خيالات عاشق في ليلة رأس السنة

في تلك الساحات التي تعج بالبشر وهم يهتفون بالعد التنازلي لعام يلفظ الثواني الأخيرة من أيامه ، ثمة عاشق يقف في منأى عن الجموع في زاوية مظلمة لا تطالها أنوار الاحتفال ، والتي تنطفئ سريعا كلما أفصح العام الجديد عما في جعبته من أحداث وأخبار لا تليق ببشائر التفاؤل المرتقبة في بداياته .

هو ليس معنيا بالسياسة ، ولا يكترث بترقب أزهار الربيع إن أينعت إثر تغيير التربة التي تحتويها ، ولا أعتقد أن الإقتصاد بكساده أو رخائه ، وجنون الأسواق المالية وتقلبات أسعار العملات ، وانهيار تحالفات الدول العظمى أو اتفاقها ، وارتفاع مؤشرات الأمن المجتمعي أو انخفاضها ، قد تحتل حيزا من خياله في تلك اللحظات .

إن قلبه كان يشبه حياة الغجر ، فلا يستقر على محبة امرأة قط ، ولكنه في هذه الليلة عزم أمره على البقاء في أحضان امرأة تدرك تماما أن رياح الحب إذا هبت فلا بد من اغتنامها ، فالتاريخ يؤكد مع كل تعداد زمني لسنواته ، أن الذي يمضي لا يعود ويلتفت للخلف .

ولكن من تكون يا ترى هذه المرأة ؟

أهي امرأة تقطن بلاد العرب أم العجم ؟ شقراء أم سمراء ؟ عيناها كزبد البحر أم كغابات النخيل ؟ أم كالعسل الذي يقطر فوق أغصان البلوط والسنديان ؟

تراها أي حرف اختارت من الأبجدية ليهمس في أذنيها كل حروف النداء ؟ وهل حقا تتقن أناملها مداعبة وجنتيه الشاحبتين ؟ ومعانقة كفيه المرتجفتين ؟

أين كان لقاؤهما المفترض ؟ على ذاك المقعد المقابل لمنزل جدتها عند حديقة الجاحظ في دمشق ؟ أم خلف صخرة الروشة في بيروت ؟ أو قد يكون غفل أنها تنتظره في كوبري قصر النيل ؟ ولربما ابتعدت قليلا ومشت على جسور قسنطينه وسألته أن يكون بطلا لرواية لم تكتبها (( أحلام المستغانمي )) بعد ؟

كل الاحتمالات كانت ممكنه ، وهذا كان يستدعي منه أن يجتهد في حصص التاريخ والجغرافيا ، ويتقن لغات ولهجات عديدة ، ويحفظ كل قصص الحب ودواوين الشعر قبل عصر الحب العذري وبعده ، ولكن ثمة أشياء تظل ناقصة مهما سعى المرء لإكمالها ، كخطوط الحبر التي تنضب قبل رسمها على الورق .

قد يكون في هذه الليلة ينتظرها ، ولربما في الغد سيمضي مع العام الجديد ويستجدي حلول عام آخر ، كحاله منذ ثلاثة عقود قد خلت ، لا شيء مما يتمناه يحدث قط ، لعله في هذا العام يدرك أن نصيبه من هذه الدنيا لا يتعدى الأمنيات .

ولذلك أيها العاشق كفاك خيالا وتمني ، ففي الحب إما أن تكون أو لا تكون ، ومن العدم لا يخلق العشق ، و لا توجد منطقة رمادية أو بعد ثالث يخط على كراسات القلوب عاطفة يتم وأدها حين ولادتها .

عند حلول كل عام جديد ، نتفاؤل ونتمنى ونحلم ، ولكننا لا نجرؤ على محاولة الإقدام لتحقيق ما نصبو إليه ، ونلقي باللوم دوما على الظروف والأقدار التي تعاكس إرادتنا ، فمتى نتحرر من هواجس تلك القيود ، ولا نتردد ولو لمرة واحدة في حياتنا من المسير في دروب دون التفكير بنهايتها ؟

أميرة من بلاد القوقاز


كي أكتب عنك ، فذلك يستدعي أن استحضر طقوسا استثنائية ، فلقد كانت الليلة الأولى من نوفمبر ، ذاك التاريخ المرتبط على وجه الدقة بذكريات (( أحلام المستغانمي )) كاتبتك المفضلة ، والمرتبط بذكرى تدوينتك التي لن أنساها ما حييت قط ، فلقد كانت أول تدوينة بحق قلمي الذي لطالما عاش في الظل وحيدا ، لا يجد نور حروف تشرق على كراسات أوراقه بكلمة مديح أو ثناء .

ولذلك دعيني أخاطبك اليوم على طريقة (( ابن طوبال )) ، فأشعل الذاكرة بخيباتي الكتابية من قبلك ، والتي بدأت تحديدا وأنا في الخامسة عشر من عمري ، حين وبخني أستاذ اللغة العربية أمام الطلاب على سرقتي لموضوع تعبير من مقالة في مجلة لا يعلم مصدرها ، ولم يسبق له قراءتها ، فأقسمت له ببراءة قلمي من اتهامه ، ولكنه أصر على منحي درجة متدنية ، وأذعنت يائسا لعقوبة أول جريمة كتابية اقترفتها ، بعدما كنت أظن أنني أرسم لوحتي الأدبية الأولى .

وبعد عام واحد فقط ، لجأت إلى الأوراق البيضاء تارة أخرى ، لعلها تقنع حبيبتي الأولى بالعدول عن قرارها في الهجران ، فكتبت أول رسالة حب ، وترجمت بحرص شديد ، لغة القلب والروح بعد رحيلها ، ودموعا ما جفت في مآقيها ، وأياما ترفض حياة لا تحتويها ، وعهدا لن تنحل عقدته مهما طال غيابها ، فكان ردها على رسالتي مؤثرا حقا ، إذ ضج بيتها بزغاريد خطبتها على رجل يعمل في بلد نفطية ، وحينها لعنت قلمي الذي كلما لامس الورق ، أثخن حياتي بالحزن واليأس والخيبة .

وبعد ثلاثة أعوام ، انقطعت الأخبار بيني وبين صديق هاجر البلاد ، وكنت مشتاقا له أشد الاشتياق ، وما كنا نعلم حينها مكان القرية التي سيلتقي فيها العالم وهم جالسون في بيوتهم ، فكان لامناص من الكتابة مجددا على الورق ، ورجوت القلم أن يساعدني في استفزاز مشاعر الحنين لدى صديقي حال تسلمه لبرقيتي المسجلة بعنوان بارز يدعى الإشتياق ، ولكن جمال القارة العجوز كان كفيلا بإلقاء رسالتي في أقرب سلة مهملات ، ليتجدد موعد الخيبات الذي بات مرتبطا بالكتابة .

