حماتك بتحبك

بدأت أشك في عبثية المصادفات التي تدفعني في مكان عملي عند كل صباح ، للنهوض المفاجىء عن كرسي مكتبي لأمر طارىء ، إذ لابد من عبوري أمام أربعة مكاتب للزملاء على الأقل ، ولابد أن تكون لحظة العبور تلك ، متزامنة مع موعد وجبة إفطارهم التي لا يتمكنون من ضبط مواعيدها في منازلهم ، ليرددوا بابتهاج مفتعل عند رؤيتي (( حماتك بتحبك ... تعال افطر معنا )) ، وكعادتي أسارع بشكرهم على دعوتهم لي بالانضمام إليهم في تلك الوجبة الصباحية ، والتي تكون بالعادة وجبة بقولية أعدت على موائد من أوراق الصحف ، ولاشك أن معدتي تشكرني دائما على ذلك التعفف الحكيم الذي سيمنحها الراحة من عمليات هضم شديدة التعقيد ، ولكنني في الواقع أظل منشغلا بالتفكير في ذلك الرابط العجيب بين مصادفة موعد عبوري وهم يأكلون ، وبين فرضيتهم بمحبة أم زوجتي لي .

وتتعمد المصادفات أيضا ، وأنا في طريق عودتي إلى المنزل بعد انتهاء ساعات العمل الرسمية ، لتزج بي مكالمة هاتفية من زوجتي كي أعرج على (( دكانة الحارة )) لشراء مستلزمات بيتية أو تلبية لرغبات الأولاد اللامنتهية من (( الشوكولاته )) ، إذ أن محاولاتي الشيطانية بالتأثير عليهم من خلال أغنية فرقة (( طيور الجنة )) ، والتي لا انفك عن غنائها أمامهم (( يا بابا اسناني واوا ... وديني عند الطبيب ... ما عاد بدي شوكولاته ... بدي بس اشرب الحليب )) لم تجدي نفعا .

بالطبع وكما هي العادة ، فإن لحظة دخولي إلى (( دكانة الحارة )) تكون مضبوطة كمنبه الساعة ، على أول لقمة من غداء (( صاحب الدكانة )) ، وكعادته يبدأ بلعق أصابعه الممرغة (( بمرقة طبيخ زوجته )) ، ويحاول إخفاء ملامحه المستاءة من قدومي خلف ابتسامة مصطنعة قائلا : (( حماتك بتحبك ... تعال اتغدى معي )) ، ولا أدري لماذا في تلك اللحظات بالذات ، وأنا أراقب عينيه بكل اهتمام ، يخيل إلي أنه يردد في سره المثل الشهير : (( ما بقومك عن غداك ... غير ألد عداك )) .

أذهب في المساء إلى المقهى للإلتقاء برفاق لا تجمعني بهم إلا منضدة أوراق اللعب أو رقعة أحجار الشطرنج ، وكم استغرب من تلك المصادفات التي تلاحقني في كل مكان ، وتفرض وصولي عند اللحظة التي يتناول فيها الآخرون طعامهم ، وهذا ما حدث معي في مناسبات متتابعة مع أصدقاء المقهى ، وفي كل لقاء تتكرر العبارة ذاتها (( حماتك بتحبك ... تعال اتعشى معنا )) ، وبما أنني سأمكث لبضع ساعات خلف طاولات المقهى وهذا سيؤدي إلى تفاقم (( الكرش )) الذي بدأت أتمكن أخيرا من التخلص منه ، فإنني لا أشاركهم تلك الوجبات السريعة التي ليس فيها من فائدة للجسم سوى نفخه بالدهون ، وأكون بذلك ملتزما بنص المثل الشهير : (( اتغدى واتمدى ... واتعشى واتمشى )) .

لكنني وفي إحدى الليالي ، وبعد خروجي من المقهى ، ركبت السيارة وبدأت أفكر مليا بذلك السبب الذي جمع (( محبة الحماة )) مع مصادفات القدوم عند شروع الآخرين بتناول الطعام ، فمن المتعارف عليه أن (( الزوج وحماته )) في العادة لايتفقان ، وسأقولها خجلا ، إذ أن من الأصح القول أنهم في كثير من الأحيان تجمعهم العداوة المشتركة حتى ولو لم تكن معلنة ومجاهر بها .

إذن ليس هنالك من سبب لذكر هذا المثل الشعبي ، سوى أن الشخص الذي يتلفظه عند مباغتة أحدهم له في أثناء تناوله للطعام ، أن يفقد شهيته للأكل بمجرد تذكيره (( بحماته )) ، فهل من المعقول أن يكون ذلك هو السبب ؟

Followers

Pageviews Last 7 Days