الفتيات وسمفونيات التأفف

مع بداية هذا العام الجديد ، البعض يتمنى ، وآخرون يحلمون ، وأصحاب العقول النيرة يخططون ، والمستهترون قطعا لا يكترثون ، أما (( عامر )) فلقد قرر أن يمنع عيونه عن أي تقاطع محتمل مع عيون الفتيات ، ولكن لماذا يا (( عامر )) تريد التركيز على هذه النقطة بالذات ؟

فكان جوابه في المواقف التالية :

الموقف الأول :

أستيقظ صباحا وأنا في ذروة الكسل ، وذلك بسبب عاداتي السيئة في السهر منذ كنت في سن المراهقة ، وبالتأكيد لا أرغب في هذا العام بمحاولة التخلص من هذه العادة التي هي أقرب للإدمان ، فأنا مقتنع بفكرة تركيز جهودي على تحقيق هدف واحد ، والذي ذكره لكم (( أشرف )) في بداية الإدراج ، ولذلك فلن أشتت جهودي بين عدة أهداف ، فهذا سيؤدي بي حتما إلى الفشل في تحقيق أي منها ، عذرا للخروج عن الموضوع ، لنتابع ، أرتدي بدلتي التي تكون دوما من مشتقات الألوان القاتمة وأخواتها ، أقف أمام المرآة لمدة تتجاوز الربع ساعة مابين تصفيف شعري والتأكد من حسن هندامي ومظهري ، أخرج من المنزل وأركب سيارتي متجها إلى عملي ، أسارع في اللحاق بالمقلب الهاتفي (( للدكتور رفعت )) في برنامجه الإذاعي (( اطلع من راسي )) والذي يزيل عني كشرة الاستيقاظ المبكر ، وقبيل وصولي إلى منعطف الشارع الرئيس ، أجد في كل مرة فتاة مختلفة تقف عند مقدمة المنعطف ، تنتظر وسيلة نقل كيفما اتفق ، لتقلها إلى مكان عملها أو دراستها ، وبما أنني أكون مضطرا للنظر إلى يميني خوفا من وجود سيارة قادمة من الاتجاه المعاكس ، فمن البديهي أن تشمل الفتاة محيط بصري ، وهنا تكون الضربة القاضية لي ، عندما تطلق الفتاة زفرة تأفف لاعتقادها أنني أنظر إليها ، ولأن بطلة هذا الموقف الصباحي تكون عادة أجمل من (( الليدي ديانا )) في أوج صباها ، أعذرها وأتابع مسيري إلى العمل .

الموقف الثاني :

يقول الكاتب الأمريكي مارك توين : (( ما أسهل الإقلاع عن التدخين ، لقد قمت بذلك مئات المرات )) ، وبما أنني فشلت العام الماضي في تحقيق هذا الهدف ، ولم أتمكن حتى من محاولة التقليل من آثاره السلبية المدمرة ، سواء من الناحية الإقتصادية أو الصحية ، وذلك لأنني كنت أفكر فقط في كيفية زيادة مصادر دخلي والتحايل على صحتي من خلال ممارسة الرياضة والمحافظة على وزني ، فكنت بذلك أشبه الشركة التي أعمل بها ، والتي كانت قراراتها تنحصر في كيفية زيادة الإيرادات وتنويع مصادر الدخل عوضا عن محاولة تقنين المصاريف والتخلص من بعضها نهائيا ، ولذلك فأنا أواظب على دخول (( السوبرماركت )) يوميا لشراء علبة سجائر ، وكالمعتاد فكلما أخطو الخطوة الأولى للدخول ، لابد للعبة المصادفات أن تهزمني وتضعني في مواجهة مباشرة مع فتاة تهم بالخروج ، وهنا تتكرر الضربة القاضية مجددا ، وتطلق الفتاة تحية التأفف ، وليس أمامي من خيارات سوى طأطأة رأسي ، فإن تحية كتلك ، من حسناء تتفوق في أنوثتها على (( نيكول كيدمان )) ، لابد من اعتبارها أجمل ما قد يتعرض له المرء .

