الذاكرة الانتقائية

الذاكرة هي وعاء يتم فيه حفظ مختلف الأحداث التي يواجهها الانسان في مشوار حياته وهي بذات الوقت أداة مهمة في استرجاع معلومات معينة يحتاجها الانسان في تسيير أمور حياته المتنوعة .

ويصنف العلماء الذاكرة إلى ثلاثة أنواع وهي الذاكرة اليومية أو اللحظية والذاكرة العاطفية والذاكرة البعيدة .

فالذاكرة اللحظية هي التي تحفظ فيها المعلومات والاحداث التي يواجهها الانسان بشكل يومي في حياته وهي تختلف عند البشر من حيث كمية المعلومات المختزنة فيها ، فبعض الاشخاص الذين تكون طبيعة الاحداث التي يصادفونها يوميا لا تعد ولا تحصى مثل الاطباء أو رجال الاعمال أو السياسيين تكون هذه الذاكرة في أغلب الاحيان ضعيفة عندهم لأن عملية تفريغ المعلومات منها واحلال معلومات جديدة فيها تكون عملية سريعة جدا .

أما الذاكرة العاطفية فتكون الاحداث التي تحفظ فيها مرتبطة بمواقف وانفعالات معينة من فرح أو حزن و تمتاز تلك الاحداث بأنها تكون عميقة جدا ومن الصعب نسيانها أو إزالتها من تلك الذاكرة حتى بعد مرور سنوات عديدة ، وتختلف نوعية الانفعالات التي تبقى مرتبطة في هذه الذاكرة وفقا لاختلاف شخصيات البشر ونوعية ارتباطهم مع الاحداث التي تثير لديهم تلك الانفعالات العاطفية ، فبعض الاشخاص قد لاينسى لحظة وداعه لحبيب افتقده لأي سبب كان ، وبعض الاشخاص أيضا قد لاينسى أول يوم له في المدرسة أو الجامعة ، كذلك آخرون قد يتذكرون أول يوم لهم في قيادة السيارة وهكذا تختلف الانفعالات في هذه الذاكرة مع اختلاف التأثر المرتبط بشخصية الانسان .

النوع الثالث وهو الذاكرة الطويلة أو البعيدة وهي مرتبطة بتقدم الانسان في العمر ، فكلما كبر الانسان أكثر اتسع لديه حجم تلك الذاكرة بسبب تراكم وتزايد المعلومات فيها من خلال الاحداث المختلفة التي تمر في مشوار حياته ، وهذه الذاكره تكون مرتبطة تحديدا مع المعلومات والاحداث القديمة بمعنى آخر أن بعض المعلومات التي تخرج من الذاكرة اللحظية أو اليومية قد تنتقل لتحفظ في الذاكرة البعيدة مع مرور الزمن .

ما دفعني للحديث عن ذاكرة الانسان وأنواعها المختلفة هو ما بدأت أسمعه من بعض الاشخاص ولكن باستخدام مترادفات مختلفة أن لديهم ذاكرة انتقائية أو اختيارية .

ومبدأ عمل هذه الذاكرة التي لم أجدها في المراجع العلمية لغاية كتابتي لهذا المقال هو أنها تكون قادرة على تذكر أحداث معينة فقط وبالتفصيل ولكنها تكون عاجزة تماما عن تذكر أمور أخرى مهما كانت بسيطة أو سهلة التذكر .

بصراحة من خلال تجربتي الشخصية مع الاشخاص الذين لديهم ذاكرة انتقائية بدأت ألاحظ ميكانيكية عمل تلك الذاكرة ووجدت أن المبدأ الذي تقوم عليه بسيط جدا .

فهؤلاء الاشخاص ذاكرتهم تكون فاعلة بشكل كبير في تذكر واجبات الآخرين تجاههم ولكنها تكون ضعيفة جدا عند تذكر حقوق الآخرين عليهم .

المشكلة الرئيسة مع هؤلاء الاشخاص أننا نبادر دائما في اكتساب مودتهم وإحاطتهم بكل مشاعر الاهتمام والتقدير والاحترام ولكنهم وبكل أسف يبادلون مبادراتنا ومحاولاتنا تلك دائما بالتذرع بالنسيان بسبب تلك الذاكرة الانتقائية ولكن الموضوع هو في حقيقته عدم اهتمام و عدم اكتراث لأمور قد تكون تعني لنا الكثير .

وعند معاتبتهم بسبب نسيانهم تجد كلاما معسولا ممزوجا باعتذارات نصدقها بكل سذاجة حول ذاكرتهم الانتقائية التي لم تساعدهم في التذكر .

في النهاية سأقول كم من الاشخاص الذين لديهم ذاكرة انتقائية من حولنا ؟ لابد أن هنالك الكثير منهم .

فكم من الازواج من ينسى عيد ميلاد زوجته أو عيد زواجه أو أية ذكرى تعني لزوجته الكثير ؟

وكم من الاصدقاء من ينسى دعم أصدقائه ولو بشكل معنوي على الأقل في العديد من المواقف الذين يكونون في أشد الحاجة لدعمهم ؟

وكم من الأقارب من ينسى مشاطرة أقاربه في أفراحهم وأحزانهم إذا لم يكن لديه منافع شخصية معهم ؟

وكم من المخطئين في حق الآخرين ينسى الاعتذار أو التراجع عن مواقفه .

كم وكم وكم .........................................

الذنب ليس ذنبكم يا أصحاب الذاكرة الانتقائية بل ذنبنا أننا اعتقدنا أنكم تهتمون لأمرنا كما نهتم لأمركم .

Followers

Pageviews Last 7 Days