجت مسرعة من قاعة العرس .

لم تتمكن شقيقتي من اللحاق بها ولم تتمكن من خلال أسئلتها المتكررة لمن كان يجلس بجانبها من التعرف عليها ، مما يؤكد أنها كانت متسللة إلى العرس للقيام بتلك المهمة الخبيثة التي يصعب معها التنبؤ بحقيقة ماتنوي عمله بتلك الصور.

من خلال هذه القصة أعتقد أن هنالك خطر جديد يلوح بالأفق حول متطفلات لأعراس غير مختلطة لم يحضرن بهدف الأكل والشرب كما كنا نشاهد في الماضي من خلال بعض المسلسلات الساخرة التي كانت تطرح قضية المتطفلين على الأعراس والمآتم طمعا بالحصول على المال أو المشاركة في ولائم الطعام والشراب ، فعلى ما يبدو أن العقول المتطفلة أصبحت تفكر بطريقة أكثر عدوانية من خلال بحثها عن تحقيق مكاسب مادية بطرق خطف محترفة لصور أجساد متعرية يمكن بكل سهولة نشرها على المواقع الالكترونية وبالتالي تصبح تلك الفتاة المحجبة التي أظهرت مفاتنها بشكل مبالغ فيه في عرس غير مختلط معتقدة أن من سيشاهدها بضع مئات من النسوة عرضة للمشاهدة من قبل ملايين الذكور المرابطين وراء شاشات الشبكة العنكبوتية .

وبالمناسبة فقضية التصوير الخفي للنساء ظاهرة انتشرت كثيرا في مجتمعاتنا العربية في الآونة الأخيرة مع تطور التكنولوجيا وبخاصة بعد انتقال ميزة التصوير إلى الهواتف ، فكم سمعنا من قصص تصوير في حمامات نسائية سواء في المدارس أو الجامعات وحتى في الأماكن العامة ، بالاضافة إلى العديد من الحالات التي تم رصدها في حجرات تبديل الملابس في محلات بيع الملابس النسائية على اختلاف أنواعها .

في النهاية مازلت أؤكد أن فنون التعري في الأعراس غير المختلطة وبخاصة من فئة المحجبات تحتاج إلى العديد من التساؤلات .

فهل حقا ظهور الفتاة المحجبة بمظهر مشابه لراقصة في ملهى ليلي من خلال تلك الأعراس غير المختلطة لايتسبب في خدش حيائها وتشويه مظهرها ؟

هل تلك الممارسات المبالغ فيها من التعري سببه الكبت الذي تعيشه بعض المحجبات حول رغبة دفينة بالتعري لاتجد لها ملاذا إلا في تلك الأعراس والاحتفالات ؟

أم أن بعض الفتيات العازبات يعتقدن أن في مثل هذه الأعراس تكون فرصتهن الذهبية لإبراز كافة مفاتنهن طمعا في ملاحقة عيون الأمهات لهن واللواتي يبحثن لأبنائهن عن عروس ؟

الاعتداء الجنسي على المحارم

لم أستغرب كثيرا من عنوان الخبر الذي قرأته في أحد الصحف اليومية قبل يومين تحت عنوان (( مقتل فتاة على يد والدها وهو يحاول إجهاضها بعد أن حملت منه سفاحا )) ولكن الذي أثار اشمئزازي من تفاصيل هذا الخبر أن والدة الفتاة كانت على علم بعلاقة زوجها مع ابنته .

وملخص الخبر أن الفتاة التي تبلغ من العمر (19 عاما ) حملت سفاحا من والدها الذي يبلغ من العمر ( 46 عاما ) بعد محاولته لإجراء عملية قيصرية لها في المنزل لانتزاع الجنين من أحشائها مما أدى إلى إصابتها بنزيف حاد مالبثت معه أن فارقت الحياة .

وكما هو منشور في الخبر فإن هذه العلاقة قائمة بينهما منذ حوالي خمس سنوات والوالدة على علم بتلك العلاقة منذ عامين ، وهنا بالتأكيد تثور الأسئلة التي لا تنتهي حول سبب سكوت الزوجة لمدة عامين عن تلك الجريمة البشعة ؟

في الواقع موضوع زنا المحارم من المواضيع التي لطالما أردت الحديث عنها وقد قرأت في الفترة الماضية عن عدة وقائع حصلت من هذا النوع في مجتمعنا ومع هذا كنت أود الصمت عن الحديث في هذا الموضوع معللا ذلك بأن هذه الأحداث لاتزال في مراحل جنينية شاذة في المجتمع ولكن الحقيقة المؤلمة أن هذا الموضوع بدأ يأخذ حيز التطبيق بعد المراحل المتقدمة التي وصل إليها المجتمع من الإنحدار الخلقي الذي ربما يستهين البعض بمدى خطورته على المجتمع وأنه الأساس الأول لحدوث العديد من الجرائم البشعة فيه .

أنا لا أدعو إلى مثاليات يتوجب تطبيقها وإنما لا بد من تحذير مختلف الفئات من قضايا قد يعتقد البعض أنها سخيفة ولكنها حتما ستؤدي إلى تلك الجرائم والتي أقل ما يمكن وصفها بأنها تثير الاشمئزاز والرغبة في التقيؤ .

دعوني أذكر لكم في البداية ماورد في مذكرات طبيبة نسائية عربية كمقدمة للحديث عن المسببات التي قد تؤدي إلى زنا المحارم .

