القلب الأخضر

كلما كنت في خلوة عاطفية مع أوراقي ، يرتجف قلمي عند كل محاولة من حبره لتهجئة حروف اسمك المشتقة من الأزهار والورود ، أحاول الهروب بعدها إلى سريري ، فأجد أناملي وقد لامست تلك الوسادة الخالية التي ترقد بجانبي ، لأدرك حينها صدق معاناة (( العندليب )) في حبه الأول ، وأعلن خلافي مع (( عبد القدوس )) على أنواع الوسادات التي قد تكون خالية في الحب الأخير أيضا .

أترك سريري بكثير من التثاقل في الصباح ، وذلك بعد أن أفقد الأمل بتسلل خيوط أشعة شمس الشتاء من ثغرات نافذة وحدتي ، أنظر إلى مرايا الذكريات ، فأرى انعكاس طيفك فيها بالإجماع ، ولا أجد ملاذا إلا بالفرار مسرعا قبل أن تغتسل عيوني بدموع الألم والحسرة على رحيلك الذي كان أسرع من اقترابك ، أخرج من منزلي وأستقل أول سيارة تأخذني بعيدا عن عناقيد زهور حديقتي التي تمكنت دوما من التلصص عبر نوافذ الشرفات على كل تفاصيل حبنا الضائع .

تباغتني آهات القيصر من مذياع السيارة ، لتنتهي بجمل اسمية متكررة في اللفظ والمعنى والإعراب (( ممنوعة أنت )) ، أتجاهل كل تلك الدلالات على مقدار لوعتي وحنيني إليك ، وأتوجه إلى عملي ، لأجدك تجلسين على مكتبي ، فيتبعثر قلبي بين الحنين والأشواق ، كتبعثر أوراق ملفاتي عند مراجعة ميزانيات نهاية العام ، أنظر إلى الهاتف ، فتجتاح قلبي عواصف من الإصرار لا أتمكن من كبح جماح رغباتها المتوحشة لهدم حواجز الجفاء ، و التي صمدت بسبب عنادنا تارة ، وقناعاتنا اليائسة تارة أخرى ، في عدم قدرة قلوبنا على تقليب صفحات جديدة من قصتنا العتيقة .

أقرر الإتصال بك ، إلا أن طرقات لباب مكتبي تسبق الأمل الأخير في عودة قصتنا ، فلقد كان يترصد بي من خلف الباب رواية عنوانها امرأة خرافية الحسن والجمال ، جاءت من مكتب المدير لأصطحبها في جولة استكشافية حول المدينة ، لتجد المكان المناسب لإنشاء استثماراتها .

أنسى فكرة الإتصال بك ، فعقلي يسيطر عليه في تلك اللحظات مئات الأفكار في كيفية إقناع تلك السيدة بمشروع استثمار عاطفي مع قلبي ، إذ أن رقعته الخضراء تزداد كلما كان في مواجهة مباشرة مع النساء .

القلب الأخضر هو مصطلح يطلق على كل من تكون تربة عواطفه صالحة دوما لزراعة بذرة أي قلب عابر للسبيل ، ولا يكون بحاجة إلا لقليل من رذاذ مطر كلمات أو نظرات أو ابتسامات ، لتبدأ أشجار علاقات الحب المحتمل بالنمو في قلبه ، بصرف النظر عن جودتها أو رداءتها .

ولكن يبقى السؤال حول المحرك الرئيس لخضرة القلوب ، فهل هو ناجم من كثرة التجارب أم من محدوديتها ؟

وهل هو مقتصر على الرجال دون النساء ؟

أم أن خضرة القلوب تزداد عندما تلتف بأغلال القيود والحرمان ؟

Followers

Pageviews Last 7 Days