مجنون (( Beren ))

عند منتصف كل ليلة ، لا تدق ساعة الحائط في منزلي ، بل قلبي هو الذي يدق ويرتجف ، ويدي هي التي ترتعش محمومة عندما أهجر كل أخبار الدنيا ، وأسارع بالانتقال عبر المحطات الفضائية ، كي أقابل البدر وهو يهبط من السماء ويظهر أمام شاشة تلفازي .

ستون دقيقة أنعزل فيها عن العالم بأسره ، وأنا أحدق بتلك القامة المدهشة بكل تفاصيلها ، فهي أنثى قادمة من كتب الروايات والأساطير ، وإنني أمام جمالها أعلن جنوني وهذياني ، واستسلامي وخضوعي ، ولن أكترث فيما إذا تم مناداتي بمجنون (( Beren )) .

كلما تقترب الشاشة من عيونها ، تتقطع أنفاسي وكأنني في لحظات احتضار ستنتهي حتما بموت عشقي ، وكلما ابتسم ثغرها العذب ليكشف عن صفوف اللؤلؤ المختبئة وراء أسواره ، تنقبض كفوف يدي المنبسطة للتو على وجنتي ، تود اقتلاع لحم وجهي من فرط الانفعال .

يا لحظك يا رياح البسفور ، لو أننا نتبادل الأدوار لدقيقة واحدة فقط ، كي أحظى بمداعبة لطيفة الملمس لخصلات شعرها ، وأسكنها شهيقا ثم لا تلبث أن تطردني زفيرا من بين أنفاسها ، بل يكفيني أن اتخذ من زغب يديها فراشا أغفو فيه ولو للحظات .

مذ رأيتك يا (( Beren )) أدركت السبب الذي جعل قلبي هرما قبل الأوان ، وأدركت المسبب الجوهري لعزوفي عن الزواج ، فأين سأجد لبؤة من طراز أنوثتك ، تجعل زئير رجولتي مفترسا ومرعبا طوال الليل والنهار ؟

أعتقد أنه يتوجب علي أن أعيش بشخصيتين ، شخصية حالمة وعاشقة لأنثى أسطورية كـ (( Beren )) ، وشخصية هزلية تقليدية مضحكة سائدة في هذا المجتمع تدعى (( أبو علاء )) ، الذي يبحث عن بنت الحلال ، ولايهتم إلا بالتفاصيل المتعلقة بعدد خانات راتبها (( لغايات قروض السيارة والشقة )) ، فإن كان عدد الخانات ثلاثيا ، فلا بأس حينها إن كان المنهج السلوكي لحياتها مشابها لسيرة شرطي في قوات الدرك ، أما إذا كان عدد الخانات رباعيا ، فلا مانع أبدا إن كانت برتبة ضابط مع عدد لا محدود من النجوم .

وإذا كان (( أبو علاء )) سعيد الحظ وعثر على فتاة في مجتمعه لديها جنسية بلاد (( العمو سام )) ، فلن يكترث حينها إن كانت رجلا متخفيا برداء أنثى ، فهي ستكون الخريطة التي ستقوده إلى جزيرة الكنز .

أما إذا كانت الأقدار معاكسة لطموحات (( أبو علاء )) فإنه سيضطر الرضوخ مرغما في النهاية لتهديدات سطوة رغبات والده ، والذي يمني النفس بمشاهدة حفيده قبل الممات ، وسيسارع بالزواج من دجاجة وطنية زهيدة الثمن مشهود لعائلتها بأنهم يبيضون في كل عام .

(( أم علاء )) ما سيشغل تفكيرها في سنوات الزواج السعيدة ، هو أن تركب سيارة ، وأن تتملك بيتا ، وأن تنجب علاء وإخوانه وأخواته ، وأن تقضي وقتها في بث الهموم لوالدتها وصديقاتها عن سوء معاملة أهل زوجها ومشاكل الأولاد وغيرها الكثير الكثير ، ولكن (( أم علاء )) لن يكون لديها في خضم كل هذه الأحداث وقت للإهتمام أو الاكتراث فيما إذا شاهدت (( أبو علاء )) متسمرا أمام التلفاز لمشاهدة (( Beren )) فمن وجهة نظرها أنه مهما أبحر في خيالاته وأحلامه ، فلن يصل في النهاية إلا (( لزنوبة أم علاء )) المزركشة ببقع (( الكلور )) ، وتعتقد (( أم علاء )) أن رائحة الثوم والبصل المنبعثتان من فمها عندما تأتي إلى فراش الزوجية في كل ليلة هو المسبب الرئيس لاستمرار التناسل والحب ، في حين أنها على ما يبدو لا تزور الصيدليات كثيرا لتلاحظ حجم الإنفاق الهائل على حبوب النشاط التي تكون لـ (( أبو علاء )) وأمثاله كحبوب المخدرات التي تساعدهم على تخيل (( أم علاء )) كـ (( Beren )) ، فالمشكلة ليست فقط بجسد (( أم علاء )) الذي يتضاعف أكثر من خمسة أضعاف على أقل تقدير بعد الولادة الأولى ، بل المشكلة الرئيسة في أن (( أم علاء )) تتقن كل الأدوار في هذه الدنيا إلا الدور الأهم لها في كيفية الهيمنة على قلب رجلها ، ولذلك يصبح (( أبو علاء )) في رتبة الحج الوقور وهو لايزال في ريعان الشباب .

وردود الأفعال لأمثال (( أبو علاء )) أمام هذا السيناريو المفترض تختلف من رجل إلى آخر ، فقد يسلم لنصيبه وقدره ويسير مع (( أم علاء )) إلى طريق السكري والضغط وغيرها من الأمراض السارية في هذا المجتمع ، أو قد يتمرد على درب الهلاك الذي لا تبذل (( أم علاء )) أي مجهود لتغييره ، ويتزوج عليها إن هبت رياح مادية مواتيه ، أو قد يكتفي بالبحث عن نزوات عابرة تجدد له شبابه المندثر منذ السنوات الأولى في حياته مع (( أم علاء )) ، أو سيظل هائما في بحر الخيال مع (( Beren )) الذي لن يكلفه الاستمتاع بحسنها سوى فاتورة الكهرباء .

(( أبو علاء )) الذي لم يرزق بـ (( علاء )) بعد ، يخاف من المصير الذي قد ينتظره ، ولذلك قرر أن يبحث بين العازبات على من لديها ربع أنوثة (( Beren )) ، لعل وعسى يتمكن من الفرار من ذلك السيناريو الأسود الذي ينتظره مع حبيبته (( أم علاء )) ، ولكنه عاد يجر وراء ظهره أذيال الخيبة والحسرة ، إذ اكتشف أن معظم الفتيات في مجتمعه ، مظهرا وفكرا وسلوكا وشخصية ، يرفعون سارية مستقبلهم منذ الآن وقد نقش عليها عبارة في غاية الروعة (( كلنا أم علاء )) .

Followers

Pageviews Last 7 Days