لو عاد الزمن للوراء

هل هنالك محطات ندم في حياة كل منا ؟

إدراج اليوم ينحصر في هذا التساؤل ولا أعتقد أن الجواب عليه هو وليد اللحظة التي نعيشها الآن بل هو بالتأكيد تراكم لمجموعة من الأحداث التي مرت في حياتنا .

وفي الواقع أن المقياس الذي يتم من خلاله شعورنا بالندم على قرارات أو أفعال أو اتجاهات سلكناها في حياتنا في الماضي يكون نابعا في أغلب الأحيان من تقدير النجاح أو الفشل اللذان نواجههما في ذلك الطريق ، ولكن هل هذه القاعدة هي التي يمكن القياس عليها دائما ؟

بمعنى أن الفرد إذا اتخذ قرارا بأن يمتهن حرفة أو وظيفة معينة وحقق نجاحا كاسحا في مجال تلك الحرفة أو التجارة أو الوظيفة فهل هذا يعني أنه لن يشعر بالندم أبدا وأنه لو عاد به الزمن للوراء فسيختار نفس الاختيار وأنه لن يندم على قراره إلا في حال فشله ؟

أعتقد أن مقياس النجاح أو الفشل هما الأكثر ارتباطا أو وضوحا بشعور الفرد بالندم ولكن تخبط الذات وتشتتها وعدم انسجامها في الاتجاهات والقرارات التي تسلكها هي ذلك الشعور الخفي الذي يتسلل داخل خلايا الندم ويتربص بها دون أن يشعر بها الفرد إلا بعد فوات الأوان .

بعض الأشخاص يتخذون اتجاهات سياسية معينة في حياتهم ويتمسكون بمبادئها حد التزمت ومع مرور الزمن تتوالى القرائن والأدلة التي تؤكد لهم أن اختيارهم كان خاطئا في اتباع تلك الاتجاهات التي لاتسمن ولاتغني من جوع ومع هذا يصرون على المكابرة ويرفضون الاعتراف بأنهم نادمون على اختيارهم الخاطىء وتجد أنهم على سبيل المثال يعتزلون السياسة ويرفضون تبني أية أفكار أو اتجاهات سياسية أخرى حتى لا يثبتوا لمن حولهم أنهم كانوا مخطئين في الماضي .

الموضوع له علاقة أيضا باتجاهات سلوكية معينة يصر بعض الأفراد على التمسك فيها في جميع المواقف والأحداث التي تصادفهم في أمورهم الحياتية ، فمثلا البعض يتميز بأنه عصبي المزاج ويؤذي من حوله كثيرا بسبب ذلك وهنالك من يتميز بأنه لايحسن اختيار الألفاظ والكلمات عند مخاطبته للآخرين وهنالك من ينافق ويتملق أمام الآخرين وبمجرد ذهابهم يبدأ بالتمثيل بهم واستغابتهم وينهش في لحومهم كما ذكر المدون نادر أحمد في إدراجه الأخير في أسبوعيات جبر من بطن أمه إلى القبر عندما تحدث عن النميمة والاستغابة وهم يفعلون ذلك من وجهة نظري أسوة بالمثل القائل : (( معاهم معاهم ..... عليهم عليهم )) ، وفي الواقع أن كل تلك الأنماط التي تم ذكرها هي لأشخاص لاتجدهم يتوقفون مع أنفسهم أبدا ولو للحظات ليتسلل شعور الندم إلى داخلهم على تلك السلوكيات .

حتى في العلاقات بين الرجل والمرأة سواء علاقات زوجية أو مشاريع زوجية محتملة والتي يكون مصيرها الفشل تجد أن الرجل أو المرأة يصران على المكابرة ويرفضان الاعتراف بأن خيارهما كان خاطئا منذ البداية وأنهما لم يلتفتا إلى نصائح عديدة وجهت لكليهما أنهما لايصلحان لبعضهما ومع هذا لو توجه أحد بسؤال مباشر لهما أنه لو عاد الزمن للوراء فهل كنتما سترتبطان معا بتلك العلاقة ؟ وتجد أن الإجابة في أغلب الأحيان تكون بالايجاب وليس بالنفي .

أنا لا أحاول من خلال كلامي هذا أن أدافع عن كلمة (( لو )) فهي تفتح عمل الشيطان وقد علمنا رسولنا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن نستعيض عن تلك الكلمة دائما بقول (( قدر الله وما شاء فعل )) ، ولكني ما أود قوله أن شعورنا بالخطأ أو الندم على اتجاهات معينة سلكناها في حياتنا وتراجعنا عنها لاحقا ليس انتقاصا أبدا لشخصياتنا بل على العكس فإن الاستمرار في اتجاهات يتضح لنا مع الزمن أنها لا تناسبنا ولانجد فيها ذاتنا هو الخطأ بعينه ، ولذلك ومن وجهة نظري فإنني أرى أن تقييم شعورنا بالندم في الدرجة الأولى لا يتوجب قياسه من خلال منظور النجاح أو الفشل المادي الظاهر أمام العيان بل من خلال مدى انسجام شخصياتنا وتوحدها مع خياراتنا التي نتخذها في حياتنا ولكن شريطة أن لا تكون مؤذية للآخرين من حولنا .

Followers

Pageviews Last 7 Days