الطلاق الالكتروني

عندما يقرر السيد (ذكر) أن يتزوج تجده يقود جيوشا جرارة تتوجه إلى بيت العروس الأسيرة ليحررها من سجن العزوبية والوحدة .

وما أن تصل الجاهة الكريمة ، عفوا ، ما أن يصل الجيش المثقل بعتاد الخطب الكلامية الكاذبة إلى أراضي منزل العروس التي لا تعرف ما ينتظرها من إهانة ومذلة حتى يستقبل حراس المنزل ذلك الجيش بحفاوة منقطعة النظير .

بعد ذلك يبدأ الجيش باستعراض أسلحته الكلامية الفتاكة حول تقديرهم واحترامهم لمكانة المرأه ويقطعون الوعود والعهود أن العروس ستعيش في ديارهم بكل عزة وكرامة وأنهم لا يتهاونون أبدا مع كل من يجرؤ بالتعرض لها بالاهانة .

وتبدأ ليالي الأفراح والولائم فتمتد من بحور ( المناسف ) وصولا إلى شواطىء ( الكنافة ) ويتسابق الجميع في تقديم الهدايا والمجوهرات النفيسة بفرح وسعادة بقدوم تلك العروس إلى أراضي فارسهم ( ذكر ) .

وكم تتفاجؤ تلك العروس في منزل الزوجية السعيد والذي يضم كل ما وصل إليه علم التكنولوجيا الجديد ، فالثلاجة طاقتها الاستيعابية أكثر من 20 قدم مكعب وفيها حاويات عملاقة لحفظ مختلف أنواع الاطعمة مع مزايا تغيير درجة رطوبة أو حرارة كل حاوية منها ، أما موقد الغاز فهو مصمم بفهوات عملاقة لضمان اتمام عملية طهي الطعام بكفاءة لأن الفارس ( ذكر ) يحرص أشد الحرص على أن تكون رغبات معدته دائما مستجابة .

أما التلفاز فهو مزود بأحدث تقنيات الشاشات المسطحة ( بلازما ) ليتم الاستمتاع بنقاء صورة أفلام الرعب التي يعشق متابعتها الفارس ( ذكر ) ولاننسى أن ( الساتلايت ) مجهز بتكنولوجيا رقمية فائقة تمكنه من مشاهدة آلاف المحطات سواء كانت مشفرة أم لا .

ولاحظت العروس أن المكيفات تنتشر في كل أرجاء المنزل وتتميز بوجود خاصية توزيع الهواء البارد والحار في كل الاتجاهات وفيها خاصية تنقية الهواء باستخدام فلاتر كهرومغناطيسية ولم تكن تدري أن هذه التقنيات لم تكن كفيلة بالتخلص من أتربة وغبار جو عقل الفارس ( ذكر ) .

وعلى الرغم من كل ما كان يحتويه هذا المنزل من تكنولوجيا وتقنيات ورفاهية لا مثيل لها ، لاحظت الزوجة أن الفارس ( ذكر ) يقتني هاتفا جوالا من نوعية قديمة جدا لا تتناسب مع اهتمامه بمواكبة تقدم مخترعات هذا العصر الحديث ، ولما تسائلت عن سبب عدم اقتنائه لهاتف حديث الطراز ، أجابها أنه يهمه بالهاتف ميزتان فقط وهي القدرة على التحدث واستقبال المكالمات وبذات الوقت أن تتوفر فيه ميزة ارسال الرسائل النصية ( sms ) وقد أخبرها بأن معظم شؤون حياته يتم قضائها من خلال استخدام تلك الرسائل النصية فهو دائما مشغول وليس لديه وقت في الثرثرة مع أي شخص كان على الهاتف لذلك يحاول دائما أن يختصر على نفسه المسافات من خلال رسائل ( sms ) .

استغربت الزوجة كثيرا من موقف ( ذكر ) في هذا الموضوع وتسائلت مرة أخرى ولكن هذه المرة مع نفسها فقالت : (( لو أراد زوجي أن يقيم وليمة غداء لأهله فهل سيبعث لهم برسالة ( sms ) لدعوتهم عليها ؟ )) وتسائلت أيضا : (( لو كان والد زوجي في المستشفى بسبب نوبة قلبية هاجمته فجأه فهل سيبعث برسالة ( sms ) إلى والدته للاطمئنان على صحته ؟ )) ، وما لبث أن قفز سؤال آخر في عقلها فقالت : (( لو قرر شقيق زوجي الهجرة من الوطن فهل سيقوم زوجي بارسال رسالة ( sms ) في وداعه ؟ )) .

وعلى الرغم من كل تساؤلاتها في أفكار زوجها الغريبة حول موضوع رسائل ( sms ) إلا أنها لم تكن تدري ماذا تخفي لها الأيام القادمة من استهتار واستخفاف واستحقار زوجها لمكانتها التي لم تكن كذلك عندما تقدم لخطبتها .

ولم تمض بضع سنوات حتى تكشفت لها خيوط الحقيقة ، وتحطمت كل الأقنعة المزيفة التي كان يرتديها زوجها في التظاهر باحترامها وتقدير مكانتها ولم تعد في عينيه تلك الأميرة الجميلة التي حرك الجيوش لأجلها وقاد الحروب مع كل من حاول الاقتراب منها ، وها هو ذا في أحضان عشيقته الغاضبة منه التي ترفض كل محاولاته في اثبات مقدار حبه الكبير لها ، فيقسم لها مرات ومرات أنه يحبها ولكنها تصر في التمنع عنه ، فيقوم الفارس ( ذكر ) بتناول جهازه الجوال ويرسل برسالة ( sms ) لزوجته التي أرهقها تفكيرها منذ زواجها به عن أمور حياته التي يسيرها باستخدام تلك الرسائل النصية ، وفعلا كان ذلك هو آخر التساؤلات لديها فقد كان محتوى رسالته في هذه المرة كلمتين فقط وهما : (( أنت طالق )) .

عندما قرأت الزوجة تلك الرسالة أمسكت بجهازها الجوال وتوجهت إلى صديقتها ( نور ) وقالت : (( كم تكون مكانتنا عظيمة عند قدوم الرجال للزواج بنا ولكن عند الطلاق يكتفون بارسال رسالة ( sms ) فهل مكتوب علينا أن تبقى الاهانة والمذلة تلاحقنا في كل العصور والأزمنة ؟ ولكن مذلة عصر التكنولوجيا تفوقت في إذلالنا عن كل العصور))

Followers

Pageviews Last 7 Days