الحب والوقت

دقت نواقيس الأيام الأخيرة في هذا العام ، ليقف ذلك العاشق حائرا في أمر تلك المرأة ، فهو لم يعد مكترثا بالعمليات الحسابية ونتائجها في تاريخ حياته ، ولم يعد معنيا بتوقعات الفلكيين والمنجمين ، والتي كانت تمطر عقله في السنوات الأخيرة بوابل من هواجس التشاؤم والخوف من المستقبل ، بل إنه الآن كعصفور يغرد خارج سرب الطيور المضطربة باحتساب الوقت والأيام والسنين .

كيف ؟ وأين ؟ ولكن دون متى ، فأية كلمة ترتبط بدلالة الوقت لن تكون واردة في معجم حياته هذه الأيام ، فحبها هو التقويم والتأريخ والتدوين ، لمجلدات مصنفة بعنوان واحد (( حب بلا حدود )) .

تسأله عن أمنياته مع اقتراب حلول العام الجديد ، وكيف يجيبها ؟ وهو مع كل ثانية يتمنى تعطل كل عقارب ساعات الزمان ، يتمنى لو يتوقف نهر الأيام عن الجريان ، يتمنى بقاء قطار العمر في تلك المحطة التي لن يسأم فيها من الانتظار .

تخاف أن تكون نزوة عابرة لقلبه ، فيؤكد لها بطلان قاعدة المنهج الفلسفي لـ (( ديكارت )) ، ويصححها بالأدلة العاطفية والبراهين العشقية على أنها : (( أنا أحبك ... إذن أنا موجود )) .

تحتار في كلامه الذي لايتناسب مع أفكار بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين ، فيقسم لها أنه لو كان يعيش في القرن الثلاثين ، أو الأربعين ، وحتى الخمسين ، فسيظل يعشقها ، بالجنون ذاته ، وباللهفة ذاتها ، بل إن بحار العصور لن تتمكن من إطفاء لهيب جمرات أشواقه المشتعلة دوما بحبها .

تنظر إلى ساعتها ، وكأنها لم تقتنع بعد بعداوته للوقت منذ لقائه بها ، فتتبعثر حواسه مع فوضى (( أحلام المستغانمي )) ويستشهد بأقوالها عن الوقت ، قائلا : (( الوقت عدو العشاق ، الوقت سفر ، الوقت قدر ، الوقت مطر ، الوقت ألم ، الوقت وداع )) .

ابتسمت حينها لتقول له : (( أتعني أن اللحظات الجميلة لا تزورنا كثيرا ... وإن أتت فسرعان ما تغادرنا ؟ )) ، تردد في الإجابة على تساؤلها ، فالإيجاب يعني أنه عاشق متشائم ، والنفي توكيد لفظي ومعنوي على مصالحته للوقت ، والذي مهما سافر بقصتهما عبر دروب الأقدار ، فهل من الممكن أن لا يصل محطة الأحزان قط ؟

بل هل يستطيع أن يستبدل مواقع حرفي التوكيد والتوقع في قصيدة (( الهادي آدم )) ؟ ويعيد ترتيب جملتها الموسيقية متمردا على موسيقار الأجيال (( محمد عبد الوهاب )) ، ويغنيها بعد الاعتذار من كوكب الشرق (( أم كلثوم )) ، لتكون : (( قد يكون الحاضر حلوا ... إنما الغيب أحلى )) .

يوافق أخيرا على مصالحة الوقت ، ولكن بعد إجراء تعديل طفيف على مقاييس احتسابه وعلى مؤشرات دلالاته ، فالثانية سيحتسبها مع كل نبضة يخفق فيها قلبه بحبها ، والدقيقة مع كل رمشة عين تحجب عيونه عن رؤيتها ، والساعة مع كل جملة كلامية خارج حدود نصوص الغزل المباشر بأنوثتها ، واليوم مع كل لحظة شك قد تتسلل لعقلها ، بأنها ليست في عينيه (( ست النساء )) ، والشهر مع كل دمعة شوق قبل اللقاء ، والعام سيكون كلما أشعلت لوعته بنيران الانتظار لسماع شفتيها العذبتين وهما يرويان مسامعه بكلمة (( أحبك )) ، فكم من الأعوام سيمضي إذن ؟

عندما يأتي الحب ، هل نكترث حقا بالوقت ومشتقاته ؟ ونهتم بالتنبؤات والتوقعات المستقبلية ؟

هل حقا ننشغل بالتفكير في كيفية سقاية زهرة الحب لتنمو وتكبر ؟ وننسى الاستمتاع بعبق رائحتها ؟

أم أن الوقت هو صديق الحب ؟ والذي لا يخونه أبدا ، إلا إذا كان الحب زائفا ؟

Followers

Pageviews Last 7 Days