الأسرار من وجهة نظر الرجال والنساء

يصادف اليوم ذكرى زواجي الذي مضى عليه عشرة أعوام ، ولقد قررت بهذه المناسبة أن أرغم زوجي ، الذي لايراودني أدنى شك في عدم تذكره لهذا اليوم ، بجعل هديتي دعوة عشاء في أحد المطاعم التي كنا نرتادها في فترة خطوبتنا ، فكم أفتقد لتلك الأيام والذكريات الجميلة ، عندما كان شعار حياتنا هو كيف نحب بعضنا في كل يوم أكثر ، وليس كما في هذه الأيام التي أصبح فيها كل منا كجبل عاطفي من الجليد يزداد برودة وقسوة مع كل عاصفة ثلجية من هموم الحياة والأولاد .

فكرت الإتصال به في مكان عمله لكي أضمن عدم ارتباطه مع أصدقاء المقهى الذين يسهر معهم في كل يوم إلى ساعة متأخرة من الليل للعب الورق ، ولا أنكر أنني كنت في الماضي لا أتوقف عن التشاجر معه بسبب ذلك ، ووجدت أن لافائدة ترجى من وجوده في المنزل عند المساء لقضاء وقت ممتع معا بعد عناء النهار الطويل ، فهو إما أن يجلس صامتا لايتكلم وأنا أناقشه في أحداث المسلسل التركي الجديد (( لمهند )) ولايلبث أن ينام على الأريكة في أقوى اللحظات الرومانسية للمسلسل ، وإما أن يبدأ في الشجار العنيف معي عندما يتعارض وقت المسلسل مع وقت مباراة كرة القدم في الدوري الإسباني الذي أصبح الاهتمام به في بلدنا أكثر من الإسبان أنفسهم ، ولذلك وجدت أن خروجه من المنزل برفقة أصدقاء المقهى أفضل لي وله ، وبدأت أنظم في كل ليلة سهرة (( أرجيله )) مع جاراتي لنزجي وقتنا في المساء ونستمتع بمشاهدة المسلسل سويا والنميمة على أزواجنا وتصرفاتهم الرديئة معنا .

قررت أن أبادر اليوم بمناسبة ذكرى زواجنا التي لا أدري إن كانت سعيدة أم لا ، لكي نتمرد على الروتين الذي نعيشه حاليا ، وعندما اتصلت به لاحظت أن نبرة صوته لاتختلف عن باقي الأيام ، فهي تبدأ منخفضة متثائبة كمن استيقظ من النوم لتوه ، ثم لاتلبث أن ترتفع عندما يشعر أن حديثي يدور في مقدمات ليس لها علاقة بموضوع الاتصال ، ليخبرني حينها أنه مشغول ويلح عليّ في طلب مرادي سريعا ، ولكنني آثرت في هذه المرة الاستمرار في المقدمات كمحاولة لاستدراجه بتذكر مناسبة هذا اليوم في حياتنا ، وبعد عشرة دقائق من الالتفاف والدوران حول الموضوع تذكر أخيرا ، والحمد لله تعالى على ذلك ، ففي بعض الأحيان تراودني هواجس في أنه سيأتي يوم لايتذكر فيه اسمي ، وبالطبع بذكائه المعتاد حاول أن يوهمني أنه كان يريد إعداد مفاجأة لي في هذا المساء ، وقد شكرته على جهوده التي أعرف أنها زائفه ، وعرضت عليه مشروعي في الذهاب إلى مطعم (( كيوبيد )) الذي كنا نرتاده في الماضي ، ومع أنني شعرت بغضب عارم أصابه من جراء هذا الاقتراح الذي سيؤدي إلى حرمانه في هذه الليلة من لعب الورق ، إلا أنه تمالك أعصابه وضحك قائلا : (( اقتراح رائع يا عزيزتي )) .

كما كنت أتوقع فمشاجراتنا بدأت قبل خروجنا من المنزل عندما دخل إلى غرفتنا ليطالبني بالاستعجال في ارتداء ملابسي وزينتي ، معللا أن الحجز في المطعم يكاد يلغى بسبب تأخرنا ، وبالطبع استمرت المشاحنات والمناوشات الكلامية طيلة طريقنا إلى (( كيوبيد )) ولكن ليس بيننا ، بل بينه وبين السائقين على الطرقات ، وأعلم تماما أنه كان يحاول إفراغ شحنات غضبه بتلك الطريقة حتى لايظهر أمامي أنه مستاء من حرمانه في هذه الليلة من بطولة لعب الورق التي غاب عنها .