تقول تلك الطبيبة أنه في أحد الأيام حضرت فتاة ووالدتها لإجراء فحص لتلك الفتاة التي لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها وبالطبع كان خبر حملها كصاعقة حطت على رأس والدتها أما الصدمة الأكبر فكانت عندما تبين أن الفاعل هو خال تلك الفتاة الذي يكبرها بخمسة أعوام حيث كانت الأم تترك ابنتها في البيت وحيدة مع خالها معتقدة أنها ستكون في أمان معه ولاخوف عليها ولكن هل هذا الزمن يوجد فيه أمان ؟

أيضا تقول تلك الطبيبة أن امرأة حضرت لعيادتها تشكو من انقطاع الدورة الشهرية عنها لمدة ثلاثة شهور مستبعدة احتمالية أن تكون حاملا حيث أن زوجها مسافر منذ تسعة شهور ولكن من خلال الفحص السريري تبين أنها حامل ومالبثت أن اعترفت للطبيبة بأنها كانت تمارس الزنا مع شقيق زوجها الذي يقيم معهم في ذات المنزل حيث بدأت القصة عندما كانت تعد له الطعام في الليل والجميع نائمون وكذلك عند دخولها إلى حجرته في الصباح لايقاظه ، وهنا ألا يجدر بنا التوقف قليلا والتفكير بأن أمورا يعتقد البعض أنها عادية مثل تحضير الطعام أو الدخول إلى غرفة رجل لايقاظه قد تؤدي إلى تلك العواقب الوخيمة ؟

وأيضا من مذكرات تلك الطبيبة قيام امرأة بمراجعتها تشكو من عدم قدرتها على معاشرة زوجها على الرغم من محبتها الشديدة له فبمجرد اقترابه منها تبدأ بالنفور والاشمئزاز منه بشكل لا إرادي وبعد عدة زيارات تعترف تلك المرأة للطبيبة أنها كانت على علاقة جنسية بشقيقها في سن المراهقة وأن تلك العلاقة استمرت لغاية سن الدراسة الجامعية حيث أدرك كل منهما خطورة فعلتهما ولكن تلك الذكريات ظلت ملتصقة بذاكرتها مما تسبب بحدوث تلك الحالة النفسية لها .

قد يقول البعض الآن أن هذه الأحداث قد تكون وهمية وأن تلك الطبيبة كاذبة وأنها تحاول فقط تسليط الأضواء الإعلامية عليها ومن ناحية جدلية ولو افترضت هذا الافتراض فإن هذا لن يمنع أبدا خطورة حصول مثل هذه الأمور إذا توفرت البيئة الملائمة لحصوله .

القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية الإباحية والتي يتابعها العديد من شباب هذا المجتمع في هذه الأيام تروج وبشكل كبير في الفترة الأخيرة إلى زرع شهوات شاذة في عقول الشباب اسمها ( Incest Sex) أي زنا المحارم وقد تم جمع أكبر قدر ممكن من الأفكار الشيطانية في تزيين تلك الشهوة وإشعال الرغبة بممارستها من قبل كل من يقع فريسة لمشاهدة تلك الأفلام الشاذة .

وإذا اعتقد البعض أن الشعب أصبح مفلسا ولايملك المال لمشاهدة التلفاز أو الانترنت فسأقبل بذلك التحليل وانطلق للحديث عن الجوانب الأخرى من تابوهات هذا الموضوع الخطير الذي لا يزال مختبئا في ظلام الاعتقادات الخاطئة أن مثل هذه القضايا ليست بذات أهمية تذكر لأنها ستظل في إطار الحالات الشاذة .

ولكن أحقا الموضوع لايزال في إطار الحالات الشاذة ؟

لو أن تلك الفتاة لم تتوفى في عملية الإجهاض فهل كان سيعلم أحد بما كان يفعل ذلك الأب المتوحش ؟

إن حساسية مثل هذه العلاقات تجعل الفتيات في موقف يصعب معه التحدث والاعتراف أمام أحد لأن الجاني هو أقرب الناس إليهم وهذا أول مؤشر في عدم وضوح عدد هذه الحالات والمعرفة بها .

في الواقع الموضوع شائك وقد يحتاج لعدة إدراجات للحديث عنه من كل الجوانب ولكن ما أود التطرق إليه في هذا الإدراج هو بعض الممارسات التي يعتقد البعض أنها ممارسات طبيعية ولاتؤدي إلى حدوث كارثة الزنا أو الاعتداء الجنسي على المحارم ومنها :

عدم التفريق بين الذكور والإناث بمجرد بلوغهم في غرف نوم منفصلة كما علمنا رسولنا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال : (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع )) وأعتقد أن العديد من الأسر في هذه الأيام متنبهة إلى خطورة عدم الفصل في غرف النوم بين أبنائهم الذكور والإناث ولكن بدأت بهذه النقطة من باب التذكير .

أما المسببات التي لايكترث بها العديد من الناس ويعتقدون أنها طبيعية فمنها مثلا قضية جلوس الفتاة أمام شقيقها أو والدها بملابس شبه عارية اعتقادا منها أنه من غير الممكن أن تتسبب بذلك في إثارة الشهوة الشيطانية لديهما فهذا اعتقاد خاطىء تماما وكل فتاة لا تتنبه لخطورة مثل هذه المواقف فهي حتما في خطر لأن معظم الذكور في هذه الأيام يعانون من مشكلة كبت وحرمان جنسي سواء بسبب عدم زواجهم وتأخره أو للسبب الذي ذكرته قبل قليل وهو كثرة مشاهدة الأفلام الشاذة التي تزين مثل هذه الشهوات في عقولهم .

أنا أيضا لست مع فكرة بقاء الفتاة أو المرأة لوحدها في المنزل لفترات طويلة مع أي ذكر من المحارم ( والدها ، شقيقها ، خالها ، عمها ، والد زوجها ) لأن هذه البيئة تكون خصبة جدا لوساوس الشيطان في زرع بذور الشهوة الحيوانية وحدوث ما لايحمد عقباه بعد ذلك .

حتى أن من الأمور التي يعتقد البعض انها تافهة جدا هي ترك الملابس الداخلية للفتاة في أماكن ظاهرة للعيان في المنزل بحيث يشاهدها الوالد أو الشقيق أو أي ذكر من المحارم متواجد في المنزل فهذه أيضا تشكل فتنة قد تؤدي إلى إثارة الشهوة لديهم .

