قصة مدون

كان ياما كان ، وفي ذات ربيع من نيسان ، كان هناك أشخاص يجتمعون في بيت إلكتروني يدعى (( Blogger )) ، يتبادلون فيه الآراء والأفكار ، ويسردون مشاهداتهم وملاحظاتهم اليومية ، أو يستعرضون تجاربهم الشخصية وخبراتهم الحياتية ، فأحيانا تجدهم يتشاركون في ذكريات جميلة من الماضي البعيد ، وتارة أخرى تجدهم يتحدثون عن أحلام وأمنيات مستقبلية ، أو عن مناسبات وأحداث لحظية ، فتجد أقلامهم تخط وفي كل لقاء يجمعهم ، أجمل معاني التواصل والتفاعل الإيجابي في مختلف الجوانب الإنسانية .

وفي يوم من الأيام ، طرق بابهم العنكبوتي أحد الأشخاص ، وقال لهم أنه كان يسكن في هذا البيت قبل مجيئهم ، ولكنه لم يكن يريد منهم أن يرحلوا ، بل أراد أن يكون واحدا منهم ، ويتشارك معهم في تلك اللقاءات الجميلة التي كانت تجمعهم .

مشرفة البيت (( Whisper )) وافقت على انضمامه ، ولكن شريطة خضوعه لفترة تجربة لا تقل مدتها عن ثلاثة شهور ، فإذا أثبت خلالها قدرته على اختراق قلوب الآخرين بكتاباته ، وبتواصله معهم ، فسيبقى ، وبخلاف ذلك ، سيتوجب عليه الرحيل والعودة من حيث أتى ، وليبحث حينها بين محركات البحث عن بيت إلكتروني آخر ، إذ أن مشرفة البيت وقتها لم تكن تعلم أنه إذا ما دخل بيتا إلكترونيا ، فالإبتسامة لن تفارق أهله أبدا .

في ذلك الوقت ، كنت قد تشاركت مع أصدقائي في الركن المخصص لي في بيتنا الإلكتروني ، بموضوع كان بعنوان (( خالفني يا سيدي )) ، ولم أنتظر يومها سوى تعليق واحد ، حتى حضر ذلك الشخص وبدأ يتحدث عن الموضوع ، بهرني بأسلوبه المختلف في الكتابة ومنذ اللحظة الأولى ، ولست أقصد هنا الحديث فقط عن جماليات العبارات اللغوية ، بل ما لفت انتباهي أنه زج ببضع كلمات في سطر كان يبدو فيه وعند وهلة القراءة الأولى في قمة الحزم والجدية ، ولكن تلك الكلمات التي دمجها بين السطور ، قلبت الموقف عندي رأسا على عقب ، فلم أجد نفسي إلا وأنا أضحك من أعماق قلبي وليس من أعماق حلقي وحسب ، كان السطر الذي كتبه يقول : (( تخوفي أن تتفاقم الأمور لحد الانفجار ويبدأ كل واحد بأخذ حقه بيده ... وأسنانه كمان )) .

وكانت تلك هي البداية ، فأينما ذهبت وأينما توجهت وأينما تجولت في أرجاء بيتنا الإلكتروني ، أجده في كل مكان ، وقد تغلغلت محبته في قلوب الجميع ، إذ كانت لديه قدرات مذهلة في التواصل معهم ، وكأنه يعرفهم منذ زمن بعيد .

والأجمل من هذا كله ، أنه كان استثنائيا بثقافته التي كان يملكها ، فهي لم تكن سببا في تشبثه بمنصة الغرور والتعالي على الآخرين كما هي حال العديد من المثقفين في هذه الأيام ، بل إن فهمه وإدراكه الصحيح للعلم والمعرفة والثقافة ، كانا دربه الممهد لإتقان فن محاكاة كل صنوف أهل بيتنا الإلكتروني ، وهذه موهبة ربانية لا تؤتى إلا لذي حظ عظيم .

سألني أحد الأشخاص في يوم من الأيام عن سر ذلك الشخص ، فأجبته : (( هو عبقري ، والسبب أنك عندما تتواصل معه سواء بقراءة مايكتبه في زاويته أو عند متابعة ما يكتبه في زوايا الآخرين ، تجده يتمكن من الإنتقال بمشاعرك وبعذوبة لا متناهية من رتابة السأم إلى مطلق الإثارة ، ومن كآبة الأحزان التي تعصف أيامنا إلى واحات الهدوء والراحة والإبتسام ، ومن حالات مستعصية لفقدان شهية الكلام والتواصل إلى نهم الحديث والحوار ، إنه كائن اجتماعي مع مرتبة الشرف والتميز )) .

ولقد كانت النتيجة الحتمية لذلك ، أنه لم يكمل فترة التجربة ، إذ هب الجميع وبصوت واحد : (( هيثم منحبك )) .

هذا الإدراج إهداء متواضع مني لأخي وصديقي وزميلي الحبيب (( المدون هيثم الشيشاني )) صاحب مدونة (( تأملات غير آمله )) ، وأحيطه علما أن غيرته لم تكن في مكانها أبدا ، لأن مكانته عندي غالية وجدا .

Followers

Pageviews Last 7 Days