قابيل وهابيل في مديرية الأمن العام

يعتبر قابيل أول انسان ارتكب جريمة القتل في تاريخ البشرية ولكن من يدقق النظر في ملابسات جريمة قابيل يلاحظ أنها كانت بحق أخيه ، هذا من جانب ، ويلاحظ أيضا أنها تراكمات لغضب وحقد دفين على أخيه هابيل لأنه تفوق عليه في جانب تقوى الله عز وجل بعد أن تقبل رب العالمين القربان من هابيل ولم يتقبله من قابيل ، والغريب أن قابيل بعد ذلك لم يحاول أن يراجع نفسه ويغار من أخيه بطريقة إيجابية ليتقرب من الله سبحانه وتعالى بل اكتفى بشحن قلبه بالغضب والحقد على أخيه حتى قتله في النهاية .

تذكرت قصة قابيل وهابيل وأنا أقرأ خبر الضابط الذي قتل زميله في مديرية الأمن العام يوم الثلاثاء الماضي وكاد رأسي أن ينفجر من كثرة التساؤلات التي كانت تقذفني كحمم بركانية وأنا أقرأ ملابسات الحادث .

- هما زملاء في مكتب الحالات الانسانية لمديرية الأمن العام منذ ستة أعوام .

- مرتبطان بصداقة وطيدة .

- أديا فريضة الحج الموسم الماضي سويا .

هذه هي المحاور الثلاثة التي أود الحديث فيها عن هذه الجريمة البشعة لكل معاني الأخوة والصداقة بين الناس .

المحور الأول : ماهي الضرورة التي تستدعي رجال الأمن العام الذين يعملون في مكتب الحالات الانسانية للمديرية والتي من المفروض أنها تعنى بقضاء حوائج الناس وتقديم المساعدة لهم من حمل أسلحتهم داخل المكاتب أثناء تأدية تلك الوظيفة الانسانية ؟

هل سيدخل عليهم إرهابي يفجر المكان ؟

هذا مع العلم أنه لايستطيع أحد الدخول إلى مديرية الأمن العام قبل أن يتم تفتيشه بشكل دقيق .

أليس من المفروض أن يكون رجال الأمن العام وبخاصة الضباط هم القدوة الحسنة للمواطنين في مكافحة الجريمة والعنف بكافة أشكاله ؟

لقد كنت أستاء عندما أشاهد أحد ضباط الأمن العام يمارس تجاوزات في قواعد السير والمرور ، فكيف وأنا أراه يقتل زميله بدم بارد ؟

المحور الثاني : الصداقة هذه الكلمة التي فقدت كل معانيها في هذه الأيام وأتذكر في هذه اللحظة عبارة تتردد على مسامعي (رب أخ لك لم تلده أمك ) ، الصديق يبلغ في بعض الأحيان مكانة تتفوق على مكانة الأخ ، الأصدقاء يجب أن يكونوا الأحرص في الخوف على بعضهم ، في الوقوف معا في السراء والضراء ، في مشاركة الهموم والأحزان ، في المحبة وأمنيات الخير الصادقة ، في التضحية والإيثار وعدم التواني للحظة عن تقديم الدعم والمساندة المعنوية أو المادية لبعضهم البعض .

كل بني البشر يخطئون ولكن إذا أخطأ الصديق في حق صديقه فهل هذا يعني أن يقتل بدم بارد ؟

أنا لا أعلم ماذا حدث في تلك اللحظة المشؤومة ؟ وما هي أسباب ودوافع انفجار بركان الغضب لدى القاتل ليقتل صديقه وزميله بعيارات نارية ظالمة ومتجردة من كل معاني الصداقة والأخوة ؟

لماذا غابت ثقافة التسامح والعفو عند بعض الناس ليحل مكانها ثقافة الحقد والكره والبغضاء ؟

هل هذا هو جزاء صداقة وزمالة دامت لستة أعوام ؟

المحور الثالث : في كل عام نسمع في مواسم الحج المباهاة التي لاتسمن ولاتغني من جوع حول أعداد الحجاج وأنهم بلغوا المليونين والثلاثة ملايين في احصائيات ودراسات لاحصر لها ، ولكن على مايبدو أن البعض يغفل عن التركيز على جوهر تلك الفريضة العظيمة التي يعجز اللسان عن وصفها في أكبر تجمع للمسلمين من مختلف أعراقهم وأصولهم ومنابتهم وألسنتهم والذين حضروا ليلبوا النداء بصوت واحد يعلو ولايعلى عليه ( لبيك اللهم لبيك .... لبيك لا شريك لك لبيك ) .

وعلى مايبدو أن البعض ذاكرتهم لاتسعفهم في التذكر أو أنهم قد تعمدوا نسيان خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع التي بدأت بعبارة خالدة ستبقى لقيام الساعة ( إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ) .

ماهذا التنافض الغريب والعجيب لبعض حجاج بيت الله الحرام ؟

وهم الذين عادوا كيوم ولدتهم أمهم ناصعون كبياض الثلج من كل الذنوب والمعاصي .

أين أنتم أيها الحجاج بعد مغادرتكم لمكة المكرمة ؟

لا أقصد أجسادكم بل أقصد سلوكياتكم وأخلاقكم بعد أداء هذه الفريضة العظيمة ؟

ماذا تغير فيكم قبل الحج وبعده ؟

لايسعني إلا أن أقول وقد فاضت العيون ونزف القلب جرحا عميقا لهذه الحادثة الأليمة ، لاحول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون .

رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنانه وألهم أهله الصبر والثبات .

Followers

Pageviews Last 7 Days