أرحام مسلوبة الإرادة

استوقفني خبر منشور في إحدى الصحف المحلية قبل عدة أيام يتحدث عن حملة توعوية تم تنظيمها من قبل ناشطات في مجال حقوق المرأة .

هذه الحملة أو الورشة التوعوية كان الهدف منها المطالبة بإيجاد غطاء تشريعي وقانوني يحرم ويجرم عمليات استئصال أرحام الفتيات المصابات بإعاقات عقلية دون وجود أية ضرورة طبية تستدعي إجراء هذا النوع من العمليات لما قد تسببه من مضاعفات خطيرة في المستقبل على صحة هؤلاء الفتيات .

وعلى الرغم من أن الخبر المنشور لم يذكر أية أرقام إحصائية توضح عدد تلك العمليات التي تم إجراؤها لغاية الآن ولكن من الواضح أن سبب لجوء الأهالي لدفع بناتهم لاستئصال أرحامهن المسلوبة الإرادة هو الخوف من تعرضهن للإستغلال الجنسي أو الإغتصاب عند البلوغ مما قد يتسبب بحدوث الحمل .

ما هذه المبررات ؟!

وما هذه العقول ؟!

وهل هؤلاء حقا أهالي أم وحوش ؟!

القضية ليست بهذا الشكل ، بل أنا من سيروي على مسامعكم الجزء الخفي من تلك الحكاية المؤلمة وسأعرض لكم مايدور وراء كواليس عقول هؤلاء الأهالي ، فهم يودون التخلص من أطفالهم المساكين الذين ليس لهم أي ذنب إلا أنهم ولدوا في هذه الغابة المليئة بالوحوش ، ولذلك فأسهل الطرق للتخلص منهم هو الزج بهم إلى دور الرعاية الخاصة والإكتفاء بدفع مصاريفهم هناك وليس مهما بعد ذلك ما قد يحدث لهم ، فإذا تم ضربهم أو إهانتهم أو تعذيبهم أو الاعتداء الجنسي عليهم فهذا كله ليس بذي أهمية ولكن مايهم فقط هو عدم حدوث الحمل .

إن الأولى أيها الأهالي أن لا تخجلوا من مصيبة وابتلاء قد حل بكم ، فهؤلاء الأولاد والبنات هم فلذات أكبادكم التي تمشي على الأرض ، ماهي تلك القلوب التي لا تتورع عن رمي فراشات الجنة في النار ؟

أما القائمون على دور رعاية هؤلاء المساكين فحدث ولا حرج ، هناك يختبؤ أبليس بوجوه وأشكال عديدة ، فغياب الضمير والرحمة والشفقة هي عناوين بارزة لموظفي تلك الأماكن إلا من رحم ربي ، فهم لايتعاملون معهم على أساس أنهم مرضى وبحاجة إلى رعاية واهتمام وحنان وعطف ولين معاملة بل يعاملونهم و كأنهم حيوانات في زريبة وكم يحضرني في هذه اللحظة بالذات مقطع تلك الأغنية التي كان يرددها زملاء الممثل نور الشريف في أحد أفلامه عندما تقرر خروجه من مستشفى الأمراض العقلية فيقولون (( الداخل عندنا مفقود والخارج من هنا مولود )) وتذكرت أيضا مسلسلا سوريا تم عرضه قبل عدة سنوات بعنوان (( غزلان في غابة الذئاب )) والذي تدخل فيه الممثلة أمل عرفة إلى مستشفى الأمراض العقلية وتتعرض للاغتصاب من قبل حارس المستشفى الذي كان يحصل على غنيمة نسائية في كل ليلة بالتعاون مع كبيرة ممرضات المستشفى التي كانت تقدم الفتيات كقرابين ولاء وطاعة لذلك المجرم ، وكذلك تذكرت فيلم عادل إمام (( أمير الظلام )) والذي يعكس من خلاله المآسي التي يتعرض لها الكفيف الذي فقد بصره في دور الرعاية التي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها عذاب ما بعده عذاب .

أنا هنا لي وقفة مع بعض الأفكار التي أعتقد أن سبب الخلل يكمن فيها في عدم تقديم الحماية المطلوبة لذوي الاحتياجات الخاصة .

فالأهالي دورهم واضح وهو أن تلك الفتاة المصابة بتلك الإعاقة ومرضها لايستدعي من نواح طبية وجودها في مستشفى أو دار رعاية خاصة فلماذا يتم الزج بها إلى هناك ؟

أما الناشطون سواء في مجال حقوق الإنسان أو المرأة فالأولى بهم أن يطالبوا بوضع التشريعات والقوانين التي تضمن حماية هؤلاء المساكين من أي اعتداء أو سوء معاملة قد يقع عليهم من وحوش دور الرعاية والمستشفيات ولابد من المطالبة بتشكيل فرق مراقبة دورية لضبط سلوكيات كل من تسول له نفسه بإيذاء هؤلاء المساكين .

أما فكرتي الأخيرة فهي نداء خاص إلى قلب كل فرد في هذا المجتمع بأن يخصص مساحة ولو كانت صغيرة لذوي الاحتياجات الخاصة فهؤلاء هم فراشات الجنة فلا تحرقوا أجنحتهم بنار غرور أبليس الذي أعتقد أنه أفضل من آدم .

Followers

Pageviews Last 7 Days