جمال الثقافة أم جمال الجسد ؟

قرأت قصة في أحد المدونات المصرية لفتاة أبهرني أسلوبها وحسها المرهف في الكتابة .

القصة كانت بعنوان (( ما كان ..... وما سيكون )) وتروي فيه قصة حب بين شاب وفتاة تكون نهايتها الفراق ولكن أكثر ما لفت انتباهي في تلك القصة أنها في أحد فقراتها تسأل نفسها كثيرا عن سبب محبة ذلك الشاب لها وبذات الوقت تتذكر إجابته على تساؤلها بأنه أحبها لأنها مثقفة وصادقة ، ثم تعترف بعد ذلك بأنها ليست جميلة وتتساؤل من جديد وتقول (( ما نفع المواهب دون جمال ؟ )) وسؤال آخر بعد ذلك مباشرة تقول فيه (( وهل الثقافة ترضي الرجال ؟ )) وتتابع قولها (( هل تضمن تلك الثقافة ألا تقترب فتاة أخرى منه ؟ )) .

في الواقع استوقفتني تساؤلاتها تلك كثيرا وكانت تدور في رأسي دون توقف حول أسباب انجذاب الشباب للفتيات وبمعنى آخر هل تكون الغلبة لجمال الجسد أم لجمال الشخصية والثقافة في ذلك الانجذاب ؟

لا بد قبل الاجابة على هذا السؤال من تذكر نظرية العالم ابراهام ماسلو حول ترتيب الحاجات الانسانية ، حيث رتب ماسلو الحاجات الانسانية على شكل هرم مكون من خمسة أقسام و تتدرج تلك الحاجات ارتفاعا حتى يتم الوصول إلى قمة الهرم ولا يمكن الانتقال من حاجة في أسفل الهرم إلى حاجة في مستوى أعلى قبل إشباع تلك الحاجة التي تكون في الاسفل ، وعليه فإن ترتيب الحاجات الانسانية وفقا لهرم ماسلو هي على النحو التالي :

- الحاجات الاساسية أو الفسيولوجيه وهي التي لا غنى عنها لبقاء حياة الانسان وهذه الحاجات تعتبر نقطة البداية في الوصول إلى إشباع الحاجات الأخرى والحاجات الاساسية تتمثل في الأكل والشرب والنوم والجنس .

- الحاجة إلى الشعور بالامان وتأتي هذه الحاجة في المرتبة الثانية في الهرم بعد إشباع الحاجات الاساسية وهي تتعلق بسعي الفرد نحو تحقيق الأمان والطمأنينة له ولعائلته أو تحقيق الأمن في مجال عمله من ناحية تأمين الدخل أو مواجهة الأخطار التي قد يتعرض لها من ذلك العمل .

- الحاجات الاجتماعية وهنا تكون حاجات الانسان في رغبته أن يكون محبوبا من الآخرين ولديه القدرة في تكوين علاقات ود وصداقة مع الناس من حوله .

- حاجات التقدير وهي حاجات شعور الانسان بالثقة وحصوله على التقدير والاحترام من الآخرين مما يدعم لدى الفرد شعوره بأهميته وقيمة ما لديه من إمكانات .

- الحاجة إلى تحقيق الذات وهذه الحاجة تقع في قمة هرم ماسلو ولابد من إشباع الحاجات الأربع السابقة للوصول إلى هذه المرحلة وهي شعور الانسان بإشباعه لحاجة أن يكون كما أراد أن يكون وهي المرحلة التي يصل فيها الانسان إلى درجة مميزة عن غيره ويصبح له كيان مستقل .

لا بد من التنويه أن هرم ماسلو للحاجات قد تعرض للكثير من الانتقادات في عالمنا الاسلامي بسبب افتقاد تلك النظرية إلى ما يسمى بحاجة الانسان الفطرية في الاستدلال على وجود الخالق وأن الانسان في النهاية هو عبد مستسلم لأمر ربه وعبادته وحده لا شريك له وهذه هي الحقيقة التي لا تقر النفس البشرية إلا بها وتكون ملازمة للإنسان حتى في أصعب وأقسى الظروف .

ولكن ما دفعني للحديث عن هرم ماسلو للحاجات الانسانية هو تساؤلات تلك الفتاة في قصتها ، بمعنى أن ما أريد قوله أن جمال الشخصية والثقافة والمعرفة لدى الفتاة لن تكفي وحدها في اشباع الحاجات الاساسية التي تكون موجودة لدى الشباب والتي هي مرتبطة بالجسد .

و ما بدأت ألاحظه في الآونة الأخيرة أن اهتمام بعض الفتيات أصبح منحصرا في الجانب الجسدي فقط كوسيلة لجذب انتباه الشباب وبشكل غير متوازن على حساب جمال الشخصية والثقافة .

فنجد العديد من الفتيات يبرعون في الحديث والمعرفة عن مختلف أنواع الملابس والمكياج والتباهي في أماكن التسوق التي يذهبن إليها ولكن عند سؤال إحداهن عن اسم رواية أو كتاب أو عند الحديث معها في موضوع ثقافي أو سياسي أو اجتماعي قليلا ما تجد فتاة تشارك في مثل هذا النوع من الاحاديث بل على العكس ستوجه الاتهامات إلى ذلك الشخص الذي يتحدث بمثل هذا النوع من المواضيع أنه ممل أو معقد نفسيا .

ولكني أيضا لا أنفي هذه الصفة عن الشباب أيضا فكثير منهم لا يلتفت أبدا إلى الفتاة المثقفة ولا يهتم إلا بالفتاة التي لديها ميزات جسدية وجمالية حتى ولو كان عقلها فارغا من أدنى معلومات المعارف الثقافية ، وبالتأكيد فهؤلاء الشباب هم من ذات الطراز والنوع طبعا بمعنى عقولهم فارغة أيضا .

ولكن المفارقة العجيبة التي تحصل مع بعض الشباب والرجال على حد سواء هو انتقادهم الدائم للفتيات والنساء اللواتي لا يعرفن سوى الاهتمام بمظهرهن وجمالهن ومع هذا فإن هؤلاء الرجال يبتعدون عن الفتيات المثقفات ويرفضون الارتباط بهن في حال كان جمالهن ليس كما يطمحون في مخيلاتهم ، وحتى أنه في بعض الاحيان يتولد نوع من الخوف لدى هؤلاء الرجال بعدم الرغبة مطلقا بالارتباط بفتاة ذكية ومثقفة خوفا من عدم القدرة على مجاراتها فكريا أمام المجتمع .

ولكن في النهاية ومن وجهة نظري فإن الشاب سينظر إلى الحاجة الفطرية أولا بمعنى أنه سيهتم بالنواحي الجسدية والجمالية للمرأه وستكون هي نقطة الانطلاق لديه في الرغبة بالارتباط ، بينما أرى أن المرأه لا يكون اهتمامها بالنواحي الجسدية والجمالية للرجل كنقطة أساس في انطلاق الرغبة لديها في الارتباط بالرجل .

ويبقى هذا التساؤل مطروحا ويبقى الجدل فيه لا ينتهي حول أولوية جمال الجسد أم جمال الثقافة والشخصية في ارتباطنا بالجنس الآخر ؟

Followers

Pageviews Last 7 Days