صدقوني وخطابي في هذه الفقرة للفتيات تحديدا أن تحرصوا كل الحرص من مخاطر قد تحيط بكم دون أن تدركوا وهذه ليست دعوة للانشقاق على المحبة بين أبناء الأسرة الواحدة بقدر ماهي دعوة تحذير وخوف عليكم وأنا لا زلت أنادي وسيظل شعاري الأبرز في كل كتاباتي أن معالجة الخلل في البيئة الاجتماعية هي من الاساسات التي تساعد بالنهوض في معالجة القضايا والمشاكل الأخرى ، فالقضايا السياسية والاقتصادية و مايتعلق بأمن المجتمع واستقراره والارتقاء بنمط معيشة المواطن العربي وسلوكياته من غير الممكن أبدا أن يتم معالجتها إذا كانت شبكة الأخلاق والوازع الديني مترهلة في العقول .

فهل سنظل نتحسر على تقدم الأمم الأخرى و هل سنظل نتغنى بأمجادنا الغابرة ونبكي أوضاعنا المعيشية الصعبة ونلقي باللوم عليها في كل مصائبنا ونتناسى أننا نلامس مكان الألم في كل يوم ولانحرك له ساكنا ؟

لعبة الأرقام العشوائية

بينما هو في طريقه إلى المقهى لمشاهدة مباراة كرة القدم المرتقبة في الدوري الإسباني الذي أصبحت متابعة أخباره ونتائجه وترقب الفائز بلقبه من أبرز القضايا التي تشغل حيز تفكير السواد الأعظم من شباب هذا المجتمع ، وعلى الرغم من المشاجرة العنيفة التي حدثت في الأسبوع الماضي بين أنصار فريق العاصمة الإسبانية (( مدريد )) وغريمه التقليدي فريق (( برشلونه )) والتي تسببت بسقوط العديد من الجرحى إلا أن هذا لم يمنعه من الذهاب مرة أخرى للوقوف إلى جانب فريقه ومؤازرته حتى النهاية مهما كانت المخاطر والصعاب في سبيل ذلك .

وقبيل وصوله إلى المقهى الشعبي الذي تحول لحلبة تتصارع فيها الثيران العربية على طريقة (( الماتدور الإسباني )) وقعت عيناه على صديق له يجلس بصحبة فتاة جميلة في المقهى المجاور الذي يمنع الدخول فيه لغير العائلات ، وبالطبع فهو يدرك أن المقصود بالفئة التي لا تندرج تحت مسمى العائلات هم أولئك الشباب الذين يحاولون الدخول وليس برفقتهم فتاة أما إذا كانت الفئة التي تود الدخول من الجنس اللطيف فليس هنالك من مسوغ لتواجد شاب برفقتهن لأن شروط كلمة العائلة قد انطبقت عليهن .

توقفت خطاه التي كانت تتجه مسرعة لحضور المباراة عند سور المقهى الذي يجلس فيه صديقه وفي تلك اللحظات تحديدا تنبه صديقه لتواجده عند حافة السور وهو يلوح له بكلتا يديه لكي يحضر إليه ، فما لبث أن اعتذر بكل لطف وأدب من الفتاة وخرج لكي يستطلع أمر صديقه .

عندما وصل إلى مكان تواجد صديقه قال له بنبرة لا تخلو من الإستعجال : (( ماذا تريد ؟ )) فأجابه : (( أريد فقط أن أسألك سؤالا واحدا وأرجو أن تجيبني عليه بكل صدق )) فقال له : (( وما هو ذلك السؤال المهم ؟ )) فقال : (( في أغلب الأحيان التي أحضر فيها لمشاهدة مباراة ما ، أجدك تجلس في هذا المقهى برفقة فتيات جميلات ، فما هو السر في ذلك ؟ )) .

قال له : (( الأمر بسيط يا صديقي إنها لعبة الأرقام العشوائية )) فقال له بصيغة لا تخلو من الاندهاش والتعجب : (( وماهي لعبة الأرقام العشوائية ؟ )) فأجابه : (( في كل صباح أبدأ يومي بالاتصال بمجموعة أرقام هاتفية لا أعلم لمن تكون وإنما أختار تلك الأرقام بشكل عشوائي ولكني أفضل اختيار الأرقام التي تكون شبيهة برقم هاتفي الجوال وبالطبع إذا كان المجيب رجلا أتظاهر بأنني أخطأت في الإتصال ، أما إذا كان الصوت المجيب صوتا أنثويا فأحاول تجاذب أطراف الحديث معها بعد أن أكون قد اعتذرت لها في بداية المكالمة موضحا أنني قد أخطأت في الرقم الذي كنت أحاول الاتصال به ، فإذا وجدت القبول في نبرة صوتها تبدأ بعدها الحكاية ويتم التعارف بيننا ولكن إذا وجدت منها الرفض والجفاء ، أفترض أنها تتمنع مع أنها تحترق من الداخل بنيران الرغبة ولذلك أمنحها فرصة أخرى من خلال محادثة لاحقة ولكن إذا استمرت بنفس وتيرة الجفاء أتظاهر بأنني سأنسحب بهدوء وأقدم لها اعتذارا كاذبا لايخلو من الوعود بعدم الاتصال بها مجددا ، ولكني بالطبع لا أتوقف عند هذا الحد )) .

قال له صديقه : (( وماذا تفعل بعد ذلك ؟ )) أجابه وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكره : (( أتفق مع بعض الأصدقاء على مواظبة الاتصال بها بين الدقيقة والدقيقة و من عدة أرقام مختلفة وفي كل محاولة لها بالرد على الهاتف تكون هنالك وجبة شهية من الكلام البذيء بانتظارها وعندما يتم إعلامي بأنها بدأت تفقد أعصابها من تلك المكالمات التي لاتتوقف ، أعاود الاتصال بها من جديد وأعرض عليها مرة أخرى أن توافق على طلبي في التعرف عليها فإذا استمر رفضها تعود مكالمات الإزعاج من جديد وبجرعة أشد حدة وهكذا أعاود الإتصال بها من جديد حتى تستلم لطلبي وتوافق على التحدث معي أو تستبدل رقم هاتفها لكي تتخلص مني وبالتأكيد فليس هنالك أية مخاطرة في هذه اللعبة الجميلة التي أتلذذ وأستمتع بها كثيرا لأن الضحايا ليس لديهن القدرة في معرفة من أكون لأن قوانين شركات الاتصالات لاتفصح عن الأرقام التي تتسبب بالإزعاج درءا للمشاكل وقد استطعت بوساطة لعبة الأرقام العشوائية من التحدث مع عشرين فتاة لغاية الآن )) .

