الصراحة ليست دائما جميلة

(( الكلمات الصادقة ليست دائما جميلة والكلمات الجميلة ليست دائما صادقة )) استوقفتني هذه المقولة كثيرا وأنا أتذكر بعض الإتجاهات السلبية لأشخاص تطغى على سلوكياتهم الصراحة المفرطة في التعبير عما يجول في خواطرهم تجاه من يحيط بهم .

وأرجو أن لايفهم من كلامي أنها دعوة للكذب أو النفاق أو التنمق مع الآخرين بقدر ما هي دعوة للتخفيف من حدة اللهجة المستخدمة في التعبير عن آراء ووجهات نظر هؤلاء الأشخاص والتي قد تتسبب في بعض الأحيان إلى إيذاء مشاعر الآخرين وكسر خواطرهم .

فمثلا قد يكون هنالك شخص يده مبتوره يحاول أن يساعد شقيقته أو والدته في نقل حقائب سفر ثقيلة من منزلهما فيظهر الجار فجأة ويعرض خدماته في المساعدة معللا ذلك بشكل صريح ومؤلم عن عجز ذلك الشخص بنقل تلك الحقائب بيد واحده فيقول مثلا : (( يا جاري لن تستطيع حمل تلك الحقائب بيد واحده فدعني أحملها عنك )) ألم يكن أجدى به لو قال : (( يا جاري هل تسمح لي بمساعدتك في حمل تلك الحقائب )) ، فعلى الرغم من صدق نية المساعدة في كلتا الحالتين ولكن العبارات المستخدمة في طريقة المخاطبة مع الآخرين لها أثر كبير على نفسياتهم ولذلك فصراحة الجار هنا لم تكن جميلة أبدا على الرغم من أنها صادقة .

فتاة في مجال عملها لاحظت أن زميلتها في المكتب تتميز بأداء بسيط جدا و تتذمر باستمرار بسبب عدم حصولها على أية ترقيات كاللتي حصلت هي عليها فتباغتها في أحد الأيام وتقول لها : (( أداؤك ضعيف جدا في العمل فكيف ستحصلين على ترقية ؟ )) ولكن أعتقد أن تلك الصراحة جارحة ومؤذية للمشاعر وكان بامكانها أن تقول لها مثلا : (( صدقيني أنا أتمنى لك الترقية التي حصلت عليها وأنا لست أفضل منك في العمل و مدير القسم ليس متحيزا لي ولكنه أخبرني أن أي موظف سينجز المهام التي تطلب منه في وقت أقل مما هو متوقع سيحصل على ترقية )) أليس هنالك فرق كبير في كلتا الحالتين على شعور تلك الفتاة ؟

زوجة لا تتقن فن الطهي رغم محاولاتها الجاهدة في التعلم وزوجها في كل مرة يتناول الطعام من يديها يصر على مصارحتها بغضبه الشديد من ذلك ولايحاول أن يشجعها لتحسين أدائها بطريقة تساعدها على تطوير قدرتها في الطهي ، فيقول لها مثلا بعد تناوله لوجبة الغداء التي توسطها طبق رئيس من الباميه ولست أدري لماذا فكرت في الباميه علما أنني لا أحبها ، عموما تجده يقول غاضبا : (( أنت لا تجيدين طهي الطعام أبدا )) وكان من الممكن أن يقول لها كمحاولة لرفع معنوياتها وتشجيعها على أداء أفضل مستقبلا : (( لقد كان مذاق الباميه أفضل في هذه المرة من المرات السابقه ولكن ما رأيك عند زيارة والدتي أن تطلبي منها أن تتصل معكي عندما تريد عمل الباميه لتشاهدي كيف تقوم بطهيها فتستفيدي من خبرتها في ذلك )) .

صديق صادف صديقه وخطيبته في مكان عام ولاحظ ذلك الصديق أن صديقه يرتدي قميصا قد شاهد شقيقه يرتديه من قبل وهو واضح أنه ضيق عليه وبدلا من أن يصارحه بذلك بشكل منفرد دون أن تسمع خطيبته تجده يقولها بصراحة تتسبب بالاحراج وجرح مشاعر صديقه وإهانته أمام خطيبته فيقول له : (( أليس هذا القميص ياصديقي لشقيقك الصغير )) ، كم هذه الصراحة ستكون مؤذية لذلك الشخص وبخاصة أنها أمام خطيبته .

ولابد من الإشارة أن الصراحة من خلال الحديث المباشر عن عيوب موجودة في أشخاص من حولنا ليست مقبولة لدى الجميع بنفس الدرجة ، فالبعض قد يتقبلها بكل صدر رحب ولكن البعض الآخر قد لا تكون شخصيته تتقبل الصراحة المباشرة في بعض الأمور مما قد يتسبب بنشوء الحقد والبغضاء والكراهية بين الأشخاص ، ولكن هذا لا يعني أن لا نلفت انتباههم إلى تلك العيوب ولكن بطريقة مهذبة وغير مباشرة تراعي طبيعة شخصياتهم الحساسة جدا .

في النهاية أعتقد أن الصراحة هي سيف ذو حدين إذا تم استخدامها بطريقة مفرطة فبالتأكيد ستكون النتائج سلبية وسيخسر الفرد كل الأشخاص من حوله لأنه سيؤذي مشاعرهم بتلك الطريقة وكذلك فعدم استخدام الصراحة أبدا يعني الكذب والتنمق وهذه صفات أخطر بكثير من الصراحة المفرطة ، وأنا لست مع المثل الذي يقول : (( إذا بدك صاحبك أو حبيبك يدوم عاتبه كل يوم )) فالمعاتبة هي مرتبطة كثيرا بالمصارحة في توجيه النقد المستمر لأخطاء الآخرين وهذا من وجهة نظري لايتسبب في دوام المحبة أبدا بل يتسبب في الكراهية والنفور بين الناس .

Followers

Pageviews Last 7 Days