ومضى عقد من الزمان ، والخيبات تطاردني في كل ميدان ، ولكن عشقي المجنون للكتابة ظل ملتهبا لا تخمده ثلوج اليأس والحرمان ، فأعدت ترتيب الأفكار والتساؤلات التي شغلت حياتي لثلاثة عقود من الزمان ، وبدأت أكتب تدوينة تلو الأخرى ، حتى أتيت في الأول من نوفمبر ، مخالفة كل قوانين الإحباط التي لازمتني في مشواري الكتابي ، لتكتبي بقلمك الرائع توصية تزكين فيها قلمي ، ومن فرط سعادتي وأنا أقرأ حروفك في ذلك اليوم ، لم ألتفت إلى أستاذ اللغة العربية الذي لا يفتأ ذكرا لقصتي في كل مجلس مع زملائه المتقاعدين وهم يلعبون النرد في المقهى ، وإلى حبيبتي الأولى وهي تتحسر في حديثها مع جاراتها عن أمنياتها بكلام عذب تسمعه من زوجها ويكون شبيها لرسالة قرأتها في أيام مراهقتها ، و صديقي الذي أضافني على قائمته في الفيس بوك وهو يفرط في ارسال حنينه لأيامنا الماضية ، فذلك كله لا يضاهي فخري واعتزازي بشهادتك التي جعلت موعدا استثنائيا للفرح يتزامن مع لحظة كتابية لقلم أجهدته الخيبات .

هذه التدوينة مهداة إلى الأميرة القوقازية (( هدايه )) صاحبة مدونة (( orangee ))

على خطى " فلورينتينو "


منذ خمسة عقود و أنا أستجدي لقاءنا الموعود ، وقفت أمام كل الأبواب الموصدة ، وما أذعنت لليأس من انفراج أقفالها ، ومشيت في درب قد طال فيه المسير ، عازما على الوصول إليك ، غير مكترث بمحطات العمر التي جاوزتها خطوات أيامي المتلهفة للقائك ، فشحذت الأمل بقلبي ، وحملت على أكتاف روحي الصبر ، لأجدد لك مع فجر كل يوم جديد ، قسمي الأبدي بحبك .

مضى العقد الأول وأنا أبحث عنك ، أنام وأصحو ولا أهذي بكلمات لا تبدأ بحروف اسمك ، ألتهم دواوين الشعر ، وأعيش تفاصيل كل روايات الحب ، وأسهر على آهات العندليب و مواويل القيصر ، دون أن يشغل حيز تفكيري من المستقبل أي هدف لا يتقاطع مع رغبتي الجامحة في إيجادك ، وفي ذات قدر متأخر ، عثرت عليك وأنت ترتدين طرحتك البيضاء وتزفين عروسا لرجل غيري .

في العقد الثاني ، كنت كالطيور المهاجرة أتنقل من أرض امرأة إلى أخرى ، وعبثا كان تأقلم القلب بأجواء حبهن ، مما استدعى رحيلي المتواصل في ليالي الفراق خلسة وعلى رؤوس أصابعي ، فلا التفت ورائي خشية الحنث بقسمي الأبدي حين أشاهد دموعا تسألني عدم الرحيل ، وعندها أجوب كل أراضي النساء المترامية أمام بصري ، ولا أغفل الالتفاف بحرص حول أرضك المحرمة على قلبي أن يطأها ، وتحديدا في الوقت الذي كنت تحتفلين فيه بعيد أمومتك الأول فالثاني ، وأنا أقف على حدود أرضك أراقب ذلك كله ، وازداد إصرارا وعزيمة على إدراك اليوم الذي قد يجمعنا .

وجاء العقد الثالث وما أقحمتك بمعاناة الانتظار ، بل كنت اكتفي بمشاهدتك من بعيد ، والاطمئنان على دوران عجلة أيامك في مسار سعيد ، وعلى الرغم من أنني كنت استشعر دنو لحظات الشباب عن الرحيل ، إلا أن حبك في قلبي ظل فتيا ، لا تسري إليه أعراض الهرم قط .

وعند العقد الرابع اشتعل الرأس شيبا ، وأنا لا أزال أمشي في دربك وأتعثر بالفراغ ، حتى أصبحت أخشى في كل محاولة أواصل فيها المسير ، أن أجد صدر الموت يضمني عوضا عن صدرك الذي قضيت أربعين عاما وأنا أتمنى اللجوء إليه في إقامة عشق أبدية .

وبدأ العقد الخامس من مشروع حبك المؤجل ، والذي عجزت عن إتمامه طوال تلك الأيام والسنين ، وأنت حينها كنت تضيفين لقبا جديدا إلى ألقابك ، والتي حالت دوما بين قلبي وقلبك ، فمن زوجة إلى أم وأخيرا إلى جده ، ومع هذا لا استسلم قط ، ولا أتوقف عن المسير إليك ، فبمجرد أن أتذكر دنو الأجل ، كان حبك يزداد كثافة في قلبي ، فغدوت به كحصن منيع ضد الشيخوخة المستفحلة في شتى أركان جسدي ، غير آبه بمعاناتي الممتدة لنصف قرن من السنين ، والتي عاهدت نفسي أن ألقي بها وراء ظهري في يوم لقائك ، وأنا أجدد لك قسمي بحبي الأبدي .

ولكن وبعد كل هذا الانتظار ، يتمكن رجل آخر من اختطافك مجددا قبل وصولي إليك ، ويا له من رجل لم يكن باستطاعتي التصدي له بأي حال من الأحوال ، فهو أقوى من كل الرجال ، إنه الموت ، إلا أنني لم أبكي بل ضحكت ، فلقد أصبح يمكنني الوقوف عند شاهد قبرك ، والبوح بقسم حبي إليك دون أن أخشى البشر من حولي ، أو حجارة ضريح قبرك التي سيرتد منها صوتي ، فحبي لك كان دوما أقوى من كل الحواجز المنيعة ، وقطعا ستسمعين ندائي ، وتهبين من مرقدك كمليكة متوجة على عرش قلبي ، فأضمك إلى صدري الذي ظل خاويا منك نصف قرن من الزمان .


مستوحاة من (( الحب في زمن الكوليرا )) رائعة الروائي الكبير (( غابرييل غارسيا ماركيز ))

إلى امرأة الياسمين


في كل ركن من أركان ذاكرتي ، تعبق رائحة ياسمينك ، فهل آن الأوان كي أعترف لك دون مواربة أو كبرياء ، بأنني يا حبيبتي اشتاقك كلما تنفس الصبح وعسعس المساء ؟

لا زلت أذكر كل التفاصيل ، لعشق أجهض في رحم الواقع ، ولقصيدة حب خطتها قلوبنا على كراسات القهر والحرمان ، ولهذا كانت السعادة في فصول حكايتنا حلما مع وقف التنفيذ .

كم كنت أتمنى لو كف المنطق في عقلك عن الدوران ، كي أضمك لصدري وأبكي على كتفك كالأطفال ، ولعلي كنت حينها سأدرك حكمة البعث من نعش الحياة التي مضت قبل لقائنا .