في تلك اللحظة بالذات تجاهل صديقنا أمر مباراة لم تعد تعنيه نتائجها وقال : (( فعلا كم هي رائعة لعبة الأرقام العشوائية ولكني لن انتظر الصباح بل سأمارسها من هذه الليلة )) .

كفكفي دموعك يا أحلام

في ذات جمعة من شهر أيار تجدد موعد الدموع عند استقبال الأم أحلام والتي حضرت منذ الصباح الباكر من دمشق إلى عمان لكي تحظى بتلك الساعة اليتيمة المخصصة لها مرة في كل سنة لرؤية أولادها الثلاثة الذين كتب عليهم أن يعيشوا اليتم وهم في أمس الحاجة لحنان الأم .

محمد (خمسة عشر عاما) وميس ( ثلاثة عشر عاما) وحمزه ( ثلاثة أعوام ) كانوا ضحية مؤامرة دنيئة تم الإعداد لها باحكام من قبل جدهم الظالم حين ألقى خيارات الموت أمام أحلام بأن تظل حبيسة بيت زوجية مهجور لتربي أولادها أو تغادر من حيث أتت وتعود لأهلها في الشام دون أن يكون لها أي حق في رؤية أولادها إلا ساعة واحدة من كل عام.

وبعد رحيل أحلام بشهرين فقط كان ساعي المحاماة الشرير المبعوث من قبل زوجها ينهي الإجراءات القانونية للطلاق ويحرم أحلام من الهواء الذي كانت تتنفسه ، أربعة عشر عاما من قسوة الغربة وأربعة عشر عاما من تحمل الإهانات والمذلة وأربعة عشر عاما في خدمة زوجها وتربية أولادها والسهر على راحتهم وفي النهاية يكون هذا هو الجزاء أن تفقد أولادها وتتركهم لزوجة أب تدخل بيتها بعد أقل من شهرين على طلاقها .

ولكن هل الجحيم انتهى من حياة أحلام وأهلها بالكاد يستطيعون الإنفاق على أنفسهم ؟ لم يكن هنالك من خيارات أمامها سوى الزواج مرة أخرى وفعلا تزوجت من ابن خالتها الذي يمثل أسطورة للطيبة في زمان لم يعد فيه للطيبين مكان ، وها هي ترزق منه بطفل جميل تسميه ( قصي ) ولكن ابتسامة من وجه قصي لم تكن قادرة على إيقاف سيل الدموع الذي يفيض من عيونها الجميلة كلما احتضنته وتذكرت به طفلها حمزه الذي وقع في براثن زوجة أب لا تقل ظلما عن أبيه ولا تتورع عن معاقبته بكل قسوة وسوء معاملة إذا صدر منه أي فعل من أفعال البراءة ، أما محمد وميس فأصبحا يحترفان فنون الاختباء والمراوغة وحتى السرقة إذا لزم الأمر ليتمكنا من سماع صوت والدتهما على الهاتف حتى ولو لدقيقة ، فقوانين جدهما صارمة ولاتسمح لهما بمحادثة والدتهما أكثر من خمس دقائق كل أسبوع .

بعد نهاية ساعة اللقاء ذهبت لأحضر أحلام وخالها الذي حضر معها ، فإذا بي ألمح أولادها يقفون على النوافذ لوداعها وجدهم يدفعهم للدخول ويصرخ بوجههم أما أحلام فكيف أصف لون عيونها الذي ما عدت أستطيع أن أميزه بعد اختلاطه بكل تلك الدموع التي كانت كفيلة باحراق أي شيء تلامسه ، كم هي مؤلمة وموجعة تلك الدموع فهي ليست تشابه أية دموع ، أنها دموع الأم عندما تفقد أولادها .

لقد ذكرت هذه القصة الحقيقية لكل من يعبر صفحات مدونتي مع تغيير بأسماء أبطالها وذلك احتراما لخصوصيتهم ولكن هذه القصة تشكل في الواقع قضية عامة لابد من الحديث عنها والمناقشة فيها وعدم السكوت عنها مطلقا .

فالطلاق والزواج في النهاية قسمة ونصيب ولن أناقش الأسباب والدوافع والمبررات من قبل أي زوجين اتخذا قرارا بالانفصال بعد أن جفت كل مياه المودة في استمرار الحياة بينهما ، ولكن الأولاد ليس لهم ذنب أن يتحملوا وزر ذلك الفراق ، فمن حقهم رؤية أبيهم وأمهم في أي وقت دون أن تكون هنالك حواجز مصطنعة يتم وضعها من قبل الطرف المستحوذ على حق حضانتهم ، وكل القوانين التي تعارض هذا الكلام هي قوانين جائرة وظالمة ولاتعرف للعدالة مكان .

في الغرب الذي تضرب به الأمثال العربية دائما بهشاشة شبكة العلاقات الإجتماعية فيه تجد أن الزوجين اللذين انفصلا تنشأ بينهما علاقة مودة وصداقة لأجل سعادة أولادهما ، أما في الشرق و بعد الطلاق تبدأ الحروب والمعارك الضروس بين كلا الطرفين ولازلت أذكر تلك الحادثة التي حصلت في عجلون قبل عدة شهور والتي ذهب ضحيتها رجل جاء ليأخذ ابنه من بيت طليقته بعد انتهاء موعد زيارته لها فكانت النتيجة أن قتله أخوها بسبب مشادات كلامية نشبت بينهما .

