النوم في العسل

تذكرت وأنا في صدد كتابة هذا الإدراج أحد أفلام عادل إمام وهو (( النوم في العسل )) والذي تدور أحداثه حول قصة وباء انتشر في كافة أرجاء القاهرة حول عجز جنسي أصاب كافة الذكور مما أدى إلى توتر العلاقات بشكل كبير بين الرجال والنساء و حدوث حالات الانتحار و الجنون و القتل ، وأعتقد أن الكاتب وحيد حامد حاول من خلال قصة هذا الفيلم التأكيد على عجز أصاب المجتمع بحد ذاته ولكنه تستر على تلك الفكرة من خلال القضية الجنسية ، وعلى الرغم من مرور سنوات عديدة على هذا الفيلم ولكن أجد أن أحداثه بدأت تسيطر على مجتمعنا كثيرا في الوقت الحاضر .

فالعجز الجنسي في أغلب الأحيان سببه الاضطرابات النفسية الناجمة عن هموم ومشاكل الحياة التي يواجهها الفرد مما تجعله عاجزا تماما عن ممارسة فطرته التي خلق عليها وحاله بذلك كحال فقدانه لشهية تناول الطعام أو فقدان القدرة على النوم أو أي خلل قد يصيب جانب من الجوانب الغريزية الأساسية عند الإنسان .

ولكن ما هي الأسباب التي بدأت تتغلغل في جذور مجتمعنا لتجعله مصابا بوباء العجز ؟

الجو العام في مجتمعنا في هذه الأيام مشحون كثيرا ويبعث على تزايد أسباب الاضطرابات النفسية ، ففي كل يوم نسمع عن العديد من صور العنف المختلفة سواء من مشاجرات جماعية أو حالات القتل التي أعتقد أن معدلاتها بازدياد وكذلك هنالك قضايا الانتحار وانتشارها بهذا الشكل غير المسبوق في بلدنا ، وبالتأكيد فإن الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها معظم أفراد المجتمع في هذه الأيام له علاقة كبيرة بما يحصل ، وعند تذكري لأحداث ذلك الفيلم الذي يلعب فيه عادل إمام دور ضابط في المباحث أو الأمن ، يلتصق بذاكرتي تلك الصور التي رصدها من الشارع المصري عندما طلب منه رئيسه بالعمل اجراء التحريات اللازمة عن وضع الناس ، فعندما ذهب للمساجد والكنائس لسماع خطب رجال الدين وكيفية محاولتهم في التخفيف من حدة وطأة ما أصاب الناس من ذلك العجز اللعين ، تذكرت خطبة صلاة الجمعة في الاسابيع الاخيرة وتركيز الخطيب بشكل رئيس على تناول موضوع الرزق كمحاولة للتخفيف من وطأة الاحباط الذي بدأ الناس يعيشونه في الآونة الأخيرة بسبب أوضاعهم الإقتصادية الصعبة ، وكذلك عند مشاهدته لمجموعة أخرى من الأفراد الذين توجهوا للمشعوذين والدجالين طلبا في الشفاء ، تذكرت الهالة الاعلامية الضخمة جدا والتي كانت مصاحبة لنهاية العام المنصرم حول عالم الأبراج وتوقعات وتنبؤات حركة الكواكب والنجوم حيث أصبح هؤلاء الدجالون شخصيات بارزة ومهمة ومشهورة على مستوى الوطن العربي ككل وهذا إنما يدل على أن العديد من الأفراد وصلوا لمرحلة من العجز جعلتهم يتعلقون بأي شيء مهما كان العقل يرفضه .

كذلك لا بد من الاشارة إلى الانقسامات في الصالونات السياسية وعلى الرغم من أنني لست ضليعا بالسياسة ولكن الذي يحصل لا يحتاج إلى خبير سياسي ليقوم بتحليل أبعاده ، فالقضية لم تعد أحزاب وحرية رأي وتعبير أو قضية تنمية سياسية تهدف لخدمة الوطن الصغير والوطن العربي الكبير ، بل أصبحت ساحة لمعارك الاطراف المتنازعة في المجادلات والنقاشات العقيمة والحروب الموجهه في الطريق الخطأ حول أفضلية الوصاية في منصب القيادة وبعد تحقق هذا الهدف في القيادة تنتهي الأهداف ، أما الشعب ومصلحة الشعب فهي ليست ضمن جدول اهتمامات من يسمون أنفسهم بالنخب السياسية إلا من رحم ربي .

بكل أسف بدأنا نفتقد للشعور بالامان في مجتمعنا من المخاطر التي تحيط بنا في الداخل قبل الخارج ، فكل يغني على ليلاه من الجماعات والمذاهب المختلفة أما المواطن البسيط الذي يريد أن يعيش حياة كريمة دون أن يتعرض له أحد بالأذى فماذا عليه أن يفعل ؟

والغريب بالموضوع أن العديد من الاشخاص الذين أصابهم العجز والشلل الكامل لا يستسلمون أبدا بل يفرغون حقدهم وكراهيتهم في أبناء مجتمعهم سواء من خلال بث أفكار العنصرية والطائفية والاقليمية المسمومة وأرجو أن نتوقف عن إلصاق هذه الأمور بالموساد الاسرائيلي لأن ترويج هذه الأفكار ونشرها تتم من خلال أفراد في المجتمع وينساق العديد من الأشخاص ورائها وهنا أتوقف وأقول لماذا يتم الانسياق وراء هؤلاء الدعاة ؟ هذه الحمية حمية الجاهلية لمن ندخرها وعلى ماذا نفاخر ؟ هل نفاخر على مذلتنا بين الشعوب بعد أن كنا أفضل الشعوب ؟

القضية الأخرى في السياق ذاته أن بعض الجماعات بدأت تجاهر أمام وسائل الإعلام بأن لها الفضل الأول في نشوء وصمود مقاومة الشعب الفلسطيني في معاناته ، ولكن أستغرب من هؤلاء عن أية مفاخر يتحدثون بالتحديد ؟ هل قاموا بتحرير الأقصى الأسير أم استطاعوا رد الحرم الابراهيمي الذي أصبح من الآثار الاسرائيلية ؟

الإحباط والعجز دب في أوصال المجتمع من كل جوانبه وحتى تراجع مستوى العلاقات الاجتماعية في محيط الأسرة وتدني الروابط العائلية وهشاشتها هي نتيجة حتمية لتسارع الأحداث من حولنا في كل الجوانب بحيث أصبحت المشاكل التي قد تواجه الفرد في أبسط أمور حياته ليست ببعيدة أبدا .

نحن ببساطة لسنا بحاجة لمقويات حبوب العجز بل نحن بحاجة إلى ثورة على الانسان الذي يقطن بداخلنا وحثه على العمل الجاد في طريق إصلاح الإنسان الذي فقد قدرته على حب الحياة .

Followers

Pageviews Last 7 Days