كيف السبيل إليك ؟ وقد أضعت كل خرائط الأمل التي قد تقودني لقلبك ، ومضيت في دروب معاكسة لدربك ، فلا حطت رحالي في أرض امرأة إلا وعزمت الرحيل كي أبحث عنك من جديد .

أين أنت الآن ؟ بل أين أنا ؟ أهو قدر يعبث بي ؟ فيجعل رجلا غيري يقطفك حين أينع زهرك ، وأنا منذ عصور أروي بذرتك بأحلامي وأنتظر حصادك في موسم من مواسم الواقع .

كلما سيداعبني عطر الياسمين ، سأظل أبكيك منتظرا معجزة تجعل الطبيعة تتضافر لتنتزعك من خلف الأسوار التي تقف حائلا بيننا ، وحتى لو استدعى ذلك أن أنتظرك دهرا ، أو أموت قهرا ، ففي كلتا الحالتين ، أنت وأنا أو أنا وأنت ، مطر وياسمين ، خلقنا لنكون معا ، فالسحاب الذي لايمطرك حمله كاذب ، والياسمين الذي لا يحتوي وجودك هو حتما زائف .

ألا زلت تتئكين على عصا المستحيل ؟ وتهشين بها أسباب الجفاء وتستعينين بها لمآرب الإذعان لصوت الضمير ، إذن ألق بها ولا تخافي أن تتلكأي في المسير ، فكل الدروب قطعا لن تكتمل نهايتها إلا بين ذراعي يا حبيبتي ، فإلى متى ستكابرين ؟

متى ستسيرين نحوي دون أن تتعثر خطواتك بسعادة قد تضيع من الآخرين ، ولماذا تكتبين على سطور أيامنا الشوق والحنين ، هل التضحية في الحب دوما تحتمل كل هذا الخسران المبين ؟

ذكرى سعيدة .. دوما


ما أعرفه عن أسطورة الحب .. أنها و رغم أبديتها .. تنشأ فى لحظات

ما أعرفه عن أسطورة الحب .. أنها جدا نقية .. بريئة .. مباشرة .. دافئة .. طبيعية .. و هذا اهم ما يميزها

حبيبتي .. هي أسطورتي .. الابدية .. النقية .. حبيبتي هي كل تلك المعاني التي لا يمكن لكلماتي أن تصفها

تعرفون حبيبتي .. حين ترون فتاة جميلة .. هي أقرب لتفاصيل الطبيعة التي تتنشقونها فى كل يوم .. و ترونها فى كل نهار .. هي أقرب لصوت الاشجار .. لنسيم الفجر .. لعبق الزهرات الندية .. تعرفون حبيبتي لأنها جميلة بحق .. بلا أي رتوش تحاول إضافة ألوان إلى لوحة مبهرة بطبيعتها .. حبيبتي هي الشمس التي تحب أن تنعم بدفئها دون نظارات سوداء قاتمة .. حبيبتي هي النسمات الباردة التي تحب أن تداعب ذراعيك دون أكمام .. حبيبتي هي المركب الذي تحب أن تبحر به دون أشرعة تدفعه بقوة وسط الامواج .. فى حين تفضل الابحار الهادىء الذي يمنحك الاستمتاع بالبحر و الهدوء معا .. حبيبتي مثل زخات المطر التي تحب أن تقطر على وجهك دون مظلة .. تزيل هموما آلمتك و تمحو لمحات حزينة أثقلت تجاعيد وجهك .. حبيبتي مثل الضحكة التي ترتسم على وجهك دون تصنع مع كلمة متلعثمة يخرجها طفل صغير أو فكاهة قبيحة يقولها أحد اصدقائك فى سهرة تجمعكم للمرة الاولى منذ أعوام .. حبيبتي مثل دمعة تذرفها عيونك دون حزن أو خوف .. دمعة بريئة كطفولتك .. وليدة موقف يملؤه الشجن .. دمعة تعني الكثير لمن معك .. وتخرج الكثير مما بداخلك

حبيبتي .. ليس كمثلها فتاة .. حبيبتي لا تكون إلا (حبيبتي أنا) .. لأنها عالمي الذي لايمكن التنازل عنه .. ومفتاح مستقبلي الذي لايمكن البدأ بدونه .. ودفاتر ذكرياتي التي لا تُنسى أبدا

حبيبتي مميزة .. لأنها بحق .. مختلفة .. نقيّة .. و طبيعية

سن التقاعد العربي


اكتمل نصاب العقود الستة من عمري ، أكاد لا أصدق ذلك ، إنني لا أزال على قيد الحياة ، ولم تهوي ورقة الأجل بعد ، ومع أن حالتي الصحية لم يعد فيها موضع شبر لمزيد من الأمراض الجسدية أو المعنوية ، ولكني لست مكترثا لذلك الآن ، فاليوم سأحتفل ببلوغي لسن التقاعد ، وسأحيل أوراقي إلى فضيلة محاسب الشركة ، كي أنجز معاملة مستحقات نهاية خدمتي ، والتي جاوزت الثلاثة عقود ، دون أن أتمكن خلالها من تحقيق حلم لطالما راودني براتب تختلف فيه ملامح خانته الثالثة ولو لمرة واحدة على الأقل .

ارتديت بدلتي الرسمية القاتمة اللون ، ولربما يصعب تحديد لونها على وجه الدقه ، فأنا ارتديها يوميا منذ فصل الشتاء المنصرم قبل خمسة أعوام ، وهي ملاذي في كل المناسبات من أفراح وأتراح ، ولكني أذكر أنها كانت سوداء حين اشتريتها من بائع متجول ، كان قد أقسم لي ثلاثا بأنها بضاعة تم تهريبها من اسطنبول وذلك كي لا تأخذني الهواجس والظنون وأجزم أنها قادمة من بكين .

حاولت تجنب مواجهة المرآة قبل خروجي من المنزل ، فلا أشاهد وجهي المتآكل بالتجعدات ، وعيوني الذابلة وما يحيط بها من هالات ، وشفتي المزمومتين وما تخفيان وراءهما من أسنان زائفة ، وعنقي المترهلة وقد انغرست بين كتفي المتهدلين ، وتلك السماعة اللعينة التي تحيط بأذني اليمنى ، وبقايا الشعر الأبيض الذي بالكاد يغطي ثلث مساحة رأسي ، نعم لقد بلغت من الكبر عتيا ، وتكفي نظرة خاطفة إلى الصورة المعلقة على الجدار منذ يوم زفافي كي أدرك أنني قدم في الدنيا وأخرى في القبر .

