هل خبرة الحب هي طريق فهم الجنس الآخر ؟

نشأ (( وليد )) في أسرة متجانسة الجنس ، مهلا ما معنى هذا المصطلح ؟ عفوا أقصد أن أسرته تتكون من والده وأشقائه الذكور الثلاثة الذين يسبقهم عمرا و فكرا ، أما والدته فقد توفيت عند ولادة أخيه الأصغر ولم يكن هو حينها قد تجاوز العاشرة من عمره ، قد يعتقد البعض الآن أنني اقتبست مشهد هذه الأسرة من فيلم الفنان الكبير عادل إمام (( التجربة الدنماركية )) وصراحة لا أنكر إعجابي الشديد بهذا الفيلم وأنني كلما عرض على محطة تلفازية أكرر مشاهدته دون كلل ولا ملل .

عموما فكرة هذا الإدراج تنطلق من بيئة خالية تماما من الجنس اللطيف وهنا سأختلف مع الكاتب الكبير (( أنيس منصور )) عندما قال : (( الرجل هو الجنس اللطيف والمرأة هي جنس يا لطيف )) وسأردد مقولتي التي اقتنعت بها بعد هذا العمر من التجارب والخبرات : (( المرأة قد تكون كالفراشة التي تقترب من تويجات الأزهار بكل هدوء ولطف وحنان ، وقد تكون كالنحلة التي تسمع الازهار طنينها المزعج من مسيرة أميال )) ولكن هل أقصد بكلامي هذا أن الرجال هم الأزهار ؟ وهل هنالك من انسجام بين طبيعة الرجل الغليظة عموما وبين رقة الأزهار ؟ نعم يا أعزائي فالمرأة التي لديها مهارات أسلوب الفراشة تتمكن من جعل الرجل كالزهرة التي تتفتح أوراقها بكل فرح وسعادة لاستقبالها وتلبية حاجاتها من رحيق الحب ، أما المرأة التي تكون كالنحلة فهي لاتحفز تلك الزهرة على العطاء بل ترغمها على تلبية حاجاتها من رحيق تويجاتها لتتخلص من طنينها المزعج )) .

(( وليد )) خلال فترة مراهقته وقبل دخوله للجامعه لم يتحدث مع فتاة قط ، وذلك امتثالا لأوامر والده ووصاياه ، فلقد كان يحذره دوما من الانقياد وراء سلوكيات طائشة قد تؤدي إلى عواقب وخيمة وبخاصة في هذا الزمان الذي انتشرت فيه العلاقات غير البريئة بين أوساط المراهقين وما قد ينجم عنها من مذابح بشرية بين العائلات بمجرد معرفة أهل الفتاة بتورطها في مثل هذا النوع من العلاقات ، وقد يعتقد البعض أنني أبالغ في تصوير مخاوف ذلك الأب على ابنه البكر ، ولكن أعتقد أن احصائيات جرائم الشرف والمشاجرات الجماعية في مجتمعنا تؤكد أن مخاوفه في مكانها .

التحق (( وليد )) بعد ذلك بالجامعة والتي من المعروف تماما أنها البيئة المختلطة التي يعيشها معظم الشباب من أمثال (( وليد )) للمرة الأولى ، وهنا أصبح يقترب وبشكل تلقائي من مراحله الجنينية في اكتشاف طبيعة ذلك المخلوق الغريب عنه تماما والذي لم يكن يعرف عنه أي شيء لمدة عقدين من الزمان تقريبا ، ولكنه تمكن من المحافظة على الطريقة التي نشأ عليها وكان يعامل هؤلاء الفتيات وكأنهن متطابقات تماما مع فصيلة جنسه ، فكان يشبه بذلك شخصا هاجر إلى بلاد تختلف كليا عن طبيعة موطنه الأصلي في اللغة والعادات والتقاليد واعتقد أنه سينجح في مخالطتهم إذا اتبع نفس الاسلوب الذي كان يتبعه في بلاده ، ولكنه مع مرور الوقت بدأ يتعرف عليهم بشكل أفضل من خلال مراقبته لطرائقهم في الحديث والحوار وطبائعهم الحياتية المختلفة ، فتمكن من التأقلم والتعايش معهم بشكل أفضل وبدأ يستطيع تمييز الاختلاف في طبيعة كل منهما .

أنهى (( وليد )) حياته الجامعية دون أن يخوض في غمار أية علاقة حب ، والتحق في سلك وظيفة حكومية تتميز بالتواصل المباشر مع المواطنين ولم يحدث مطلقا نشوب أي نوع من الخلاف بينه وبين المراجعين سواء كانوا ذكورا أم إناثا ، وعاش حياة طبيعية جدا وعندما وجد في نفسه القدرة على الزواج ، طلب من عمته البحث له عن عروس ، وبالفعل ارتبط بأول فتاة اختارتها له ، ورزق منها بالبنين والبنات ، ومضى أكثر من عشرة أعوام على زواجهما والسعادة لم تفارق أسوار بيتهما أبدا ولم تتجاوز مشاكلهما خلال تلك الفترة مظهر سحابة الصيف التي سرعان ما كانت تختفي من سماء حياتهما .

وفي ذات يوم وبينما كان (( وليد )) في طريق عودته إلى المنزل بعد عناء يوم طويل من العمل الشاق ، بدأ يزجي طريق عودته بالتجوال بين قنوات مذياع سيارته ، فاستوقفه برنامج إذاعي يقدمه شاب وفتاة يتحدث عن مناقشة مواضيع مختلفة في العلاقات بين الرجال والنساء ، ولقد كان عنوان تلك الحلقة يدور حول سؤال هو : (( هل تعتقد أن على المرء أن يخوض في علاقة حب واحدة على الأقل قبل الزواج ؟ )) ولقد كان المذيع يؤكد على المتصلين هو وزميلته أن الهدف من مثل تلك العلاقات هو اكتساب الخبرة التي تساهم في إنجاح أية علاقة بعدها ورفضت المذيعة كافة آراء المتصلين الذين قالوا أن من الممكن اكتساب تلك الخبرة في فهم طبيعة الجنس الآخر من خلال علاقات الزمالة والصداقة وحتى العلاقات الاخوية في نطاق الاسرة بين الذكر والانثى ، إذ أكدت المذيعة أن تلك الخبرة لايمكن اكتسابها إلا من خلال علاقة حب حتى ولو لم تكن نهايتها الزواج ، وهنا ضحك (( وليد )) كثيرا ثم قال في سره : (( كم أتمنى الاتصال مع تلك المذيعة لأقول لها : كم هي نسبة الشباب الذين يقبلون بالارتباط بفتاة يعلمون أنها كانت على علاقة حب سابقة ؟ وإذا اصبحنا نعيش في مجتمع منفتح إلى هذا الحد وأصبحت الخبرة في علاقات الحب متطلبا لنجاح علاقات الزواج فهذا يعني أنكم ستتحدثون مستقبلا عن الخبرة الجنسية كمتطلب لنجاح الليلة الأولى في الزواج ، لست أدري حقا من المسؤول عن بث هذا الفكر المسموم بين أبنائنا وبناتنا الشباب )) .

Followers

Pageviews Last 7 Days