الموقف الثالث :

في بعض الأحيان ، أذهب إلى مقهى الإنترنت القريب من مسكني ، وذلك كلما تعرضت للطرد الأدبي من المنزل ، عند حضور صديقات زوجتي وأولادهن لزيارتها ، والتي لا تتصادف إلا مع موعد قيلولتي المقدسة بعد العودة من العمل ، ومع أنني أجد في ذلك فرصة ذهبية للتخلص من عادة القيلولة ، والتي تعتبر من الأسباب الرئيسة لاستمرار عاداتي السيئة في السهر ، ولكنني مع هذا فشلت أيضا في العام الماضي بتحقيق هدف ضبط أوقات نومي بشكل صحي متناسب ، أدخل المقهى الذي يكون مكتظا عند هذا الوقت بالذات ، وكالعادة يكون حظي سيئا بسبب وقوعي في مأزق الجلوس على المقعد اليتيم الفارغ ، والذي يكون وبكل أسف بجانب فتاة ، أحاول المشي على أطراف أصابعي حتى لا أشعرها بقدومي ، ولكن أين المفر ؟ فبمجرد وصولي يبدأ موال التأفف بطبقات طربية تتفوق في قوتها على كوكب الشرق (( أم كلثوم )) ، ولامناص أمامي حينها سوى الاستمتاع بسماع ذلك الموال ، والتصفيق والتحية حتى نهايته ، فلقد اجتمع جمال (( إليسا )) وصوت (( أم كلثوم )) في جسد وحنجرة فتاة واحده .

الموقف الرابع :

في الفترة الممتدة مابين نهاية وبداية الشهر ، لابد من قيامي بجولة ، أطلقت عليها لقب (( جولة الموت )) ، وهذه الجولة تشمل زيارتي لمجموعة من البنوك والمؤسسات الخدمية (( شركتي الاتصالات والكهرباء )) ونضيف عليها (( شركة المياه )) والتي ستصبح زيارتها شهرية مع بداية هذا العام بعد أن كانت ربع سنوية ، وبالطبع فلقد ركزت جهودي في الأعوام الثلاثة الماضية على محاولة التخلص من هذه الجولة أو على أقل تقدير محاولة التقليل من عدد المحطات التي لابد لي من الوقوف فيها ، ولكن الأوضاع الإقتصادية ساعدتني مشكورة في الآونة الأخيرة على زيادة محطاتها ، مما ساعدني على تحقيق هدف مغاير تماما ، ولهذا غضضت الطرف عن تركيز جهودي لهذا الهدف خلال العام الجديد ، وبالوقت ذاته فأنا سأركز جهودي كما قلت لكم على هدف واحد فقط ، ولكن ما علاقة هذه الرحلة بهدفي ؟ هنالك علاقة وبكل تأكيد ، فالحظ العاثر فيها يلازمني دوما ، فبعد أن تطورت الخدمات في البنوك وفي تلك الشركات وتم التخلص من طوابير الاصطفاف أمام صناديق الدفع ، يصر جهاز نداء الأرقام الآلي على إيقاعي في فخ الذهاب إلى صندوق دفع تستلم مهامه فتاة ، وهنا ضربات وضربات ، في كل المحطات ، زفرات تأفف من هنا وهناك ، من موظفات البنوك ومن موظفات الاتصالات ، ولكن للأمانة والموضوعية فإن الحظ يبتسم لي قليلا في شركتي الكهرباء والمياه لأن موظفي الصناديق هناك من الذكور ، والذين أخشى استبدالهم في المستقبل بالإناث ، فهذا سيجعل جولة الموت حينها متكاملة ومتناغمة في سمفونيات التأفف الموسيقية ، والتي فشل أعظم الموسيقيين على مر العصور من تأليف ما يضاهيها روعة وجمالا ، وبما أنني أعشق الموسيقى الكلاسيكية ، فلا بد أن أرغم نفسي على تقبل هذا الإتجاه الجديد في مقاطعها ، والذي يسجل كبراءة موهبة لفتيات هذا الزمان .

أقاطع (( عامر )) قائلا : أنت بالتأكيد لا تقصد التعميم ، ولكنك بدأت تلاحظ انتشار هذه الظاهرة كثيرا ؟

(( عامر )) : نعم معك حق ، وصدقا لست أدري إن كنت أعاني من هذه الظاهرة وحدي ؟ أم يشاركني بها أشخاص آخرون ؟

- وماهي رسالتك التي تود إيصالها للفتيات يا (( عامر )) ؟

- أتمنى معرفة سبب هذا التصرف ؟ أنا لا أريد أن يبتسمن لي ، ولكن لماذا التأفف ؟

Followers

Pageviews Last 7 Days