اتكأت على عصاي واسندت مايمكن اسناده من ظهري المحدودب ، ومضيت قاصدا مكان عملي ، ممتطيا حافلة النقل العام بعد أن نطقت بالشهادتين ودعوت المولى بحسن الختام وذلك عندما تدافعت من أمامي الرؤوس والأقدام بمجرد وصول الحافلة ، ولولا تدخل أهل الخير الذين هبوا لنجدتي قبل الغرق في ذلك السيل البشري الزاحف ، لكنت الآن أرقد في قبري مع زملائي الذين التحقت وإياهم بالعمل في التاريخ ذاته ، و لكنهم رحلوا عن الدنيا قبل بلوغهم لسن التقاعد المرتقب .

أبحرت في خيالي وأنا أنظر من نافذة الحافلة ، بمباراة الدوري الالماني التي شاهدتها قبل يومين وذلك عندما كانت كاميرا التصوير تتحرش بوجوه الجماهير قبل انطلاقة صافرة الحكم ، وتحديدا برجل وزوجته يتقاطعان معي في سنين العمر و يترقبان المباراة بمنتهى اللهفة ، وذراعه تحيط كتفها وقد مال رأسها على صدره ، فابتسمت ساخرا من ذلك التناقض العجيب بين بشر يقبلون على الحياة من جديد بعد بلوغهم لسن التقاعد وبين بشر اعتزلوا مباهج الحياة قبل التقاعد وبعده ، مع استثناء من يموت قهرا من الاحباط واليأس وهو لايزال في ريعان الشباب .

وصلت إلى مقر الشركة ، وألقيت التحية على موظف الأمن المتقاعد من الجيش قبل عشرة أعوام ، والذي لطالما كان يؤكد لي أن هذه الوظيفة تحتاج لخبرة رجل مثله وليس لشاب غر لا يفقه في العمل الأمني والعسكري ، وعندما دخلت البوابة الرئيسة للشركة ، استوقفني صوت أنثوي عذب قادم من نافذة الاستعلامات ، (( عفوا عمو ... كيف بقدر أخدمك )) ، التفت خلفي فوجدت فتاة لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها ، وقد تدثر وجهها بمساحيق تجميلية تشبه إلى حد بعيد ما يستخدمه المهرجون في السيرك وقد امتد من خلف غطاء رأسها ما يشبه سنام الجمل ، اقتربت منها مندهشا وسألتها عن الموظفة السابقة (( أم سليم )) ، فأخبرتني أنها اصيبت بشلل نصفي بعد تعرضها لحادث سير ، فدعوت لها بالشفاء العاجل وأكدت لها أنني موظف قد تقاعد من الشركة حديثا وجئت قاصدا قسم المحاسبة لاتمام معاملة تقاعدي ، فطلبت مني الانتظار قليلا حتى تعلمهم بقدومي ، ولكن جرس هاتفها قطع حديثنا ، استأذنتني للرد وكانت المكالمة الواردة على مايبدو من صديقتها ، ومالبثت ان احتدت مؤكدة موافقتها المبدئية على تقاضي هذا الراتب ، والذي اكتشفت أنه يضاهي ضعف راتبي عندما أنهيت مشوار خدمتي في هذه الشركة الموقرة .

وبعد أن غادرت نافذة الاستعلامات ووصلت إلى دائرة المحاسبة ، استقبلني وبكل ود رئيس القسم (( أبو سمير )) بابتسامته المعتادة التي تفضح دوما صف أسنانه الأمامية البائدة منذ أمد بعيد ، ولقد تفاجأت وأنا أتمعن بتفاصيل جسده التي كانت مختزنة دوما بالشحوم والدهون ، أنها قد تضآلت وتكاد تختفي تماما ، فسألته عن سبب نقصان وزنه ، فتنهد بحسرة ، ليخبرني أنه أصيب بالسكري والضغط والبواسير في أقل من شهر واحد ، فدعوت له أيضا بالشفاء و أشفقت على حاله ، فهو لايزال يقف قبل محطة التقاعد بعقدين .

وبعد أن احتسينا كوبين من الأعشاب التي لم تحظر بعد من قائمة مشروباتنا ، قدم لي (( أبو سمير )) الشيك الخاص بمكافأة نهاية الخدمة والذي كان يمثل بمجموعه استحقاق ثلاثة رواتب وفقا للحد الأدنى في قوانين العمل ، وعندها فقدت آخر جرعة من الصبر وضقت ذرعا من هذا الظلم الذي سكت عنه منذ عقود ، فلطمت (( أبا سمير )) واعملت عصاي على رأسه العاري من الشعر وأنا أصرخ بأعلى صوتي : (( كفاكم ظلما ... كفاكم ظلما ... نريد حقنا في أن نعيش )) .

صرخت زوجتي مذعورة وبأعلى صوتها : (( استيقظ يا رجل )) ، فصحوت من نومي مذعورا ، ونظرت إلى زوجتي فوجدت أنها لا تزال في ريعان الشباب ، وتأملت وجهي في المرآة سريعا ، فاكتشفت أن ملامحي لم تتغير عن صورة يوم زفافي بعد ، حمدت رب العالمين واستعذت به من الشيطان الرجيم ، ونهضت إلى المطبخ كي أشرب كوبا من الماء وعرجت في طريقي إلى باب المنزل كي أحضر الصحيفة ، وإذ بي أقرأ عنوانا مكتوبا وبالخط العريض ، ألا وهو قرار مديرية التقاعد برفع سن التقاعد خمس أعوام أضافية ليصبح ستة عقود ونصف عقد من السنين ، فضحكت ملء فمي وبكيت حتى اغرورقت عيوني بدموعها ، فمن هو سعيد الحظ الذي سيظل على قيد الحياة حتى بلوغ سن التقاعد الجديد ؟

مدارس البنات " قصة من وحي الفقر "


انبعثت الشمس من مرقدها ، وتناثرت خيوطها الذهبية في غسق الليل الراكد ، وتوارى القمر بتؤدة من كبد السماء ، فأشرقت الأرض بنور ربها ، واصطفت الطيور تشدو فوق الأغصان بصوت عذب لا يلبث أن تبتلعه المدينة بضجيجها المتعاقب على مدار النهار ، أما البيوت فلا يزال الهدوء الذي يخيم أركانها ، تترصده أجراس الساعات المتأهبة في موعدها الثابت لاستدعاء الناس مجددا للحياة والسعي في مناكبها ، فذلك موظف يسارع في الخروج من منزله باكرا كي يدرك حافلة النقل العام ، وتلك أم توقظ أولادها بقبلات على جباهم الندية وتحفزهم للنهوض بنشاط للمدرسة عند تذكيرهم باقتراب موعد العطلة الأسبوعية ، وذلك شاب وفتاة ينقبان ثلاثة صحف رسمية على الأقل ، ويدونان كل أرقام الهواتف التي قد تعبد لهما درب وظيفة يبحثان عنها منذ سنين ، وذلك على أمل إكمال نصف دينهما عند ولوج أول منعطف في تلك الطريق ، وذاك كهل لاتكاد قدميه تعينانه على الوقوف ، يستجدي دوره في طابور التأمين الصحي ولايدري إن كان الوقت سيسعفه في إدراك نافذة قبول المعاملات أم ستسقط أوراق حياته في يد ملك الموت قبل الوصول ، وهكذا تزدحم المدينة وتتعالى فيها أصوات الناس في الطرقات ، وكل يسبح في فلك حياته الرتيبة ويمني النفس بيوم قد يأتي متمردا ويعد بحياة أفضل .