دخلنا المطعم وجلسنا على الطاولة التي اعتدنا الجلوس عليها في الماضي ، ومع أن المكان لم يختلف كثيرا ، لكن لا أعلم لماذا شعرت بأنه موحش وكئيب وممل ، مع أنني كنت لا أجد الحب والدفء والحنان إلا عندما كان زوجي يصطحبني إلى هناك ، أنا عاجزة الآن عن وصف مشاعري ، أحقا هذا الانقلاب سببه طبيعة المكان التي تغيرت قليلا أم طبيعة حياتنا العاطفية التي اختلفت كثيرا ؟

تبدلت الأحداث الكئيبة إلى أحداث مثيرة ومدهشة في ثوان معدودات عندما بادرني زوجي بالحديث قائلا : (( انظري أليست تلك المرأة التي تجلس على الطاولة عند الزاوية اليمنى هي صديقتك سهى ؟ )) فالتفت بسرعة إلى المكان الذي أشار إليه بعيونه وبالفعل كانت هي ، ولكن من الشخص الذي معها ؟ إنه ليس زوجها (( سمير )) ، ولماذا لم يقل لي زوجي ذلك وأنا متأكدة أنه شاهد زوجها من قبل عندما التقيت بها للمرة الأخيرة قبل عامين ؟ من يكون ياترى ذلك الشخص الذي يجلس معها ويعانق بكفه كف يدها بكل تلك الحرارة والحب ؟ هل من المعقول أنها تخون زوجها في مكان عام وبكل هذه الجرأة ؟

زوجي حافظ عل صمته ولم ينطق بكلمة واحدة وأنا أيضا كنت كذلك ، ولكن الأسئلة كانت تدور في رأس كلينا دون توقف ، وهذا ما تأكدت منه عندما قال لي زوجي أنه يعرف ذلك الشخص الذي يجلس مع (( سهى )) وأنه كان زميله بالعمل قبل عامين وقد شاهد زوجته قبل ذلك ولكنها ليست تلك التي يجلس معها الآن .

خرجنا من المطعم وهما يجلسان غير مكترثين لما يجري من حرب الأسئلة حولهما ، وأكفهما لاتزال متعانقة ملتهبة تكاد تحرق الطاولة من قوة نيران المشاعر التي توقدها ، وعدنا إلى المنزل وذهبنا إلى النوم ولكننا لم نتمكن من إغلاق بوابات عيوننا ، حتى أن سريرنا كاد ينطق بألفاظ بذيئة لكلينا من كثرة تقلبنا عليه يمنة ويسرة من جراء الأرق الذي أصابنا من بعد ما شاهدنا في تلك الليلة .

في صباح اليوم التالي قررت أن أفرغ تفكيري من ثقل حمولة تأنيب الضمير الذي سيصيبني في حال سكوتي وعدم إخبار زوجها المخدوع (( سمير )) بخيانتها ، وبالفعل بادرت مسرعة بالاتصال على هاتف منزلها قبل خروج زوجها للعمل ، ولم أنتظر أكثر من بضع رنات حتى جاء صوت (( سمير )) الذي لايمكن للمرء نسيانه ، فهو يمتاز بنعومة تجعل المتصل به لأول مرة لايدرك إن كان يتحدث مع رجل أم صبي في مقتبل العمر ، وقبل أن ألقي مابجعبتي من أسرار ، يفاجئني (( سمير )) باعترافه أنه انفصل عن (( سهى )) قبل عام ونصف العام ، وأنها متزوجة حاليا من شخص يدعى (( رمزي )) وعرض عليّ رقم هاتف منزلها الجديد إذا اردت الاتصال بها .

بالطبع صدمتي كانت لاتوصف ولكن صدمتي الأكبر كانت بزوجي الذي أخبرني عند عودته للمنزل بأنه اتصل بمنزل (( رمزي )) طمعا بالحديث مع زوجته (( رنا )) ليحاول إيهامها بأن زوجها كان يسهر معه في ليلة البارحة في المقهى حتى يضمن عدم حدوث أية مشاكل بينهما ، ولقد علل لي ذلك بأن الرجال الحقيقيين لابد أن يساعدوا بعضهم في مثل هذه المواقف ويتستروا على أية فضيحة من الممكن أن تحدث ، ولكن بالطبع كانت المفاجأة بانتظاره هو أيضا عندما أجابت (( سهى )) على اتصاله لتخبره أنها زوجة (( رمزي )) الجديدة .

أحقا هذه القاعدة صحيحة في أن الرجال يحافظون على أسرار أصدقائهم بينما تسارع النساء لإذاعة أسرار صديقاتهن بمجرد معرفتها ؟ أنا شخصيا لا أعلم ، والحكم لكم يا من ستعبرون بمشيئة الله تعالى سطور هذه التدوينة .

Followers

Pageviews Last 7 Days