سأخون قلمي

يا ليت كلماتي كانت شامخة وأبية ككلماتك أيها المبدع الخالد (( محمد الماغوط )) ، فأنا لست كالخيزران (( قد أنحني ولكن لا أنكسر )) ، بل إنني كعود ثقاب هزيل الاشتعال ، لا يكاد لهبه يضيء حتى ينطفىء وينكسر .


لمن أشعل لهيب كلمات تظل متوهجة رغم رياح الأمطار والأعاصير ؟




لذلك الإنسان الذي يقطن بداخلي ؟ وكيف السبيل إليه وأنا أتحسس مواطن العجز عن عصف ذهنه بأية أفكار متمردة على غرائزه الحيوانية ؟




كيف أكتب عن القضايا الكبرى لهذه الأمة ، وكلماتي في القضايا المجتمعية لم تجد لغاية اللحظة بصيص أمل في إيجاد حل ملائم لها ؟




فعلى سبيل المثال لا الحصر ، هنالك قضايا تشغلني كثيرا ومنها :




-أنني عندما جلست مع شباب من أحياء المدينة الغربية ، تجادلنا مطولا حول أحدث أنواع السيارات والهواتف الخلوية ، وكنا مستائين جدا بسبب تأخر بلادنا في استيراد الأحدث منها فور صناعته ، واضطرارنا للسفر في كل مرة لشراء ما يلزم لاستعراضات البذخ المجتمعية ، أو كما يقال في لهجتنا العامية ، ما يلزم لـ (( فياعتنا )) .




- وأنني عندما ذهبت إلى مقاهي أحياء المدينة الشرقية ، وجدت رجالا تقف الصقور على شواربهم الغليظة ، وكان معظمهم يطرق على الطاولة كعقيد ليبيا الخرف ، ويتوعد رفاقه بالقبضة الأسدية لكل من يفكر منهم بدس (( شيخ الكبة )) لأوراقه عندما تأكل الأرض في لعبة (( التريكس )) ، وهذا كان يستدعي مني الانتباه لفهم سر تلك القبضة الأسدية التي لا تظهر إلا في معارك ورق اللعب .




- وأنني في كل صلاة جمعة ، أتمنى لو كان بمقدوري مصالحة المتخاصمين في ذلك الجدل اللامتناهي حول ركعتي السنة قبل الفرض ، وفيما إذا كانت بدعة تذهب الأجر والثواب .




- وأنني عندما قصدت معاقل اليساريين ، وجدت مجالسهم منشغلة في نبذ أي عضو يشجع الفريق الملكي الإسباني (( مدريد )) ولايقف إلى جانب الفريق الكاتالوني المناضل في وجه البرجوازية والارستقراطية (( برشلونه )) .




- وأنني عندما كنت في زيارة خاطفة للإقتصاديين ، لاحظت أن قضية مؤرقة تجتاح اجتماعاتهم ، وعندما حاولت أن أسأل عن تفاصيلها ، اتهمني بعضهم بأن عقلي قاصر عن استيعاب حيثياتها ومخاطرها ، وبعد توسلات للمشاركة فيها ، تبين لي كم هي بالفعل قضية جوهرية على مصير أمتنا ، وخاصة أنها كانت تبحث في جوانب تتعلق في كيفية البحث عن طرائق آمنة تضمن بيع كل موارد بلادنا للمستثمرين الأجانب .




- أما الشعراء والأدباء ، فكانوا منصرفين للبحث عن كلمات في اللغة يشبه وقعها على عقل المتلقي ما تفعله حبوب الهلوسة لمتعاطيها ، وذلك بعد نفورهم من حالة اليقظة والاكتراث لما يحدث حولهم على أرض الواقع .




- وأما النساء ، فأنا (( وين )) و (( ميل جبسون )) (( وين )) ، كي أقرأ أفكارهن وأعرف ماذا يرضيهن في الرجال .




لقد تأقزم قلمي وانزلق في مستنقع ضحل من الأفكار الانهزامية ، ولذلك سأردد عبارتك الشهيرة يا ماغوط (( سأخون وطني )) و الذي غدوت فيه مهمشا وغريبا ولكن بطريقة أخرى ، لأنني قررت أن أخون قلمي وارحل عنه ، كي أعود أدراجي إلى حبيب ما خذلني قط ، إنني قادم أيها الصمت ، أرجوك أن تسامحني و توافق على عودتي إليك ، فعلاقتي بقلمي لم ترتقي لمرتبة الذهب التي كنت دوما أجدها بقربك أيها الصمت . الوداع يا قلمي ... فأنت لم تتمكن من إبهاري في كل ما كتبت .

Followers

Pageviews Last 7 Days