وفي باحات المدارس يقف الطلاب والطالبات في طوابيرهم الصباحية أمام مدير متجهم الوجه أو مديرة لا تتقن ملامح وجهها سوى العبوس في وجوه طالباتها ، ولقد حدثت مأساة (( حنين )) في إحدى تلك الطوابير الصباحية ، وذلك عندما استدعتها المديرة للوقوف أمام جميع الطالبات وانهالت عليها بشتائم ما أنزل الله بها من سلطان ، و (( حنين )) تقف خافضة رأسها لا تجرؤ على النظر في وجوه صديقاتها وهي تتلقى دون هوادة كل تلك الإهانات ، حتى أنها لم تفكر بالدفاع عن نفسها عن ذنب لم تقترفه بإرادتها ، مما حدى بالمديرة إلى اتخاذ قرار طردها وهي مرتاحة الضمير ، فلقد حذرتها مرارا من أنها ستفعل ذلك إن لم ترتدي (( حنين )) الزي المدرسي ، ولا شك أن (( حنين )) وهي تتعرض لذلك الموقف المهين ، كانت تتمنى لو أن الأرض قد انشقت وابتلعتها ، فهي ليست متمردة على الأنظمة والقوانين ، بل إنها تعلم علم اليقين ، أن والدها لو كان على قيد الحياة لما تأخر لحظة واحدة عن شراء الزي المدرسي لها ، فهل الذنب هو ذنب والدتها التي لا تملك من الدنيا سوى راتب تقاعدي بالكاد يكفي لاطعام (( حنين )) وإخوتها ؟

ولم يكن مصير صديقتها (( أمل )) بأفضل منها ، وذلك حين وقعت في براثن المديرة عند نهاية فترة استراحة الطعام ، وذلك عندما وجدتها تعبث في سلة المهملات ، ولقد ظلت تصرخ في وجهها وتضغط بأظفارها المتسخة على ذراعها الصغير ، لعلها تكتشف سرها وتعترف لها بالذي كانت تحاول إخفاءه في سلة المهملات ، ولكن (( أمل )) لاذت في غياهب الصمت وأبت الرضوخ لتهديدات المديرة ووعيدها ، وحينها لم تتردد المديرة أيضا باتخاذ قرار الطرد مجددا بحق (( أمل )) وعدم عودتها إلى المدرسة إلا برفقة ولي أمرها ، فخرجت (( أمل )) من المدرسة والدموع منهمرة فوق وجنتيها الرقيقتين ، ولكن حزنها في تلك اللحظات لم يكن سببه قرار الطرد ، بل هو الإشفاق والخوف على والدها الكفيف إذا اعترفت له بحقيقة مصدر الطعام الذي كانت تحضره له في كل يوم بعد عودتها من المدرسة ، فكيف يمكنها أن تقول له أنها كانت تطعمه من بقايا فضلات زميلاتها ؟

الأمانة


كان حلما وربما قد تحقق ، وهذا هو حال كل رجل ذي حظ عاثر ، لا يتمكن من توثيق ما يتمناه من أحلام في دفاتر الواقع ، فلماذا تحقق ذلك الكابوس الذي زف له خبر ارتباطها بغيره ؟

هل خان الأمانة ونكث بالعهد ؟

أم أن قلبها ارتضى بعاشق أمين يحفظها ويصونها بعيدا عن خزائن قلبه ؟

ولكن ألا كانت ترغب بترصيد حساباتها العاطفية ومراجعة فواتير ذكرياتها قبل أن تعقد العزم على الرحيل ؟

أم أنه الصفح عند المقدرة و (( المسامح كريم )) ؟

ما كان بيده سوى الإذعان لرغبتها ، ولكنه قرر أن يقدم لها تقريره العشقي الذي قد يكون الأخير ، فكتب لها قائلا :

في هذه الليلة كانت زخة المطر الأولى ، فجلست أمام النافذة وتأملت القمر المختبىء خلف ستارات الغيوم ، واستجديته أن يبعث لك بهذه الكلمات ، والتي ما تجرأت بالبوح بها مذ يوم رحيلك ، ليس غرورا ولا زهوا ولا كبرياء ، و إنما هي بقايا من أمل كنت أعتقد أنها قد تستدعي حضورك من بين ثنايا الغياب .

ما تعودت أن ألقي بقلبي وأعرضه بثمن بخس ، ولست مكترثا إن انتهت صلاحية نبضاته المفترضة للحب ، وغدا بعدها كبضاعة كاسدة أمام قلوب النساء ، فإن قلبك إذا ما كان هو المشتري ، فلن يجدي حينها الاستدراك .

أحقا أحببت رجلا غيري ؟

أم أن (( البعيد عن العين ... بعيد عن القلب )) ؟

إذا كان هذا ما يفسر غيابك ، فالأمانة قيد التسليم ، ولك أن تستردي قلبك في أي وقت ترغبين ، ولكن قبل أن يأتي موعد الاستلام والتسليم ، دعيني في هذه الليلة أنام مطمئنا ولآخر مرة بين ذراعيك ، ولا تتركي يداي المرتعشتان شوقا إليك ، دعيني أقبل أناملك التي خطتني حبيبا لك في يوم من الأيام ، ودعيني أبكيك كالأطفال عندما يتهيأون للحظة الفطام ، فعندما ستشرق شمس الشتاء ، تكون الحكاية قد انتهت ، ولك حينها أن تنتزعي قلبك من أحشائي وترحلين .

لن أطالبك بدية لدم فؤادي المهدور ، فأنا لست أول ضحايا الحب ، ولن أكون حتما الأخير ، ولكن لست أدري لماذا معادلة الحب دوما غير متوازنة ؟

ربما قد آن الأوان لتغيير كل مصطلحات العشق ، فأنا وبعد هذا اليوم ، لن أبحث عن الحب ، بل سأجعله يبحث عني ، ولن أرضى بدور العاشق في مسرحية الحب ، بل سأكون أنا المعشوق ، ولست منذ هذه اللحظة حافظا أمينا لودائع القلوب ، فأنا لست كفؤا لهذا المنصب ، وأعلن استقالتي والتنحي عن مقعده لرجل غيري .

والآن قلبي برسم الأمانة ، فهل من امرأة أودعه إليها ؟ تحفظه وترعاه وتصونه ، وتتقن تلك المهمة التي عجزت أنا عن القيام بها ، ولكنني سأحذرها مسبقا من شرط جزائي قبل توقيع عقود الحب ، فلا تطالبني بتسديد رسوم عشقية مستحقة الدفع ، لأنني من بعدك أشهرت إفلاسي العاطفي .

