رجل عانس وامرأة مطلقة

لابد له بين الفينة والأخرى من اللجوء إلى كهف الصمت والانعزال ، أو بالأحرى الفرار إلى محراب اليأس والانهزام ، فالمرء في كثير من الأحيان تصبح عزيمته كالريشة التي تتخطفها الأيام المجهولة المصير .

يسأل نفسه : (( ماذا أريد من النساء ؟ )) فيجد أنه لم يعد له فيهن أية أمنيات ، فقبيلة النساء التي أحبها رفضت مشاركته في أية تجربة عاطفية إلا في الخيالات والأحلام ، ولقد كانت هزيمته تتأكد في كل محاولة عندما كانت حبيبته المحتملة تعشق رجلا من محيط معارفه المقربين .

ونهاية حكاياته مع العشق ، كانت قد جمعت بينه وبين امرأة تجاوزت الأربعين ، ولكن ذلك لم يكن السبب في خسارته المعتادة للحب ، بل كانت والدته هي من تسبب في إقصاء أمنياته من بلوغ مرادها ، بعد أن أعلنت رفضها التام لفكرة ارتباطه من امرأة مطلقة .

احتدم الجدال مع والدته ، وأكد لها أحقية المرء في أن يحظى بفرصة أخرى في هذه الحياة ، وأن طلاق المرأة لا يعني أبدا أن ثوب سيرتها الأخلاقية قد دنس بالفحش الذي لايمكن طمسه ، ولكنها ظلت تردد على مسامعه المثل الشعبي الشهير : (( لو فيها خير ما رماها الطير )) .

وبين مد وجزر ، قرر أن يتزوجها دون موافقة والدته ، ولكنها لم تكترث البتة لقرار تمرده عليها ، بعد أن أكدت له أن أهل تلك المرأة سيرفضونه إذا أتاهم بمفرده .

ولكنه لم يجرب حظه في الذهاب إليهم ، وذلك بعد أن صارحته تلك المرأة وبكل حزم عن رفضها للزواج منه دون موافقة أهله ، فهي لم تقترف ذنبا يظل كوصمة عار تطاردها أينما ذهبت بسبب فشل زواجها السابق ، وأنه لا يشرفها الارتباط بعائلة تتشبث بمعتقدات بالية من عصور الظلام البائدة .

وعاد مهزوما كعادته إلى البيت ، واشتعلت ذكرياته مضرمة نيران كل علاقات حبه الفاشلة ، فتذكر ابنة الجيران التي تركته في الثانوية العامة بعد أن وعدته بانتظار قدومه مدى الحياة ، لتتزوج برجل يعمل في إحدى البلدان النفطية ويكبرها بعشرة أعوام ، وتذكر الفتاة التي عشقها في سنوات دراسته الجامعية ، وكيف أن والدتها اشترطت عليه ترك الجامعة والعمل في أية حرفة أو مهنة كي تزوجه منها .

وتذكر أول فتاة عرض عليها الزواج في مكان عمله ، وتذكر رفضها الفوري له ، بسبب راتبه الذي يقل عن راتبها ، وتذكر ابنة عمة وابنة عمته ، وابنة خاله وابنة خالته ، واللواتي رفضن جميعا الارتباط به بسبب التخوف من زواج الأقارب ، بينما هو كان يدرك تماما أن السبب الرئيس لرفضهن هو تواضع إمكانياته المادية .

إنه الآن رجل عانس ، ولم توافق على الزواج منه أية فتاة لم يسبق لها الزواج ، وعندما وجد القبول لدى امرأة مطلقة ، جاء الرفض من أهله الذين كانوا متلهفين لزواجه ، ثم أصبحوا غير مكترثين لعنوسته .

ومن هذه المعادلة المكونة من رجل عانس وامرأة مطلقة ، نشتق المجهول المتسبب في فشل حلها دوما ، فالمرأة ترتبط بالرجل الخاطىء بدءا ، وتستدرك خطأها عند الطلاق لتعاود البحث عن ذلك الرجل العانس الذي رفضته عندما كانت لا تزال عزباء ، فهل يا ترى هذا هو سبب خلل المعادلة حقا ؟

Followers

Pageviews Last 7 Days