العنوسة ليست حكرا على البنات

مصطلح ( عنوسة أو عانس ) التصق في لغتنا بالفتاة التي لم تحضر رياح الأقدار والنصيب لتطرق بابها للزواج ولربما كان لكل عصر من العصور في مجتمعاتنا العربية عمر معين يطلق من بعده هذا اللقب على الفتاة وأعتقد أنه في هذا الزمن أصبح يطلق على الفتاة التي تجاوزت أعتاب الثلاثين ولم تتزوج بعد .

ولكن هل حقا نسبة الفتيات اللواتي بلغن الثلاثين ولم يتزوجن بعد يفوق أعداد الشباب الذين بلغوا أيضا الثلاثين ولم يتزوجوا ؟

لماذا نطلق لقب الأعزب على الشاب ولا نطلق عليه لقب العانس ؟

أنا لا أرى أي فرق بين كلتا الحالتين ، فالكثير من الشباب في هذه الأيام غير قادر على الزواج بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهونها والتي تحول دون تمكنهم من الإقدام أو حتى مجرد التفكير على طرق أبواب الآخرين لخطبة بناتهن .

ومن هنا فإن المتسبب في العنوسة ليست الفتيات وإنما عجز الشباب عن الزواج ، فمن الظلم والجور أن ينتظر الشاب بلوغ الأربعين أو الخمسين من عمره حتى يتمكن من توفير متطلبات الزواج وكذلك ليس من العدالة أن ترتبط الفتاة بشخص يكبرها بكثير لمجرد أنه يمتلك مقومات الحياة الكريمة ولايمتلك أدنى طموحاتها في توفر مقومات شخصية أحلامها التي كانت تبحث عنها .

من هنا بدأ عزوف العديد من الفتيات عن الزواج بطواعية مطلقة منهم لاقتناعهم بأن شريك العمر لابد أن تتوفر فيه مقومات من غير الممكن تحققها بالنواحي المادية فقط ، ولكن مجتمعنا لايرحم أبدا فهو ينظر نظرة مغايرة تماما للفتاة التي لم تتزوج ويقسو عليها ويبدأ بإلقاء التهم جزافا والتي قد تمس في بعض الأحيان من شرف وأخلاق الفتاة والنظرة السلبية لها بسبب عدم زواجها كلما تقدمت في العمر .

أما الشاب فليس هنالك أية نظرة سلبية له من المجتمع في حال تأخره عن الزواج إلا في حالات قليلة ونادرة الحدوث عندما يتهم أن سبب عدم زواجه يعود لمشاكل في رجولته ولكن وبكل أسف مجتمعنا دائما ينظر إلى المشكلة بصورة معكوسة فذلك الشاب الذي تأخر زواجه هو في الحقيقة يكون في أغلب الأحيان عاجزا ولكن ليس عجزا جنسيا وإنما عجزا ماديا ليس له من دواء .

أتذكر دائما مقولة لصديقي المدون نادر أحمد صاحب مدونة جبر من بطن أمه إلى القبر يرددها دائما : (( أن الزواج في هذه الأيام أصبح من كماليات الحياة وليس من ضرورياتها )) وصدقا أنني أؤمن بمقولته تلك تماما ، فكيف يتمكن الشاب من مجرد التفكير بالزواج وهو بالكاد يستطيع أن ينفق على نفسه ؟

أما من جانب آخر فأهالي العديد من الفتيات يلعبون دورا جوهريا في مشكلة العنوسة وذلك بسبب تشددهم لتحقق شروط معينة لا بد من توفرها بالشاب حتى يتم الموافقة عليه وصدقوني هذه الفكرة ليست فكرة شاذة وإنما هي تتصدر المساحة الأكبر في عقول العديد من الأهالي ولايكون للفتاة هنا أي دور جوهري في فرض رأيها على أهلها للحصول على موافقتهم ، حتى أن هذه الحالة تنطبق أيضا على بعض الشباب والذين يكون لأهلهم شروط قاسية ليباركوا اختيار ابنهم لشريكة حياته والتي إذا لم تتطابق مع بعض متطلباتهم يرفضون ذلك الزواج جملة وتفصيلا .

من وجهة نظري فإن لقب العنوسة يجب أن يطلق على هذا المجتمع المتزمت لأفكار وآراء بالية أكل عليها الدهر وشرب ، وما الشاب والفتاة إلا ضحايا لتلك الدوامة التي تعصف بحياتهما وتقلبها رأسا على عقب ، فمن حق كل شاب وفتاة أن تتهيأ له الظروف والمناخ الملائم الذي يتمكن خلاله من اختيار نصفه الآخر بكل اقتناع وبعيدا عن أية ضغوطات ، وإنني أرفض تماما مقولة (( أن الأهل أدرى بمصلحة أولادهم )) فهذا الخيار تحديدا لايملك إجابته الصحيحة إلا صاحب الشأن نفسه ولاتوجد هنا مساحات لفرض الوصاية من قبل أي أحد ، ومع هذا أنا لست ضد تقديم النصيحة والمشورة ولكن ليس الإجبار أو التدخل القسري من قبل الأهل في الاختيار .

وفي النهاية لابد من توضيح أمر في غاية الأهمية فبالتأكيد أن لكل شاب وفتاة شروط ومتطلبات معينة لابد من توفرها في شريك الحياة ولكن من الصعب جدا أن تتطابق تلك المتطلبات وتتوفر تماما في شخص ما ولذلك فالتنازل عن بعض تلك المتطلبات لا يؤدي بالضرورة إلى فشل ذلك الزواج ، فالحرص والحذر في الاختيار أمر محمود ولكن إذا كان بشكل مبالغ فيه فبالتأكيد لن يجد المرء نصفه الآخر أبدا .

Followers

Pageviews Last 7 Days