كل عام وأنت عيدي



عندما يتأهب العيد للحضور في موعده المتغير من كل عام ، لا يكون ذلك بالضرورة مدعاة لاضطراب طقوس الناس في استقباله ، فالأسواق ستعج بالنساء والأطفال ، والطرقات ستزدحم بالمركبات ، ومحلات الحلويات والقهوة العربية ستمتلىء عن بكرة أبيها ، والصحف ستختزل مساحات شاسعة من عناوينها السياسية الرتيبة ، لتستوعب صفحاتها الترويج لعروض الرحلات السياحية واعلانات أسعار الأضاحي المنافسة في هذا العام بشكل غير مسبوق وبرامجها التقسيطية المريحة .

والجميع يتحفز للمناسبة السعيدة ويلقي وراء ظهره عبء التفكير الذي يلازمه على مدار العام ، فلا وقت الآن للتذمر من غلاء المعيشة وجنون الأسعار ، ولابأس في إرجاء الاستياء من تدهور الحال العام ، فالدنيا عيد وهذا مسوغ كاف لفرح طارىء ، يتم اختطافه عنوة من بين أضراس الشهور والأيام .

لا شك أن رتابة الأيام ستتعطل حركة سيرها في درب العيد ، وهذا سيجعل الفرصة مواتية لاغتنام لحظات من العمر المهدور ، لتحقيق مآرب استثنائية لا تتكرر ، فالزوج سيتمكن من التبسم في وجه زوجته وهما يحتسيان معا فنجان القهوة في الصباح ، والأولاد سيفرحون برؤية أبيهم في يوم غير يوم الجمعة ، والجيران سيقبلون بعضهم البعض ، والأرحام لن تشكو من القطيعة ، والناس لن تتعارك كعادتها في الطرقات ، فالكل خدر بالتسامح والمحبة وليس مشحونا بالتوتر والعصبية والمزاج السيء الملاصق لهم على مدار العام .

وأعتقد أن الحلاقين في هذه الأيام ستزول عنهم أعراض الاستياء من جفاء زبائنهم المتتابع لهم في الآونة الأخيرة ، وخصوصا مع تغير الجدول الزمني لمواعيد الحلاقة التي كانت في أحسن حالاتها لا تتجاوز الثلاثين يوما ، لتصبح حاليا من شهرين إلى ثلاثة شهور ، حتى بات الحلاقون لا يميزون ملامح زبائنهم كلما حضروا إليهم بعد طول غياب ، وكأنهم كانوا يرقدون في رقيم أهل الكهف ، وهذا إنما يؤكد على مصداقية المثل القائل (( الناس ما معها تحلق )) .

الدنيا عيد ، وأنا ألاحظ أنني احتفي بقدومه في هذا العام بنشوة استثنائية ، وليس ذلك بسبب فتاة بغدادية أطالت التحديق بي في أثناء مروري العابر من أمام طاولتها في أحد المولات التجارية ، وليس ثمة ارتباط لهذا بقدرتي على تلبية نداء أشواقي المتداعية لدمشق ، والتي ما وطأتها منذ عيد الأضحى في العام الماضي ، ولا اعتقد أنه بإمكاني تعليل ذلك بملاءتي المالية التي تجعلني لا أتردد في الاتصال بأرقام الهواتف المدرجة في متن عروض الرحلات السياحية ، فأغمض عيني وأفتحها لأجد نفسي في رحلة روح علاجية .

أستطيع اليوم أن أجتهد في الإجابة وأسترسل في وصف حالي بعد لقائك ، ففرحتي لن يفسرها إلا أنت ،
ولذلك دعيني أخالف كل الأجواء المتعارف عليها ، وأهرب من أزقة الأسواق وأزمات المرور ، كي اختبىء بين ذراعيك وأقول لك بعفوية الأطفال (( كل عام وأنت عيدي )) .

أتمنى للجميع عيدا مباركا ... ويتجدد لقاؤنا بمشيئة الله تعالى يوم الجمعة الموافق 18/11/2011

نور


في منتصف الشهر الأخير من عام 2009 ، وبدعم ومساندة وتشجيع من صديق العمر النادر ( نادر أحمد ) الذي لا تزال قصة صداقتنا تكتب في كل يوم سطورها الخالدة ، بدأت رحلتي في عالم التدوين ، وكم كنت حينها خائفا من الخوض في غمار هذه التجربة ، ليس بسبب خوفي من الدروب المجهولة التي كنت على وشك المسير فيها ، بل لأنني كنت الرجل الصامت دوما أمام كل الأحداث التي مضت في حياتي كفيلم سينمائي كانت مشاهداته في عجلة من أمرها لحظة العرض .

عندما كتبت إدراجي الأول عن علاقة الأخ بأخته ، والذي تصادف يوم كتابته بذكرى مصرع شقيقتي الذي شهدت تفاصيله وأنا لم أكن حينها قد تجاوزت عامي الثالث ، بكيت ملء قلبي وراودني إحساس غريب ما شعرت به من قبل ذلك قط ، فكم كنت أتمنى في تلك اللحظات لو أنها كانت لا تزال على قيد الحياة ، أقسم أنني كنت لن أتردد في تقبيل الأرض تحت موطىء قدميها ، ولكنها رحلت قبل أن تكمل منتصف العقد الثاني من مشوارها القصير في هذه الحياة ، وعلى الرغم من مضي كل هذه السنين ، إلا أنني في كل ليلة أعتذر لها عن صغر سني الذي لم يمكني من مجرد محاولة إنقاذها وهي تختنق في الحمام من انبعاث سموم السخان ، ولذلك كتبت لها مرة أخرى بعد عشر شهور لعلي أجد لي مناصا بين الحروف والكلمات ، فلم أجد قلمي يبدأ إلا بعبارة واحدة (( عذرا يا أختاه )) .

وفي خضم الحالة النفسية السيئة التي أشعلها قلم الذكريات ، حضر أول زائر لمدونتي ، أو بمعنى أصح أول زائرة ، إنها من أطلقت عليها لقب (( نوارة المدونة )) ، إنها نور ما بعده نور ، ففي ذلك اليوم تحديدا وأنا ارتجف من برد أحزاني ، جاء تعليقها كوسادة دافئة غمرتني بالحنان واللطف ، واكتملت فرحتي بتشجيعها ومساندتها لي كي أكتب وأكتب ، فكانت المرأة التي حفزت قلمي للبوح بما يختلج صدري من كلام كنت قد ردمته بتراب اليأس بعد استهزاء وسخرية لجنة التحكيم من قلمي في سنتي الجامعية الأولى حين نظمت أول قصيدة شعر .

