الاعتداء الجنسي على المحارم

لم أستغرب كثيرا من عنوان الخبر الذي قرأته في أحد الصحف اليومية قبل يومين تحت عنوان (( مقتل فتاة على يد والدها وهو يحاول إجهاضها بعد أن حملت منه سفاحا )) ولكن الذي أثار اشمئزازي من تفاصيل هذا الخبر أن والدة الفتاة كانت على علم بعلاقة زوجها مع ابنته .

وملخص الخبر أن الفتاة التي تبلغ من العمر (19 عاما ) حملت سفاحا من والدها الذي يبلغ من العمر ( 46 عاما ) بعد محاولته لإجراء عملية قيصرية لها في المنزل لانتزاع الجنين من أحشائها مما أدى إلى إصابتها بنزيف حاد مالبثت معه أن فارقت الحياة .

وكما هو منشور في الخبر فإن هذه العلاقة قائمة بينهما منذ حوالي خمس سنوات والوالدة على علم بتلك العلاقة منذ عامين ، وهنا بالتأكيد تثور الأسئلة التي لا تنتهي حول سبب سكوت الزوجة لمدة عامين عن تلك الجريمة البشعة ؟

في الواقع موضوع زنا المحارم من المواضيع التي لطالما أردت الحديث عنها وقد قرأت في الفترة الماضية عن عدة وقائع حصلت من هذا النوع في مجتمعنا ومع هذا كنت أود الصمت عن الحديث في هذا الموضوع معللا ذلك بأن هذه الأحداث لاتزال في مراحل جنينية شاذة في المجتمع ولكن الحقيقة المؤلمة أن هذا الموضوع بدأ يأخذ حيز التطبيق بعد المراحل المتقدمة التي وصل إليها المجتمع من الإنحدار الخلقي الذي ربما يستهين البعض بمدى خطورته على المجتمع وأنه الأساس الأول لحدوث العديد من الجرائم البشعة فيه .

أنا لا أدعو إلى مثاليات يتوجب تطبيقها وإنما لا بد من تحذير مختلف الفئات من قضايا قد يعتقد البعض أنها سخيفة ولكنها حتما ستؤدي إلى تلك الجرائم والتي أقل ما يمكن وصفها بأنها تثير الاشمئزاز والرغبة في التقيؤ .

دعوني أذكر لكم في البداية ماورد في مذكرات طبيبة نسائية عربية كمقدمة للحديث عن المسببات التي قد تؤدي إلى زنا المحارم .

تقول تلك الطبيبة أنه في أحد الأيام حضرت فتاة ووالدتها لإجراء فحص لتلك الفتاة التي لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها وبالطبع كان خبر حملها كصاعقة حطت على رأس والدتها أما الصدمة الأكبر فكانت عندما تبين أن الفاعل هو خال تلك الفتاة الذي يكبرها بخمسة أعوام حيث كانت الأم تترك ابنتها في البيت وحيدة مع خالها معتقدة أنها ستكون في أمان معه ولاخوف عليها ولكن هل هذا الزمن يوجد فيه أمان ؟

أيضا تقول تلك الطبيبة أن امرأة حضرت لعيادتها تشكو من انقطاع الدورة الشهرية عنها لمدة ثلاثة شهور مستبعدة احتمالية أن تكون حاملا حيث أن زوجها مسافر منذ تسعة شهور ولكن من خلال الفحص السريري تبين أنها حامل ومالبثت أن اعترفت للطبيبة بأنها كانت تمارس الزنا مع شقيق زوجها الذي يقيم معهم في ذات المنزل حيث بدأت القصة عندما كانت تعد له الطعام في الليل والجميع نائمون وكذلك عند دخولها إلى حجرته في الصباح لايقاظه ، وهنا ألا يجدر بنا التوقف قليلا والتفكير بأن أمورا يعتقد البعض أنها عادية مثل تحضير الطعام أو الدخول إلى غرفة رجل لايقاظه قد تؤدي إلى تلك العواقب الوخيمة ؟

وأيضا من مذكرات تلك الطبيبة قيام امرأة بمراجعتها تشكو من عدم قدرتها على معاشرة زوجها على الرغم من محبتها الشديدة له فبمجرد اقترابه منها تبدأ بالنفور والاشمئزاز منه بشكل لا إرادي وبعد عدة زيارات تعترف تلك المرأة للطبيبة أنها كانت على علاقة جنسية بشقيقها في سن المراهقة وأن تلك العلاقة استمرت لغاية سن الدراسة الجامعية حيث أدرك كل منهما خطورة فعلتهما ولكن تلك الذكريات ظلت ملتصقة بذاكرتها مما تسبب بحدوث تلك الحالة النفسية لها .

قد يقول البعض الآن أن هذه الأحداث قد تكون وهمية وأن تلك الطبيبة كاذبة وأنها تحاول فقط تسليط الأضواء الإعلامية عليها ومن ناحية جدلية ولو افترضت هذا الافتراض فإن هذا لن يمنع أبدا خطورة حصول مثل هذه الأمور إذا توفرت البيئة الملائمة لحصوله .

القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية الإباحية والتي يتابعها العديد من شباب هذا المجتمع في هذه الأيام تروج وبشكل كبير في الفترة الأخيرة إلى زرع شهوات شاذة في عقول الشباب اسمها ( Incest Sex) أي زنا المحارم وقد تم جمع أكبر قدر ممكن من الأفكار الشيطانية في تزيين تلك الشهوة وإشعال الرغبة بممارستها من قبل كل من يقع فريسة لمشاهدة تلك الأفلام الشاذة .

وإذا اعتقد البعض أن الشعب أصبح مفلسا ولايملك المال لمشاهدة التلفاز أو الانترنت فسأقبل بذلك التحليل وانطلق للحديث عن الجوانب الأخرى من تابوهات هذا الموضوع الخطير الذي لا يزال مختبئا في ظلام الاعتقادات الخاطئة أن مثل هذه القضايا ليست بذات أهمية تذكر لأنها ستظل في إطار الحالات الشاذة .

ولكن أحقا الموضوع لايزال في إطار الحالات الشاذة ؟

لو أن تلك الفتاة لم تتوفى في عملية الإجهاض فهل كان سيعلم أحد بما كان يفعل ذلك الأب المتوحش ؟

إن حساسية مثل هذه العلاقات تجعل الفتيات في موقف يصعب معه التحدث والاعتراف أمام أحد لأن الجاني هو أقرب الناس إليهم وهذا أول مؤشر في عدم وضوح عدد هذه الحالات والمعرفة بها .

في الواقع الموضوع شائك وقد يحتاج لعدة إدراجات للحديث عنه من كل الجوانب ولكن ما أود التطرق إليه في هذا الإدراج هو بعض الممارسات التي يعتقد البعض أنها ممارسات طبيعية ولاتؤدي إلى حدوث كارثة الزنا أو الاعتداء الجنسي على المحارم ومنها :

عدم التفريق بين الذكور والإناث بمجرد بلوغهم في غرف نوم منفصلة كما علمنا رسولنا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال : (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع )) وأعتقد أن العديد من الأسر في هذه الأيام متنبهة إلى خطورة عدم الفصل في غرف النوم بين أبنائهم الذكور والإناث ولكن بدأت بهذه النقطة من باب التذكير .

أما المسببات التي لايكترث بها العديد من الناس ويعتقدون أنها طبيعية فمنها مثلا قضية جلوس الفتاة أمام شقيقها أو والدها بملابس شبه عارية اعتقادا منها أنه من غير الممكن أن تتسبب بذلك في إثارة الشهوة الشيطانية لديهما فهذا اعتقاد خاطىء تماما وكل فتاة لا تتنبه لخطورة مثل هذه المواقف فهي حتما في خطر لأن معظم الذكور في هذه الأيام يعانون من مشكلة كبت وحرمان جنسي سواء بسبب عدم زواجهم وتأخره أو للسبب الذي ذكرته قبل قليل وهو كثرة مشاهدة الأفلام الشاذة التي تزين مثل هذه الشهوات في عقولهم .

أنا أيضا لست مع فكرة بقاء الفتاة أو المرأة لوحدها في المنزل لفترات طويلة مع أي ذكر من المحارم ( والدها ، شقيقها ، خالها ، عمها ، والد زوجها ) لأن هذه البيئة تكون خصبة جدا لوساوس الشيطان في زرع بذور الشهوة الحيوانية وحدوث ما لايحمد عقباه بعد ذلك .

حتى أن من الأمور التي يعتقد البعض انها تافهة جدا هي ترك الملابس الداخلية للفتاة في أماكن ظاهرة للعيان في المنزل بحيث يشاهدها الوالد أو الشقيق أو أي ذكر من المحارم متواجد في المنزل فهذه أيضا تشكل فتنة قد تؤدي إلى إثارة الشهوة لديهم .

صدقوني وخطابي في هذه الفقرة للفتيات تحديدا أن تحرصوا كل الحرص من مخاطر قد تحيط بكم دون أن تدركوا وهذه ليست دعوة للانشقاق على المحبة بين أبناء الأسرة الواحدة بقدر ماهي دعوة تحذير وخوف عليكم وأنا لا زلت أنادي وسيظل شعاري الأبرز في كل كتاباتي أن معالجة الخلل في البيئة الاجتماعية هي من الاساسات التي تساعد بالنهوض في معالجة القضايا والمشاكل الأخرى ، فالقضايا السياسية والاقتصادية و مايتعلق بأمن المجتمع واستقراره والارتقاء بنمط معيشة المواطن العربي وسلوكياته من غير الممكن أبدا أن يتم معالجتها إذا كانت شبكة الأخلاق والوازع الديني مترهلة في العقول .

فهل سنظل نتحسر على تقدم الأمم الأخرى و هل سنظل نتغنى بأمجادنا الغابرة ونبكي أوضاعنا المعيشية الصعبة ونلقي باللوم عليها في كل مصائبنا ونتناسى أننا نلامس مكان الألم في كل يوم ولانحرك له ساكنا ؟

Followers

Pageviews Last 7 Days