تساؤلات في مقاطعة المطاعم الأمريكية

ذهبت مع صديقي لتناول وجبة العشاء في أحد المطاعم الأمريكية في عمان ، بصراحه وبمجرد دخولنا كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لي وأنا أرى تلك الأعداد الهائلة من البشر والتي كانت موجودة في الداخل ، مع العلم أن متوسط سعر الوجبة للفرد في تلك المطاعم تعتبر مرتفعة إذا ما تم قياسها مع متوسط دخل الفرد الشهري في الأردن ، لا أريد أن أتوقف كثيرا عند نقطة سعر وجبات تلك المطاعم وهل هي مبررة أم لا .

الذي استوقفني في تلك اللحظة هو تساؤلات كثيرة وأنا أتذكر الشعارات التي كان يتم إطلاقها بين الحين والآخر من قبل جماعات مختلفة حول ضرورة مقاطعة المنتوجات الأمريكية لإن ذلك يعني استمرار القوة الاقتصادية التي تؤدي إلى إستمرار القوة العسكرية لأمريكا وحلفائها مما سيتسبب بمزيد من الضحايا من أبناء أمتنا العربية والإسلامية في مختلف بقاع الأرض .

من حيث المبدأ أتفق مع الذين يطلقون شعارات المقاطعة ولكن من حيث الجوهر أختلف معهم كثيرا .

هل لدينا مطاعم وجبات سريعة عربية منافسة لتلك المطاعم بحيث تستطيع جذب انتباه أطفالنا إليها ؟

بصراحة تركيزي على الأطفال في هذا الجانب تحديدا وليس على الكبار لسبب بسيط جدا وهو أن الكبار يستطيعون التحكم برغباتهم ، وعقولهم تستوعب طبيعة المخاطر التي تواجهها أمتنا من الأمم الأخرى التي تترصد بنا .

أما الأطفال فهم ليس لديهم القدرة في التحكم برغباتهم ، وعقولهم لم تستوعب بعد طبيعة الصراع الذي يترصد بأمتنا.

ومن يدقق النظر في رواد المطاعم الأمريكية يستنتج أن الأطفال هم الأكثر تأثيرا في قرارات الأسرة في التوجه إلى تلك المطاعم ، ومن هنا فلن يستطيع أصحاب شعارات المقاطعة في التأثير على الناس من حولهم لأنهم يخاطبون الكبار ويتجاهلون رغبات الأطفال الصغار الذين يمتلكون سلاح القوة والنفوذ والسيطرة في التأثير على قرارات الكبار .

على مايبدو أن أصدقائنا من أصحاب شعارات المقاطعة يغفلون هذا الجانب من التأثير القوي للأطفال والسبب من وجهة نظري واضح وهو التفكير الكلاسيكي البعيد كل البعد عن العصر الذي نعيش فيه ، يعتقد أصدقائنا أن الأمر يكون بكبسة زر للأطفال فيمتنعون عن المطالبة بالذهاب لتلك المطاعم .

إلى متى سيبقى التفكير ساذجا في أمتنا لهذا الحد ؟

الأمريكان ينفقون مبالغ هائلة جدا على الاستقصاء والبحث العلمي وأقصد هنا تحديدا البحوث والدراسات التسويقية التي يكون الهدف منها دراسة احتياجات ورغبات المستهلكين والتركيز تحديدا على الأشخاص المؤثرين في اتخاذ القرار الاستهلاكي ، وطبعا في موضوعنا حول المطاعم الأمريكيه نجد كيف يفكرون بطريقة مذهلة في جذب الأطفال إلى مطاعمهم من خلال صالات الألعاب المجانية المميزة وكذلك صالات أعياد الميلاد كحافز وترويج إضافي للأطفال مما يدفعهم للضغط على أهاليهم لعمل أعياد الميلاد في تلك المطاعم .

كذلك من يمعن النظر في طريقة تصميم وجبات تلك المطاعم وأفكارها يلاحظ كم هم متقدمون فمثلا تجد تخصيص وجبات تسمى وجبات أطفال ويتم وضع لعبة مع كل وجبة ، ليس هذا فحسب فتجدهم يعرضون تلك الألعاب بطريقة مميزة ليراها الأطفال فيصبح هنا التأثير في قرار الاستهلاك على رغبة الطفل في الحصول على اللعبة في بعض الأحيان أكثر من رغبته في الحصول على الطعام .

صدقوني هذه الأمثلة القليلة التي ذكرتها لم تأت من فراغ بل هي نتاج بحوث و دراسات تسويقية متطورة جدا قامت بها تلك المطاعم الأمريكية ولهذا تجد أن منافستهم من خلال مطاعم عربية هي ضرب من الخيال .

لذلك يا أصدقائي من أصحاب شعارات المقاطعه فإنكم تهدرون وقتكم ووقتنا ، لا بد من العمل على تطوير قدراتنا أولا لكي نستطيع منافسة المطاعم الأمريكية وذلك من خلال الانفاق على البحث العلمي والدراسات التسويقية واتباع خطط استراتيجية مبنية على العلم والمعرفة يشرف عليها كفاءات ومهارات متخصصة وهذا الكلام ليس خيالا ومن يريد أن يتأكد من ذلك فلينظر إلى الصين ومن قبلها اليابان فهما خير مثال على تطوير منظومة منتوجات خاصة بهم ومنافسة على مستوى العالم كله .

وفي النهاية أتمنى يا أصدقائي من أصحاب شعارات المقاطعة أن تتوقفوا عن الكلام والاستعراض في مهاراتكم الخطابية وتتوجهوا للعمل بصمت في كيفية بناء صناعات ومنتوجات عربية تنافس العالم من حولنا .

لكن صحيح نسيت أمرا مهما لقضية لا بد أن تحسم قبل البدء بطريق النهضة والتقدم تتعلق بايقاف نزيف هروب المواهب والابداعات من الوطن العربي .

فهل ستحسمون هذه القضية أولا يا أصدقائي من أصحاب شعارات المقاطعة ؟

Followers

Pageviews Last 7 Days