اليوم يا نور لابد من الاعتذار منك ، فهذا الإدراج كان يتوجب كتابته منذ أمد بعيد ، فوجودك إلى جانبي مع مرور كل هذه الأيام ، ووفاؤك لكتاباتي في زمن ضاع فيه الوفاء ، تضيق أمامه لغتي ولاتسعفها مفرداتها كي تعبر لك عن مكانتك عندي ، ولربما يكون أصدق القول ، أنك من جعلت لقلمي نبضا وروحا ، بل أنت من سهرت على تربيته وهو لايزال في المهد صبيا ، حتى بدأ ينضج ويشتد عوده ، ومع ذلك لم تفارقيه البتة ، وكأنه ولدك وأنت أمه .

أتذكرين يا نور سجالاتنا الفكرية ومناقشاتنا المطولة بعد كل إدراج ، كنت في كل يوم أتعلم منك درسا جديدا في تجارب الدنيا ومعارفها الحياتية ، وعلى الرغم من أنك أصغر مني بثلاثة أعوام ، ولكنك كنت دوما تبهرينني بثقافتك وسعة تجاربك ، وكأنك تكبرينني بثلاثين عام .

ومع أنك تقطنين في النصف الآخر من الكرة الأرضية إلا أن ذلك لم يقف حائلا لتكوني رفيقة مشواري الكتابي في السراء والضراء ، و كلماتك لم تتوانى عن رسم أجمل لوحات الوفاء عند نهاية كل تدوينة كنت أكتبها ، حتى مضت بنا فصول السنة وتعاقبت مناسباتها ، ونحن على حالنا ، قلم يكتب وحبر يسانده كي لا ينضب .

في النهاية لا يسعني إلا القول : (( أن الأشخاص الذين يحيطون بنا يشبهون الكتب ، فمنهم من يغريك مظهر تصميم غلافه و مقدمة حروفه المنمقة بعناية فائقة ، إلا أنه وبمجرد تقليبك لصفحات ذاك الكتاب ، تدرك كم كنت مخطئا في لهفتك على قراءته ، وهناك كتب تتوسطها عناوين عريضة ، تجذبك إليها كالمغناطيس ، ولكنك تندهش أن متوالية كلماتها بعد ذلك لا تمت لذلك العنوان بأية صلة ، وهناك كتب لا تسأم مرافقتها وتكرار قراءتها والتعلم منها والاحتفاظ بها في صدر مكتبتك حتى تجد نفسك وقد توحدت مع سطورها في أفكارك ومشاعرك وتصبح لك مرجعا في العديد من شؤون حياتك ، وأنت يا نور بالنسبة لي مثل ذلك الكتاب تماما )) .

حالي في غيابك


أجلس وحيدا أمام بحر أحلامي ، و أتأمل الأمواج وهي تزحف نحوي بخجل ، أرفع هامتي إلى السماء المتلبدة بالغيوم ، وألتفت من حولي إلى أغصان الأشجار العارية ، فأجد عصفورا يشاطرني صمت اللحظات ، وحينها أسأل الطبيعة بصوت تعتريه الخيبات ، عن سبب استحالة حضورك كلما ارتعش قلبي بمناجاتك .

أهوي بقبضتي على حبات الرمال وأستذكر معها قسمي عندما شبهتها بالنساء من بعدك ، ولا غرو أنه يخيل لي بين الفينة والأخرى أنك ستثبين أمامي كحورية قادمة من أعماق البحار ، بل لربما أتمادى في خيالي وأجد طائرا أسطوريا كالعنقاء يعينني على الإتيان بك قبل تتابع نبضتين من نبضات قلبي المحترقة شوقا إليك .

حالتي في عشقك عصية على الفهم والتفسير ، فكلما اغترف قلبي من مياه حبك ، أجده وقد اشتد به الظمأ أكثر ، فكم يلزم قلبي أن ترويه إذن ، كي يتخلص من تصحره العاطفي في غيابك ؟

كم أتمنى في كل ليلة لو كان باستطاعتي الوقوف أمام نافذة بيتك ، ومراقبتك وأنت غافية كالملائكة على وسادتك ، فاستنشق عبير أنفاسك ، وأقبل موضع كل أثر لامسته أناملك ، ولاضير إن تثاءب الفجر وتكاسل عن موعده في الحضور ، فكل دقيقة سيتأخرها تهبني ألف عام من نشوتي بقربك .

قولي لي ماذا أفعل بأشواقي المتداعية في بعدك ؟ ألا تدرين أنني في مرحلة متقدمة من الإدمان على حبك ؟ ولا يسعني إلا الجنون والهذيان كلما تباعدت الجرعات التي أنعم فيها بوصلك .

إن قلبي الآن يحتضر ، وأنت أقرب إليه من حبل الوريد ، فهبي لنجدته ولا تترددين ، فهو بقربك سيدخل جنة الحياة ويكون فيها من أصحاب اليمين ، وأما في بعدك فمصيره في هذه الحياة جهنم وبئس المصير .

أماه غني ... زغردي


قميصي ما قد من دبر ولا من قبل ، فلقد ادخرته ليوم كهذا ، خذوه لأمي ، وكفكفوا به دموع عينيها التي ابيضت وهي تنتظر عودتي ، وقولوا لها أن حلمها البارحة ما كان أضغاث أحلام ، فأنا بمشيئة الله تعالى قادم إليها ، وسأحطم قضبان سجونهم التي حجبت شمس لقائنا منذ ثلاثة عقود .

صبرك الجميل في غيابي سيكمل عدته ويرحل راضيا مرضيا ، فاخلعي ثوبك الاسود يا أمي وغني وزغردي وزيني باب الدار ، واشعلي الموقد لتطعميني بيديك ، ودقي البن بالهاون ، فكم أنا مشتاق لفنجان قهوتك يا أمي .

لا زلت أذكر يوم اعتقالي وكأنه حدث بالأمس ، ولازلت أذكر جسدك الذي حال بيني وبين أجسادهم المدججة بالسلاح ، ولازلت أسمع آهاتك وهم يدفعون بي مكبلا بأغلالهم خارج فناء الدار ، لم أتمكن ولأول مرة في حياتي من تلبية نداءك يا أمي وأنت بحرقة تصرخين : (( ولدي ... ولدي ... ولدي )) .

أعوام مضت وأنا في سجونهم ، وذاكرتي تتهالك فيها صور الزمن الجميل لأيام حريتي ، حتى كدت أنسى كيف يكون العالم خارج جدران السجن ، ولكن داء النسيان كانت تستقر أعراضه كلما تذكرت وجهك يا أمي وأنت تعدينني بالتضرع للرحمن بعودتي وأنت ساجدة في باحات المسجد الأقصى .

ابعثي بسلامي يا أمي لغزة هاشم ، وقبلي ثراها الذي ما استكان لطائراتهم ودباباتهم وبوارجهم الحربية ، فبرغم كل آلامها وجراحها ، ابتلعت شاليط في جوفها ورفضت أن تلفظه دون عتق رقابنا التي طال بها الأمد في الأسر .