لماذا كل هذا العداء الذي ينشأ بين الرجل والمرأة بعد الطلاق ؟ ولماذا تتعذب أرواح الطفولة البريئة وتعيش تفاصيل كل صور العداء والكراهية والبغضاء بين آبائهم وأمهاتهم بمجرد الانفصال ؟ كيف نلوم هؤلاء الأطفال عندما يكبرون وينحرفون بسلوكياتهم بعد أن تجرعوا كل تلك الأحداث الدامية منذ نعومة أظفارهم ؟

إلى متى ستبقى يا مجتمع عاجزا عن استصال تلك الأورام الخبيثة من جسدك المريض لتدعي أن سبب آلامك وضعفك هي من لكمات تتلقاها من الخارج ؟

أتدرون لماذا يتفوق الغرب علينا ؟ لأنهم يتعلمون من أخطاء الأجيال القديمة ويصححونها في الأجيال الجديدة التي هي عماد استمرارية تقدمهم في المستقبل أما نحن فلا نكتفي بتكرار أخطاء الأجيال القديمة بل نضيف عليها أكثر مع نشأة كل جيل جديد ، ولازلنا نشكو ونحن بايدينا وصلنا إلى هاوية الذل ، عجبا وألف عجب !!

أحقا المرأة تشعل نيران قلب المرأة ؟

أينما ذهبت تطاردها العيون وتترصد بها ، فجمالها كان كفيلا باحراج عنفوان أي فحل من الفحول ، و لم يحدث مسبقا أن تمكن رجل من إقتحام قلبها دون استئذان ، بل هي من كانت تفتح لها كل أبواب القلوب لتمشي بكعبها العالي ممزقة كل شرايين المغترين برجولتهم الذليلة أمام سحر أنوثتها .

أما شقيقتها فهي لا تقل عنها سحرا وجمالا ولكنها كانت متواضعة في سلوكها مع الآخرين حد التطرف ولم تكن تلك الصورة المعكوسة لمرآة شقيقتها التي لا تتورع عن إذلال كل الرجال المتعطشين لقطرة من ذلك الجمال .

كانت الأم تفاخر كل من حولها وتتباهى أمام الجميع بأن لديها ابنتين من طراز رفيع لمقاييس الأنوثة والجمال ولم تكن هنالك ألسنة تتجرؤ البوح بخلاف ذلك ، فمن يملك إيقاف بجعة برية تسبح فوق مياه القلوب إلا صياد ماهر ؟ ولكن أحقا يمكن لصياد واحد أن يخطف بجعتين بذات الشبكة ؟

أحقا يمكن لجمال الأنوثة أن يستسلم أمام رجل لأسباب وأحداث غير متوقعة لا تستقر أبدا على كراسات خطط المنطق والعقلانية التي شارك في إعدادها أعظم المحنكين في علوم احتلال قلب المرأة ؟

أتذكر مقولة ذلك الرجل الذي قال لي يوما : (( المرء يلهث وراء ما يمتلكه غيره حتى ولو كان قمامة )) ، وأتذكر أنه قال لي يوما : (( أكثر ما يستفز أنوثة المرأة أن يشيح الرجل عيونه عنها بعد رؤيتها ويحدق بمن معها )) ، ولكن أليس الرجل كذلك ؟

صديقتنا المغرورة بجمالها كانت تقضي على أحلام كل الرجال الذين تقدموا لخطبتها فليس منهم من لديه القدرة على ترويض جموح أنوثتها الجارف لقلوب الرجال إلى هاوية وديان الرفض السحيقة .

وحيث أنها تكبر شقيقتها بعامين فقد كان لوالدتها سطوة في رفض استقبال من يطرق بابها لخطبة الشقيقة الصغرى التي توازي شقيقتها جمالا وتتفوق عليها تواضعا ، ولكن ما ذنب الشقيقة الصغرى أن يتأخر زواجها بعد أن وجدت الرجل الذي دق قلبها له ولاتملك أن توافق على طلبه بالتقدم لخطبتها بسبب رفض والدتها المطلق لفكرة ارتباطها قبل شقيقتها ؟

لست أدري لماذا هنالك العديد من العقول في مجتمعاتنا العربية والتي لا تزال تعتقد أن الزواج هو كطابور اصطفاف لا يجوز فيه التقدم للصغير على الكبير مع أننا نحن العرب نكره النظام والصفوف المرتبة ولا نتورع حتى في شؤوننا الصغيرة عن التعدي على أماكن تواجد الآخرين واختراق صفوفهم لاعتقادنا أن أهمية الوقت هي في قضاء شؤوننا فقط أما شؤون الآخرين فلا قيمة لها عندنا ، وبالمناسبة فإن اختراق الصفوف والتعدي على حقوق الآخرين سواء بوساطة الأقارب والمعارف والأصحاب أو بالقوة والنفوذ هي حقوق حصرية للمواطن العربي .

قررت الوالدة أخيرا أن تخالف قانون صفوف الزواج العربي وتوافق على مقابلة أهل ذلك الشاب الذي يود الارتباط بابنتها الصغرى ، وفعلا أتت الرياح كما تشتهي سفينة قلب الشقيقة الصغرى وتمت الموافقة على الزواج ولكن ماذا حل بصديقتنا المغرورة يا ترى ؟

لم تعد تنام الليل ولا النهار كلما قفزت صورة ذلك الشاب إلى مخيلتها ووجدت نفسها وللمرة الأولى تتلهف على قلب رجل بهذه الطريقة وكانت كلما تتذكر مشهد جلوسه بجانب شقيقتها وقد تشابكت أيديهما بكل حب وحنان تتمنى أن تمزق بأظافرها كل تلك اللحظات السعيدة لاعتقادها أن ذلك الرجل مخلوق فقط ليروي أنوثتها التي ما عرفت الظمأ في يوم من الأيام لقلب رجل .

وبدأت صديقتنا ولأول مرة في حياتها تمارس دور الصياد الذي يريد التربص بفريسته ولكنها لم تبذل مجهودا كبيرا في الانتظار لأن الشاب وقع صريعا من أول سهم انطلق من عيونها الجريئة وجثا على ركبتيه ينتظر مصيره المجهول من تلك الصيادة المحترفة بفنون اصطياد فرائسها من الرجال .

