365 يوم للكراهية

في البداية لاحظت مفهوما مغلوطا لدى العديد من الأشخاص الذين يهاجمون والاشخاص الذين يدافعون عن ( يوم الحب ) حيث يطلقون عليه تسمية ( عيد الحب ) ولست أدري كيف تم ترجمتها من اللغة الانجليزية لتكون الكلمة المرادفة لها في اللغة العربية ( عيد وليس يوم ) .

في الواقع بدأت أشك في صحة معلوماتي فقمت بمراجعة العديد من المصادر الأجنبية فوجدت دائما عبارة واحدة أمامي وهي ( Valentine’s Day ) .

إذن لنتفق في البداية أنه ليس عيد ولا يجوز في أي حال من الأحوال نعته بذلك ، لأننا كمسلمين ليس لدينا سوى عيدين في السنة فقط وهما عيد الفطر السعيد وعيد الأضحى المبارك .

وحيث أننا في هذا المجتمع نتميز دائما بحروب بين مؤيد ومعارض لكافة القضايا وفي جميع المجالات ونواحي الحياة ومن المستحيل أن نجتمع على كلمة واحدة ، فقد بدأ الصراع الذي توقعته مسبقا في الرابع عشر من شهر شباط بين المحتفلين بيوم الحب وبين المحاربين له ، وبالطبع بدأ المعارضون ممن يعتبرون أنفسهم من فئة النخب أو الأوصياء على المجتمع بقذف تهم التكفير والاستهتار بعقول الناس وتسخيفها ، في حين كان المؤيدون يبالغون في هجومهم المضاد من خلال المباهاة في الترف والبذخ في شراء الهدايا وفي إحياء طقوس الاحتفال بيوم الحب ، والذين وقعوا ضحية لهذا الصراع ولتلك الحرب هم فئة تحاول أن تعيش بسلام وليس من ضمن ميزانياتها المحدودة جدا شراء هدايا ليوم الحب أو الاحتفال به ولكنهم لديهم أماني وأحلام بسيطة جدا في التغلب على سمة ( الكشرة ) التي لا تفارق محياهم طوال أيام السنة بسبب ضيق العيش ونوائب الدهر .

وهذه الفئة البسيطة بأفكارها النقية من شوائب الغرور والنرجسية والحقد والكراهية للآخرين تجد نفسها في وسط صراع ليس لها فيه أدنى علاقة وتتحمل أوزار تلك الصراعات طوال أيام السنة و التي تعصف بكل محاولاتهم البريئة في التعبير عن مشاعرهم تجاه من يحبون من أزواج وأبناء وآباء وأمهات وإخوة وأخوات وجيران وأصدقاء .

ففئة أوصياء المجتمع تتلذذ في استفزاز كافة أفراد الشعب بكل طبقاته من استهتار بالعقول ونقد دائم للتصرفات والسلوكيات المختلفة ، في حين أن فئة المقلدين للغرب والذين هم في أغلب الحالات من طبقات ثراء فاحش يستمرون بالتكبر والغطرسة في الترف والبذخ كردة فعل مضادة على فئة النخب ، والذي يدفع ثمن هذا الصراع وبكل أسف هم الفئة البسيطة التي كتب عليها أن تعيش أيام الكراهية والحقد والبغضاء على مدار السنة وبالتالي أصبح لديهم 365 يوما للكراهية لأنهم إذا حاولوا إظهار أية مشاعر أخرى فسيتعرضون لمحاكمة سريعة بتهمة الكفر والعقل السخيف والخيانة لقضايا الأمة ومصائبها ، فليس من حقهم أبدا أن يعبروا عن مشاعر محبتهم لمن حولهم لأنهم في نظر فئة النخب لايعرفون كيف يحبون ولايعرفون ما هو معنى الحب ، وفي المقابل فهم في نظر فئة مقلدي الغرب أشخاص لا يعرفون معنى الحضارة ولا المدنية الحديثة .

وفي خضم هذه الصراعات التي لا تنتهي وجدت أمامي هذه الصور البسيطة التي لا تسلم أبدا من تلك الحروب :

- رجل يقوم باللعب مع أطفاله في الحدائق العامة يبدأ بتلقي وتراشق التهم من كل حدب وصوب بأنه سخيف وعقله لا يتناسب مع عمره من وجهة نظر النخب أما مقلدي الغرب فسيضحكون عليه لعدم إلمامه بأساليب التربية الغربية الحديثة التي تتطلب وجود مربية متخصصة في تربية الاطفال ، وطبعا ذنب ذلك الرجل البسيط أنه حاول فقط التعبير عن مدى محبته لأولاده .

- الابتسامة وطلاقة الوجه وإلقاء السلام على الجيران تدخل في حسابات لا تنتهي أبدا ، فصاحب عقلية النخب سينظر إلى تلك الابتسامة البريئة بأنها تدل على السذاجة والسخافة وعدم الوعي لما يحدث من قضايا تترصد بهذه الأمة ، وأما مقلد الغرب فسيخاف من تلك الابتسامة ويبدأ بتحليل مقاصدها وماذا يخفي صاحبها من نوايا سيئة أو قد يعتبره متطفلا ولا يحترم خصوصيات وحريات جيرانه ويحاول أن يفرض نفسه عليهم .

- الصورة الاخيرة هي لزوجين بالكاد يملكان قوت يومهما ومع هذا يحبان بعضهما كثيرا وهما مقتنعان بحياتهما ونصيبهما من هذه الدنيا ، فيخرجان بنزهة سيرا على الأقدام وقد تشابكت أيديهما معا ، ولكن هل سيكملان نزهتهما بسلام ، هيهات هيهات أن يحدث ذلك ، ففئة النخب ستبدأ بهجومها عليهما أنهما ليس لديهما أي حياء أو ذوق أو مراعاة لمشاعر الأخرين ، أما فئة مقلدي الغرب فستنهال منهم عبارات السخرية والضحك بقول ( مو معقول شو بلدي هادول ما بعرفوا كيف يمسكوا ايدين بعض بطريقة مودرن شوي ) .

دعونا وشأننا يا فئة النخب ويا فئة مقلدي الغرب فنحن لسنا بحاجة لمزيد من الكراهية والحقد والبغضاء والتحقير والاستهتار والتكبر والغرور والنرجسية .

دعونا نعيش حياتنا ببساطة لعلنا نعيد شيئا من المعاني الجميلة في المحبة والإخاء واحترام بعضنا بعضا ، أنتم تفوقتم على الغرب في احباطنا وشعورنا بالمذلة والمهانة ، نحن بشر مثلكم ولسنا عبيدا ننتظر أوامركم وتوجيهاتكم فقد ولدنا من بطون أمهاتنا أحرارا ، أحرار ، أحرارا .

Followers

Pageviews Last 7 Days