انتظريني أماه فإن الغد لناظره لقريب ، ولكن أسألك بالله أن لا تبكي عندما تضميني لصدرك ، بل اضحكي وزغردي ، فولدك سيدخل بمشيئة الله تعالى آمنا إلى ذراعيك ، أما أمي الحبيبة فلسطين فلست أدري متى سيدخل أبناؤها المهجرون إلى ذراعيها آمنين ؟

هذا الإدراج إهداء ومباركة مني لعائلات الأسرى الفلسطينيين الذين سيتحررون من سجون الاحتلال الاسرائيلي بمشيئة الله تعالى ...

ما أسهل الشفاء منك


ما الذي دفعه للبحث عنها ؟ هل كان حقا يود الاطمئنان عليها ؟ أم أنه كان يقنع نفسه بذلك كي يخفي حقيقة ضعف مقاومته إزاء الفضول الذي كاد يفتك به وهو يحاول عابثا تقصي الحقائق عن حالها في غيابه .

نعم لقد هجرته وبملء إرادتها ولم تتعثر خطواتها التي عقدت العزم على الرحيل بمطبات الحنين أو الاشتياق ، و اختارت لنفسها حياة لا تبدأ أو تنتهي بحروف اسمه ، فأضحت غير قابلة للإلتقاط وكأن رياح حضوره كانت تهب دوما في الإتجاه المعاكس لسارية قلبها .

ولكن كيف حدث هذا ؟ وقد كان قاب قوسين أو أدنى من تسجيل أوراقه الثبوتية لدى وزارة الحب ، فصفحات سيرته كانت زاخرة بالأيام التي مضت في حياته وهو يتعلم كل المناهج العاطفية التي تؤهله لحبها ، وعندما تجاوز كل الاختبارات الأولية لمشاعرها بنجاح ، إذ به يهوي عند الاختبار الأخير في وديان الفشل .

لعلها كانت تنتظر باحتراق قدومه إليها ، و لابد أنها غارقة في بحر الندم ، ولكن كبرياء الأنثى في داخلها يمنعها من البوح بذلك ، فهي بلا شك كسائر النساء (( يتمنعن وهن الراغبات )) .

وعلى وقود تلك الكلمات ، انطلقت به سفينة الأمل للقائها مجددا ، معتقدا أنها كانت تعد نجوم السماء في حضرة غيابه ، تماما كنساء البحارة عندما يجلسن في كل ليلة أمام نوافذهن المطلة على البحر أملا بعودة سفينة رجالهن .

وحين أزف اللقاء ، لم يلاحظ تورم عينيها من تعاقب ليالي السهر عليها وهي تنتظر عودته ، ولم يطرأ أي تغيير جذري على ملامحها وكأنها صورة فوتوغرافية ملصقة في متن وثيقة رسمية ، ومع هذا تجاهل برودها الواضح ، و ظل يقنع ذاته بنظرية كبرياء الأنثى ، وأنها ليست سوى محاولات عابثة لاحتراف هيئة اللامبالاة الزائفة .

لم يمهد الطريق لسؤاله الذي ينخر رأسه منذ رحيلها ، وذلك بمحاولة استدراجها بدءا بتساؤلات فرعية ، ظنا منه أن ذلك مدعاة لاضطرابها ، تماما كتلميذ فوجىء بعد دراسة مستفيضة ، بامتحان الاستاذ الذي جاء بسؤال من خارج المنهاج .

(( أتزالين مريضة بحبي ؟ )) بادرها بذلك السؤال وابتسامة صفراء ترتدي ملامحه الطاغية في ثقتها ، ولكن ضحكتها التي دوت المكان ، كانت كإعصار اقتلع أوتاد خيمة غروره ، لتجيبه وبمنتهى البرود : (( ما أسهل الشفاء منك )) .

صحيفة أسبانية : إنفصال شاكيرا وبيكيه

إنفصال شاكيرا وبيكيه

اشارت صحيفه "لا فانجارديا" الإسبانيه إلى إنتهاء علاقه "جيرارد بيكيه" بالمغنيه الكولومبيه "شاكيرا" , ولكنها لم تؤكد هذا الخبر حتى الآن .

المصدر التي إعتمدت عليه الصحيفه هو التلفاز المكسيكي حيث أكد ان مصدراً مقرباً من الزوجين كشف عن إنتهاء العلاقه بينهما وأن "بيكيه" في علاقةٍ مع إمرأه اصغر سناً , والى الآن لا شيئ مؤكد إلا ان هذا الكلام إنتشر بشكلٍ واسع عبر "تويتر" , ومع ذلك فقد اكدت مصادر اخرى عدم الإنفصال .
 
Partage

زيدان ، هل سيكون هو المدرب الجديد ل 'ديكا' ؟

Lorsque Zinedine Zidane est en France, difficile de passer inaperçu. Le nouveau directeur du Real Madrid a donné plusieurs interviewes, à Canal Plus et au Parisien, dans lesquelles il parle de son avenir et de celui de son fils notamment.

Son avenir

« Je prépare un diplôme de manager du sport à Limoges. C'est une nouvelle étape qui commence, ça fera marrer certainement certains, mais c'est dans la continuité de ce que j'ai envie de faire: apprendre des choses. Je commence à partir de demain (lire, ce lundi) ».

Sélectionneur de l'équipe de France

« Sélectionneur, pourquoi pas? Ce ne serait pas mal… Tout est possible dans la vie ».

Les Bleus

« Il faut leur laisser du temps. La question est de savoir si on a la bonne personne à la tête de cette équipe et la réponse est oui. (...) C’est dans la difficulté qu’on se forge, c’est indéniable. Mais il n’y a que le temps qui pourra nous dire si cette équipe sera prête pour 2012. Je ne suis pas inquiet, on va se qualifier. »

Laurent Blanc

« Il a fait du bon boulot. Il partait de très, très loin avec ce qui s’est passé au Mondial 2010. Pour ceux qui ont vécu l’échec du Mondial 2002 comme moi, on sait qu’on ressort forcément déstabilisé de ce genre de difficulté. Là, on demande à Laurent de construire à une vitesse incroyable. Il ne le fait pas trop mal ».

Samir Nasri

« Il est encore jeune. Je trouve qu’on est dur avec lui. Si on veut qu’il soit décisif et qu’il marque à chaque match, ça va être difficile. Jouer en équipe de France, ce n’est pas simple. On ne peut même pas comparer avec la Ligue des champions. C’est un autre niveau. Quand j’écoute certains commentaires, j’ai l’impression qu’il n’est pas bon, alors que ce n’est pas vrai. Il n’a pas toujours excellé, mais il a fait de bonnes prestations. Il faut l’encourager, car il fait partie de ces joueurs de qualité comme Karim et Franck. Il faut toujours garder un œil sur eux ».

Enzo, son fils

A la question de savoir s'il jouera pour l'Espagne ou la France. « Il n’y a pas de choix à faire pour l’instant. Si vous suivez sa carrière de près, moi aussi ! »

Followers

Pageviews Last 7 Days