فسخ الشاب خطوبته من الشقيقة الصغرى بدون أية مقدمات ولم يكتفي بذلك بل صارحها بعشقه لشقيقتها وبدأ بالقاء الأعذار والحجج الواهية بأن الزواج قسمة ونصيب وأن المرء لا يختار طريق قدره بل يمشي فيه مسيرا دون إرادته وبالتأكيد كلامه ليس غريبا أبدا ولايخرج عن نطاق مصطلحات المبررات التي يستخدمها العديد من الأشخاص في مجتمعنا عندما يبررون جرائمهم وأخطائهم وأنانيتهم ويلقون بها إلى عجزهم عن التدخل بأقدارهم .

صديقتنا تسمع محور الحديث كله ومع آخر كلمة من مبررات ذلك الشاب لشقيقتها ، تنطفؤ آخر شعلة من نيران قلبها المتأججة نحو قلب ذلك الشاب فهو أصبح الآن ملكا لها وحدها ، وهنا تنتهي الحكاية فلم تعد تجتاحها أية رغبة نحو تلك الفريسة الذليلة التي تنتظر مصيرها ، فإذا بها تقتحم خلوتهما وتطرد ذلك الشاب مستهزئة به وتخبره بأنها لا تريد رؤية وجهه مجددا ، ولكن شقيقتها كانت الضحية وبكل أسف فقد أصيبت بانهيار عصبي أفقدها النطق لسنوات عديدة وهكذا دفعت صديقتنا ضريبة غرور أنوثتها من صحة أختها ، وهنا تذكرت قول الأديب الكبير إحسان عبد القدوس عندما قال : (( إن المرأة تحب الرجل أحيانا لأن امرأة أخرى تحبه )) وأضيف على مقولته تلك : (( وينتهي ذلك الحب بمجرد زوال محبة المرأة الأخرى )) .

أرحام مسلوبة الإرادة

استوقفني خبر منشور في إحدى الصحف المحلية قبل عدة أيام يتحدث عن حملة توعوية تم تنظيمها من قبل ناشطات في مجال حقوق المرأة .

هذه الحملة أو الورشة التوعوية كان الهدف منها المطالبة بإيجاد غطاء تشريعي وقانوني يحرم ويجرم عمليات استئصال أرحام الفتيات المصابات بإعاقات عقلية دون وجود أية ضرورة طبية تستدعي إجراء هذا النوع من العمليات لما قد تسببه من مضاعفات خطيرة في المستقبل على صحة هؤلاء الفتيات .

وعلى الرغم من أن الخبر المنشور لم يذكر أية أرقام إحصائية توضح عدد تلك العمليات التي تم إجراؤها لغاية الآن ولكن من الواضح أن سبب لجوء الأهالي لدفع بناتهم لاستئصال أرحامهن المسلوبة الإرادة هو الخوف من تعرضهن للإستغلال الجنسي أو الإغتصاب عند البلوغ مما قد يتسبب بحدوث الحمل .

ما هذه المبررات ؟!

وما هذه العقول ؟!

وهل هؤلاء حقا أهالي أم وحوش ؟!

القضية ليست بهذا الشكل ، بل أنا من سيروي على مسامعكم الجزء الخفي من تلك الحكاية المؤلمة وسأعرض لكم مايدور وراء كواليس عقول هؤلاء الأهالي ، فهم يودون التخلص من أطفالهم المساكين الذين ليس لهم أي ذنب إلا أنهم ولدوا في هذه الغابة المليئة بالوحوش ، ولذلك فأسهل الطرق للتخلص منهم هو الزج بهم إلى دور الرعاية الخاصة والإكتفاء بدفع مصاريفهم هناك وليس مهما بعد ذلك ما قد يحدث لهم ، فإذا تم ضربهم أو إهانتهم أو تعذيبهم أو الاعتداء الجنسي عليهم فهذا كله ليس بذي أهمية ولكن مايهم فقط هو عدم حدوث الحمل .

إن الأولى أيها الأهالي أن لا تخجلوا من مصيبة وابتلاء قد حل بكم ، فهؤلاء الأولاد والبنات هم فلذات أكبادكم التي تمشي على الأرض ، ماهي تلك القلوب التي لا تتورع عن رمي فراشات الجنة في النار ؟

أما القائمون على دور رعاية هؤلاء المساكين فحدث ولا حرج ، هناك يختبؤ أبليس بوجوه وأشكال عديدة ، فغياب الضمير والرحمة والشفقة هي عناوين بارزة لموظفي تلك الأماكن إلا من رحم ربي ، فهم لايتعاملون معهم على أساس أنهم مرضى وبحاجة إلى رعاية واهتمام وحنان وعطف ولين معاملة بل يعاملونهم و كأنهم حيوانات في زريبة وكم يحضرني في هذه اللحظة بالذات مقطع تلك الأغنية التي كان يرددها زملاء الممثل نور الشريف في أحد أفلامه عندما تقرر خروجه من مستشفى الأمراض العقلية فيقولون (( الداخل عندنا مفقود والخارج من هنا مولود )) وتذكرت أيضا مسلسلا سوريا تم عرضه قبل عدة سنوات بعنوان (( غزلان في غابة الذئاب )) والذي تدخل فيه الممثلة أمل عرفة إلى مستشفى الأمراض العقلية وتتعرض للاغتصاب من قبل حارس المستشفى الذي كان يحصل على غنيمة نسائية في كل ليلة بالتعاون مع كبيرة ممرضات المستشفى التي كانت تقدم الفتيات كقرابين ولاء وطاعة لذلك المجرم ، وكذلك تذكرت فيلم عادل إمام (( أمير الظلام )) والذي يعكس من خلاله المآسي التي يتعرض لها الكفيف الذي فقد بصره في دور الرعاية التي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها عذاب ما بعده عذاب .

أنا هنا لي وقفة مع بعض الأفكار التي أعتقد أن سبب الخلل يكمن فيها في عدم تقديم الحماية المطلوبة لذوي الاحتياجات الخاصة .

