أحقا المرأة تشعل نيران قلب المرأة ؟

أينما ذهبت تطاردها العيون وتترصد بها ، فجمالها كان كفيلا باحراج عنفوان أي فحل من الفحول ، و لم يحدث مسبقا أن تمكن رجل من إقتحام قلبها دون استئذان ، بل هي من كانت تفتح لها كل أبواب القلوب لتمشي بكعبها العالي ممزقة كل شرايين المغترين برجولتهم الذليلة أمام سحر أنوثتها .

أما شقيقتها فهي لا تقل عنها سحرا وجمالا ولكنها كانت متواضعة في سلوكها مع الآخرين حد التطرف ولم تكن تلك الصورة المعكوسة لمرآة شقيقتها التي لا تتورع عن إذلال كل الرجال المتعطشين لقطرة من ذلك الجمال .

كانت الأم تفاخر كل من حولها وتتباهى أمام الجميع بأن لديها ابنتين من طراز رفيع لمقاييس الأنوثة والجمال ولم تكن هنالك ألسنة تتجرؤ البوح بخلاف ذلك ، فمن يملك إيقاف بجعة برية تسبح فوق مياه القلوب إلا صياد ماهر ؟ ولكن أحقا يمكن لصياد واحد أن يخطف بجعتين بذات الشبكة ؟

أحقا يمكن لجمال الأنوثة أن يستسلم أمام رجل لأسباب وأحداث غير متوقعة لا تستقر أبدا على كراسات خطط المنطق والعقلانية التي شارك في إعدادها أعظم المحنكين في علوم احتلال قلب المرأة ؟

أتذكر مقولة ذلك الرجل الذي قال لي يوما : (( المرء يلهث وراء ما يمتلكه غيره حتى ولو كان قمامة )) ، وأتذكر أنه قال لي يوما : (( أكثر ما يستفز أنوثة المرأة أن يشيح الرجل عيونه عنها بعد رؤيتها ويحدق بمن معها )) ، ولكن أليس الرجل كذلك ؟

صديقتنا المغرورة بجمالها كانت تقضي على أحلام كل الرجال الذين تقدموا لخطبتها فليس منهم من لديه القدرة على ترويض جموح أنوثتها الجارف لقلوب الرجال إلى هاوية وديان الرفض السحيقة .

وحيث أنها تكبر شقيقتها بعامين فقد كان لوالدتها سطوة في رفض استقبال من يطرق بابها لخطبة الشقيقة الصغرى التي توازي شقيقتها جمالا وتتفوق عليها تواضعا ، ولكن ما ذنب الشقيقة الصغرى أن يتأخر زواجها بعد أن وجدت الرجل الذي دق قلبها له ولاتملك أن توافق على طلبه بالتقدم لخطبتها بسبب رفض والدتها المطلق لفكرة ارتباطها قبل شقيقتها ؟

لست أدري لماذا هنالك العديد من العقول في مجتمعاتنا العربية والتي لا تزال تعتقد أن الزواج هو كطابور اصطفاف لا يجوز فيه التقدم للصغير على الكبير مع أننا نحن العرب نكره النظام والصفوف المرتبة ولا نتورع حتى في شؤوننا الصغيرة عن التعدي على أماكن تواجد الآخرين واختراق صفوفهم لاعتقادنا أن أهمية الوقت هي في قضاء شؤوننا فقط أما شؤون الآخرين فلا قيمة لها عندنا ، وبالمناسبة فإن اختراق الصفوف والتعدي على حقوق الآخرين سواء بوساطة الأقارب والمعارف والأصحاب أو بالقوة والنفوذ هي حقوق حصرية للمواطن العربي .

قررت الوالدة أخيرا أن تخالف قانون صفوف الزواج العربي وتوافق على مقابلة أهل ذلك الشاب الذي يود الارتباط بابنتها الصغرى ، وفعلا أتت الرياح كما تشتهي سفينة قلب الشقيقة الصغرى وتمت الموافقة على الزواج ولكن ماذا حل بصديقتنا المغرورة يا ترى ؟

لم تعد تنام الليل ولا النهار كلما قفزت صورة ذلك الشاب إلى مخيلتها ووجدت نفسها وللمرة الأولى تتلهف على قلب رجل بهذه الطريقة وكانت كلما تتذكر مشهد جلوسه بجانب شقيقتها وقد تشابكت أيديهما بكل حب وحنان تتمنى أن تمزق بأظافرها كل تلك اللحظات السعيدة لاعتقادها أن ذلك الرجل مخلوق فقط ليروي أنوثتها التي ما عرفت الظمأ في يوم من الأيام لقلب رجل .

وبدأت صديقتنا ولأول مرة في حياتها تمارس دور الصياد الذي يريد التربص بفريسته ولكنها لم تبذل مجهودا كبيرا في الانتظار لأن الشاب وقع صريعا من أول سهم انطلق من عيونها الجريئة وجثا على ركبتيه ينتظر مصيره المجهول من تلك الصيادة المحترفة بفنون اصطياد فرائسها من الرجال .

فسخ الشاب خطوبته من الشقيقة الصغرى بدون أية مقدمات ولم يكتفي بذلك بل صارحها بعشقه لشقيقتها وبدأ بالقاء الأعذار والحجج الواهية بأن الزواج قسمة ونصيب وأن المرء لا يختار طريق قدره بل يمشي فيه مسيرا دون إرادته وبالتأكيد كلامه ليس غريبا أبدا ولايخرج عن نطاق مصطلحات المبررات التي يستخدمها العديد من الأشخاص في مجتمعنا عندما يبررون جرائمهم وأخطائهم وأنانيتهم ويلقون بها إلى عجزهم عن التدخل بأقدارهم .

صديقتنا تسمع محور الحديث كله ومع آخر كلمة من مبررات ذلك الشاب لشقيقتها ، تنطفؤ آخر شعلة من نيران قلبها المتأججة نحو قلب ذلك الشاب فهو أصبح الآن ملكا لها وحدها ، وهنا تنتهي الحكاية فلم تعد تجتاحها أية رغبة نحو تلك الفريسة الذليلة التي تنتظر مصيرها ، فإذا بها تقتحم خلوتهما وتطرد ذلك الشاب مستهزئة به وتخبره بأنها لا تريد رؤية وجهه مجددا ، ولكن شقيقتها كانت الضحية وبكل أسف فقد أصيبت بانهيار عصبي أفقدها النطق لسنوات عديدة وهكذا دفعت صديقتنا ضريبة غرور أنوثتها من صحة أختها ، وهنا تذكرت قول الأديب الكبير إحسان عبد القدوس عندما قال : (( إن المرأة تحب الرجل أحيانا لأن امرأة أخرى تحبه )) وأضيف على مقولته تلك : (( وينتهي ذلك الحب بمجرد زوال محبة المرأة الأخرى )) .

Followers

Pageviews Last 7 Days