أخاف لغة الصمت في كلام النساء

أخاف من المرأة التي تتقن لغة الصمت في كلامها ولا أقصد أنها تصمت عند توجيه سؤال مباشر لها ، بل هو ذلك الصمت في قدرتها على التلاعب بحروف اللغة للإبتعاد عن الإجابة حول ذلك السؤال ومداهمتي بجمل منمقة في التنسيق والتركيب تجعل مني تائها في دهاليزها التي أعجز عن إيجاد سبيل في الخروج منها بسلام .

لست أدري أهي ثقتها الطاغية بنفسها ؟ أم هي قوة غامضة تجعل مني ضعيفا ومستسلما في معرفة ردود أفعالها الحقيقية من وراء تساؤلاتي والجهل التام بقدرة التنبؤ بما سيصدر منها بعد السؤال .

لابد من الاعتراف بذكائها فهي تجذبني بمحض ارادتي لمحاولة فك غموضها والغوص في أعماقها لمعرفة سر ذلك الجمال الذي أعشقه في كل يوم أكثر وهي تنتقل بين حروف اللغة ومفرداتها لتخفي حقيقة مشاعرها في كلامها المسموع أمامي فتتركني في دوامة البحث اللامنتهي لمحاولة سماع الكلام الذي لا تنطق به أبدا .

لماذا أعجز في كل مرة عن ايقاعها في مصيدة الإجابات المباشرة لأسئلتي ؟ ولماذا هي تنجح في كل مرة من القفز فوق حواجز كلماتي وتكمل مسيرتها في تلك الرحلة المليئة بمطبات الألغاز التي تزيد من سرعة هروبها أمام مطارداتي ؟

قررت أن أتعمق في دراسة كل مفردات اللغة لعلي أجد سؤالا أتمكن فيه من إيقاعها وإرغامها على الإجابة على أسئلتي بشكل قطعي ولكنها كانت تلوذ إلى ملاجىء الصمت للحظات لا تتجاوز دقائق معدودة لتفاجئني بعدها بالرد بأسئلة تتفوق في ذكائها على أسئلتي فأجد نفسي عاجزا مجددا عن مجاراتها في حديث حرب المفردات اللغوية .

ولم أجد في النهاية من سبيل أمامي سوى الرحيل عنها والبحث عن امرأة تمتلك إجابات حاسمة غير قابلة للتأويل والتفسير ، وبعد أن وجدتها بادرت بسؤالها كعادتي بشكل مباشر وقطعي ، فقلت لها ( أتحبيني ؟ ) فأجابت بكلمة كم كنت أتشوق لسماعها مع تلك المرأة الغامضة ، هي كلمة من ثلاث حروف كانت مفقودة تماما في المعجم اللغوي للمرأة الصامتة المتكلمة ، وها أنا في هذه المرة أسمعها ثلاثا ، فتقول : ( نعم ، نعم ، نعم ) .

ولكني سافرت في تلك اللحظات بالتحديد في بحور ذكريات ذلك السؤال عندما سألته للمرأة الغامضة وتذكرت إجابتها التي لم أجد لها تفسيرا ولا تأويلا يتناسب مع النشوة التي لطالما حلمت بأن تتحقق وأنا في حضرتها ، تذكرت تلك الإجابة حينما أجابت : ( أحب ذاتي ) .

ماذا كانت تقصد بتلك الإجابة ؟

وهل إنكار محبة الذات هي أنانية أم إيثار ؟

وهل من لا يحب ذاته يملك القدرة في محبة الأخرين ؟

هل فاقد الشيء يعطيه ؟

أم أن محبة الذات لا تتحقق إلا بشعور المحبة القادمة من الآخرين ؟

أسئلة لم أجد لها أية إجابات فقررت الهروب مجددا من مفردات اللغة القطعية والعودة إلى دوامة الاجابات المحتملة عند تلك السيدة الصامتة المتكلمة .

Followers

Pageviews Last 7 Days