فالأهالي دورهم واضح وهو أن تلك الفتاة المصابة بتلك الإعاقة ومرضها لايستدعي من نواح طبية وجودها في مستشفى أو دار رعاية خاصة فلماذا يتم الزج بها إلى هناك ؟

أما الناشطون سواء في مجال حقوق الإنسان أو المرأة فالأولى بهم أن يطالبوا بوضع التشريعات والقوانين التي تضمن حماية هؤلاء المساكين من أي اعتداء أو سوء معاملة قد يقع عليهم من وحوش دور الرعاية والمستشفيات ولابد من المطالبة بتشكيل فرق مراقبة دورية لضبط سلوكيات كل من تسول له نفسه بإيذاء هؤلاء المساكين .

أما فكرتي الأخيرة فهي نداء خاص إلى قلب كل فرد في هذا المجتمع بأن يخصص مساحة ولو كانت صغيرة لذوي الاحتياجات الخاصة فهؤلاء هم فراشات الجنة فلا تحرقوا أجنحتهم بنار غرور أبليس الذي أعتقد أنه أفضل من آدم .

العنوسة ليست حكرا على البنات

مصطلح ( عنوسة أو عانس ) التصق في لغتنا بالفتاة التي لم تحضر رياح الأقدار والنصيب لتطرق بابها للزواج ولربما كان لكل عصر من العصور في مجتمعاتنا العربية عمر معين يطلق من بعده هذا اللقب على الفتاة وأعتقد أنه في هذا الزمن أصبح يطلق على الفتاة التي تجاوزت أعتاب الثلاثين ولم تتزوج بعد .

ولكن هل حقا نسبة الفتيات اللواتي بلغن الثلاثين ولم يتزوجن بعد يفوق أعداد الشباب الذين بلغوا أيضا الثلاثين ولم يتزوجوا ؟

لماذا نطلق لقب الأعزب على الشاب ولا نطلق عليه لقب العانس ؟

أنا لا أرى أي فرق بين كلتا الحالتين ، فالكثير من الشباب في هذه الأيام غير قادر على الزواج بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهونها والتي تحول دون تمكنهم من الإقدام أو حتى مجرد التفكير على طرق أبواب الآخرين لخطبة بناتهن .

ومن هنا فإن المتسبب في العنوسة ليست الفتيات وإنما عجز الشباب عن الزواج ، فمن الظلم والجور أن ينتظر الشاب بلوغ الأربعين أو الخمسين من عمره حتى يتمكن من توفير متطلبات الزواج وكذلك ليس من العدالة أن ترتبط الفتاة بشخص يكبرها بكثير لمجرد أنه يمتلك مقومات الحياة الكريمة ولايمتلك أدنى طموحاتها في توفر مقومات شخصية أحلامها التي كانت تبحث عنها .

من هنا بدأ عزوف العديد من الفتيات عن الزواج بطواعية مطلقة منهم لاقتناعهم بأن شريك العمر لابد أن تتوفر فيه مقومات من غير الممكن تحققها بالنواحي المادية فقط ، ولكن مجتمعنا لايرحم أبدا فهو ينظر نظرة مغايرة تماما للفتاة التي لم تتزوج ويقسو عليها ويبدأ بإلقاء التهم جزافا والتي قد تمس في بعض الأحيان من شرف وأخلاق الفتاة والنظرة السلبية لها بسبب عدم زواجها كلما تقدمت في العمر .

أما الشاب فليس هنالك أية نظرة سلبية له من المجتمع في حال تأخره عن الزواج إلا في حالات قليلة ونادرة الحدوث عندما يتهم أن سبب عدم زواجه يعود لمشاكل في رجولته ولكن وبكل أسف مجتمعنا دائما ينظر إلى المشكلة بصورة معكوسة فذلك الشاب الذي تأخر زواجه هو في الحقيقة يكون في أغلب الأحيان عاجزا ولكن ليس عجزا جنسيا وإنما عجزا ماديا ليس له من دواء .

أتذكر دائما مقولة لصديقي المدون نادر أحمد صاحب مدونة جبر من بطن أمه إلى القبر يرددها دائما : (( أن الزواج في هذه الأيام أصبح من كماليات الحياة وليس من ضرورياتها )) وصدقا أنني أؤمن بمقولته تلك تماما ، فكيف يتمكن الشاب من مجرد التفكير بالزواج وهو بالكاد يستطيع أن ينفق على نفسه ؟

أما من جانب آخر فأهالي العديد من الفتيات يلعبون دورا جوهريا في مشكلة العنوسة وذلك بسبب تشددهم لتحقق شروط معينة لا بد من توفرها بالشاب حتى يتم الموافقة عليه وصدقوني هذه الفكرة ليست فكرة شاذة وإنما هي تتصدر المساحة الأكبر في عقول العديد من الأهالي ولايكون للفتاة هنا أي دور جوهري في فرض رأيها على أهلها للحصول على موافقتهم ، حتى أن هذه الحالة تنطبق أيضا على بعض الشباب والذين يكون لأهلهم شروط قاسية ليباركوا اختيار ابنهم لشريكة حياته والتي إذا لم تتطابق مع بعض متطلباتهم يرفضون ذلك الزواج جملة وتفصيلا .

من وجهة نظري فإن لقب العنوسة يجب أن يطلق على هذا المجتمع المتزمت لأفكار وآراء بالية أكل عليها الدهر وشرب ، وما الشاب والفتاة إلا ضحايا لتلك الدوامة التي تعصف بحياتهما وتقلبها رأسا على عقب ، فمن حق كل شاب وفتاة أن تتهيأ له الظروف والمناخ الملائم الذي يتمكن خلاله من اختيار نصفه الآخر بكل اقتناع وبعيدا عن أية ضغوطات ، وإنني أرفض تماما مقولة (( أن الأهل أدرى بمصلحة أولادهم )) فهذا الخيار تحديدا لايملك إجابته الصحيحة إلا صاحب الشأن نفسه ولاتوجد هنا مساحات لفرض الوصاية من قبل أي أحد ، ومع هذا أنا لست ضد تقديم النصيحة والمشورة ولكن ليس الإجبار أو التدخل القسري من قبل الأهل في الاختيار .

