كفكفي دموعك يا أحلام

في ذات جمعة من شهر أيار تجدد موعد الدموع عند استقبال الأم أحلام والتي حضرت منذ الصباح الباكر من دمشق إلى عمان لكي تحظى بتلك الساعة اليتيمة المخصصة لها مرة في كل سنة لرؤية أولادها الثلاثة الذين كتب عليهم أن يعيشوا اليتم وهم في أمس الحاجة لحنان الأم .

محمد (خمسة عشر عاما) وميس ( ثلاثة عشر عاما) وحمزه ( ثلاثة أعوام ) كانوا ضحية مؤامرة دنيئة تم الإعداد لها باحكام من قبل جدهم الظالم حين ألقى خيارات الموت أمام أحلام بأن تظل حبيسة بيت زوجية مهجور لتربي أولادها أو تغادر من حيث أتت وتعود لأهلها في الشام دون أن يكون لها أي حق في رؤية أولادها إلا ساعة واحدة من كل عام.

وبعد رحيل أحلام بشهرين فقط كان ساعي المحاماة الشرير المبعوث من قبل زوجها ينهي الإجراءات القانونية للطلاق ويحرم أحلام من الهواء الذي كانت تتنفسه ، أربعة عشر عاما من قسوة الغربة وأربعة عشر عاما من تحمل الإهانات والمذلة وأربعة عشر عاما في خدمة زوجها وتربية أولادها والسهر على راحتهم وفي النهاية يكون هذا هو الجزاء أن تفقد أولادها وتتركهم لزوجة أب تدخل بيتها بعد أقل من شهرين على طلاقها .

ولكن هل الجحيم انتهى من حياة أحلام وأهلها بالكاد يستطيعون الإنفاق على أنفسهم ؟ لم يكن هنالك من خيارات أمامها سوى الزواج مرة أخرى وفعلا تزوجت من ابن خالتها الذي يمثل أسطورة للطيبة في زمان لم يعد فيه للطيبين مكان ، وها هي ترزق منه بطفل جميل تسميه ( قصي ) ولكن ابتسامة من وجه قصي لم تكن قادرة على إيقاف سيل الدموع الذي يفيض من عيونها الجميلة كلما احتضنته وتذكرت به طفلها حمزه الذي وقع في براثن زوجة أب لا تقل ظلما عن أبيه ولا تتورع عن معاقبته بكل قسوة وسوء معاملة إذا صدر منه أي فعل من أفعال البراءة ، أما محمد وميس فأصبحا يحترفان فنون الاختباء والمراوغة وحتى السرقة إذا لزم الأمر ليتمكنا من سماع صوت والدتهما على الهاتف حتى ولو لدقيقة ، فقوانين جدهما صارمة ولاتسمح لهما بمحادثة والدتهما أكثر من خمس دقائق كل أسبوع .

بعد نهاية ساعة اللقاء ذهبت لأحضر أحلام وخالها الذي حضر معها ، فإذا بي ألمح أولادها يقفون على النوافذ لوداعها وجدهم يدفعهم للدخول ويصرخ بوجههم أما أحلام فكيف أصف لون عيونها الذي ما عدت أستطيع أن أميزه بعد اختلاطه بكل تلك الدموع التي كانت كفيلة باحراق أي شيء تلامسه ، كم هي مؤلمة وموجعة تلك الدموع فهي ليست تشابه أية دموع ، أنها دموع الأم عندما تفقد أولادها .

لقد ذكرت هذه القصة الحقيقية لكل من يعبر صفحات مدونتي مع تغيير بأسماء أبطالها وذلك احتراما لخصوصيتهم ولكن هذه القصة تشكل في الواقع قضية عامة لابد من الحديث عنها والمناقشة فيها وعدم السكوت عنها مطلقا .

فالطلاق والزواج في النهاية قسمة ونصيب ولن أناقش الأسباب والدوافع والمبررات من قبل أي زوجين اتخذا قرارا بالانفصال بعد أن جفت كل مياه المودة في استمرار الحياة بينهما ، ولكن الأولاد ليس لهم ذنب أن يتحملوا وزر ذلك الفراق ، فمن حقهم رؤية أبيهم وأمهم في أي وقت دون أن تكون هنالك حواجز مصطنعة يتم وضعها من قبل الطرف المستحوذ على حق حضانتهم ، وكل القوانين التي تعارض هذا الكلام هي قوانين جائرة وظالمة ولاتعرف للعدالة مكان .

في الغرب الذي تضرب به الأمثال العربية دائما بهشاشة شبكة العلاقات الإجتماعية فيه تجد أن الزوجين اللذين انفصلا تنشأ بينهما علاقة مودة وصداقة لأجل سعادة أولادهما ، أما في الشرق و بعد الطلاق تبدأ الحروب والمعارك الضروس بين كلا الطرفين ولازلت أذكر تلك الحادثة التي حصلت في عجلون قبل عدة شهور والتي ذهب ضحيتها رجل جاء ليأخذ ابنه من بيت طليقته بعد انتهاء موعد زيارته لها فكانت النتيجة أن قتله أخوها بسبب مشادات كلامية نشبت بينهما .

لماذا كل هذا العداء الذي ينشأ بين الرجل والمرأة بعد الطلاق ؟ ولماذا تتعذب أرواح الطفولة البريئة وتعيش تفاصيل كل صور العداء والكراهية والبغضاء بين آبائهم وأمهاتهم بمجرد الانفصال ؟ كيف نلوم هؤلاء الأطفال عندما يكبرون وينحرفون بسلوكياتهم بعد أن تجرعوا كل تلك الأحداث الدامية منذ نعومة أظفارهم ؟

إلى متى ستبقى يا مجتمع عاجزا عن استصال تلك الأورام الخبيثة من جسدك المريض لتدعي أن سبب آلامك وضعفك هي من لكمات تتلقاها من الخارج ؟

أتدرون لماذا يتفوق الغرب علينا ؟ لأنهم يتعلمون من أخطاء الأجيال القديمة ويصححونها في الأجيال الجديدة التي هي عماد استمرارية تقدمهم في المستقبل أما نحن فلا نكتفي بتكرار أخطاء الأجيال القديمة بل نضيف عليها أكثر مع نشأة كل جيل جديد ، ولازلنا نشكو ونحن بايدينا وصلنا إلى هاوية الذل ، عجبا وألف عجب !!

Followers

Pageviews Last 7 Days