مداخلة مدون في أحداث الثورة

لطالما تأثرت بمقولة قرأتها يوما في رواية فوضى الحواس : (( يسألونك أي مدينة تسكن ، لا أية مدينة تسكنك )) ، إن هذه العبارة تحتل ذاكرتي منذ بداية الأحداث في تونس ومصر ، وأنا الذي عشقت منذ طفولتي مدنا لم أسكنها ، ومدنا لم أتمكن من زيارتها قط .

الأمر المؤلم ، هو أنني ومع كل يوم مضى من حياتي ، لم أكن سوى شاهد عصر على تعرض إحدى تلك المدن وسكانها للدمار والأذية ، وما كان بوسعي أن أقسم على تلبية نداء استغاثتهم ، كما فعل المعتصم مع امرأة عمورية .

لا أريد التفكير بما يمكن حدوثه في المستقبل ، لم أعد احتمل مشاهدة حبيباتي وهن يذبحن واحدة تلو الأخرى ، فحبيبتي الأولى اسمها (( قدس )) وقد ذبحت قبل أن أولد ، وحبيبتي الثانية تدعى (( بيروت )) وهي تذبح في كل يوم وتحتضر أكثر ، وحال حبيبتي الثالثة الملقبة (( بغداد )) ليس بأفضل ، وحبيبتي الرابعة (( الخرطوم )) غارقة في الدماء التي شطرت أهلها إلى نصفين ، والآن يمتد خنجر الذبح ليطال جسد حبيبتي الخامسة عروس النيل (( القاهرة )) خلال ثورة أحرارها العظيمة ، وياخوفي على حبيبتي السادسة (( تونس الخضراء )) أن تطاردها هواجس الطامعين في الذبح عقب ثورة أبنائها المجيدة .

أنا كغيري أفاخر بشباب مصر وتونس وإرادتهم الحرة وعزمهم الأبي على التغيير والانعتاق من سجون ظلم حكامها ، لكن وفي الوقت ذاته ، وبعيدا عن العواطف الآنية التي تتميز بها الشعوب العربية ، تكتمل مباركتي لثورتهم وبكل جوارحي ، إذا تحقق أمرين في غاية الأهمية .

الأمر الأول : أن يعم الأمن والاستقرار كافة أرجاء مصر وتونس الغاليتين قبل أي شيء آخر .

الأمر الثاني : أن لا تتحول بلادهم إلى ساحة للمعارك السياسية ، يتنازع فيها فقط من يطمع في الوصول إلى السلطة ، ولا يكون لديه النية الصادقة في بناء بلده والارتقاء بمعيشة مواطنيها ، لأننا في هذه الحالة سنشاهد (( مباركا جديدا )) أو (( بن علي آخر )) وهكذا دواليك ، مع العلم أنني أتحدث هنا عن السياسة الداخلية فقط ، ولا أود التعرض في حديثي إلى السياسات الخارجية ، لأن ذلك الأمر شائك ومتشابك جدا .

وكما يقول الشاعر طرفة بن العبد في معلقته الشهيرة : (( ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود )) ولذلك لن ألهث وراء انفعالاتي وعواطفي ، كما هي عادتنا نحن العرب ، بل سأراقب بصمت ، وأدون نتائج التغييرات التي ستحصل بمشيئة الله تعالى في تونس ومصر ، والتي أتمنى ومن كل قلبي أن تكون متناغمة ومنسجمة في انجازاتها مع أهداف تلك الثورات المقدسة ، وعندها فقط سأصرخ وبأعلى صوتي مفاخرا : (( أننا كعرب بدأنا بالفعل نستعيد أمجادنا التليدة )) .

اللهم كن مع شعب تونس ومصر ، ولاتخيب أملهم يا كريم ، وأبعد عنهم الطامعين في استغلال مواقفهم لخدمة الأهواء والمصالح الشخصية ، وهيىء لهم قائدا عادلا ، يكون على قدر المسؤولية والأمانة ، ولايغرر بأمانيهم وأحلامهم المستقبلية إلى هاوية اللاشيء ، اللهم آمين .

Followers

Pageviews Last 7 Days