وفي النهاية لابد من توضيح أمر في غاية الأهمية فبالتأكيد أن لكل شاب وفتاة شروط ومتطلبات معينة لابد من توفرها في شريك الحياة ولكن من الصعب جدا أن تتطابق تلك المتطلبات وتتوفر تماما في شخص ما ولذلك فالتنازل عن بعض تلك المتطلبات لا يؤدي بالضرورة إلى فشل ذلك الزواج ، فالحرص والحذر في الاختيار أمر محمود ولكن إذا كان بشكل مبالغ فيه فبالتأكيد لن يجد المرء نصفه الآخر أبدا .

الغيرة جنون أم فنون

للغيرة أبواب عديدة تحيط أسوار العلاقات الإنسانية المتشعبة والمعقدة التفاصيل ، ولكن أعتقد أن البوابة الرئيسة للغيرة هي في جانب العلاقات القائمة بين الرجل والمرأة .

في الواقع عندما قررت الكتابة في هذا الموضوع وجدت نفسي مطاردا بمجموعة من التساؤلات المحيرة والتي يمكن تلخيصها بما يلي :

هل الغيرة عند الرجال أكثر وضوحا من الغيرة عند النساء ؟

هل يشعر الرجل بالسعادة والغبطة إذا لاحظ غيرة المرأة عليه ؟

هل المرأة تحب غيرة الرجل عليها أم أن تلك الغيرة تتسبب في تقييد حريتها وتمنعها من التصرف على سجيتها ؟

هل هنالك ثمة علاقة مابين الغيرة والشك ؟

أم أن الغيرة ترتبط بقضية الثقة بالنفس ؟

هل حقا الغيرة سكر الحب أم هي ملحه ؟

بهذه التساؤلات صدقا لا أعرف من أين أبدأ ولكن سأحاول أن أتناول وجهة نظر الطرفين من خلال مشاهداتي المتراكمة والتي ليست بالضرورة أن تكون قابلة للتعميم على المجتمع ككل .

المشهد الأول :

في سن المراهقة نجد في معظم البيوت صراعات ومشاجرات عنيفة بين الأخ وأخته وبخاصة إذا كان هنالك تقارب في العمر بينهما ، فإذا رن هاتف الأخت في المساء تجد الأخ وقد هاج وماج وبدأت عنده حالة الاستنفار القصوى التي لا تتوقف إلا عندما يطمئن ويتأكد بنفسه أن من يكلم شقيقته هو صوت أنثوي ، وكذلك إذا تأخرت أخته عن الحضور إلى المنزل في موعدها المعتاد بعد انتهاء الدوام المدرسي ولو لخمسة دقائق فقط تجده قد بدأ بإجراء تحقيق مطول لاينتهي لساعات عن سبب ذلك التأخير ، أما إذا أرادت أخته الخروج في نزهة مع صديقاتها فقد يخرج لمراقبتها دون علمها في حال فشله في إقناع والديه بعدم السماح لها بالخروج ، أيضا قد يضع برامج مراقبة على حاسوب أخته لمعرفة كافة تحركاتها على الشبكة العنكبوتية ، في الواقع بعد دراسة كل الظروف المحيطة بذلك الشاب تبين أنه على علاقة عاطفية بإحدى صديقات أخته .

المشهد الثاني :

رجل لديه مشكلة خلقية في وجهه وتزوج بامرأة وهبها الله تعالى جمالا تروى فيه الحكايا ، كان يحبها حبا شديدا ولايرفض لها طلبا مهما كان صغيرا أو كبيرا ، وكان يعاملها بكل رقة وحنان وحسن معاشرة تضرب بها الأمثال و تكاد تكون أقرب إلى المثالية في هذا الزمان ، ولكن مع كل هذه الإيجابيات فقد كان لديه شرط يجبرها على الالتزام به وهو عدم السماح لها بالخروج من المنزل لأي سبب كان ، فجواز سفرها صالح للذهاب فقط إلى بيت أهله أو أهلها وبالتأكيد ( رجلها على رجلو) شريطة أن يتواجد في أثناء تلك الزيارة والديه أو والديها فقط وقد يسمح بتواجد شقيقاتها أو شقيقاته ولكن دون وجود أزواجهن بالتأكيد .

المشهد الثالث :

رجل فرضت عليه ظروف الحياة أن يتشارك في المكتب الذي يعمل به مع أربعة نساء ، أما زوجته فهي ربة منزل مثالية وبكل المقاييس ، ولكن لديها طقوس يومية لابد من عملها تتلخص في الاتصال بزوجها على مكان عمله بين الدقيقة والأخرى لمعرفة ماذا يفعل ، تفقد سجل هاتفه الجوال طوال فترة تواجده في المنزل من بريد الرسائل المرسلة والواردة والمكالمات الصادرة والمستلمة وحتى المكالمات التي لم يتم الرد عليها ، ترفض السماح له بالذهاب إلى أية مناسبات إجتماعية إذا كانت مرتبطة بزملائه في العمل ، وإذا حاول التمرد أو عصيان الأوامر تحزم حقائبها فورا وتذهب إلى بيت أهلها .

المشهد الرابع : ( اقتباس من حكاية شائعة )

زوجة كانت على فراش الموت فأوصت زوجها بأن لايتزوج من بعدها حتى تجف حجارة قبرها ، و بعد وفاتها بأسبوع ذهب الرجل إلى زيارة القبر فوجد أنه لا يزال رطبا ، واستمر على هذه الحال لمدة شهر كامل والقبر لايزال رطبا لاتجف حجارته ، وفي يوم من الأيام بعدما فقد الرجل الأمل في أن تجف حجارة القبر ، قرر الذهاب إلى هناك ليعتذر من زوجته ويخبرها أنه لن يتزوج من بعدها وبمجرد وصوله إلى هناك وجد شقيق زوجته يمسك بإبريق ماء ويسقي حجارة القبر وعندما سأله عن سبب فعله لذلك ، أخبره أن شقيقته قد أوصته قبل وفاتها بأن يواظب على سقاية حجارة القبر معللة ذلك برغبتها في الحفاظ على وعدها مع زوجها بأن يشاهد قبرها دائما كما يحب (( رطبا ونديا )) .

Followers

Pageviews Last 7 Days