حياتنا محطات انتظار

لماذا لا نستمتع بمراحل حياتنا المختلفة ؟

بهذا التساؤل تتلخص دورة حياة الإنسان العربي ، فقبل معرفة والديه بقدومه لهذه الدنيا ، تكون محطة الانتظار الأولى التي تؤرق لحظات السعادة في زواجهما مبكرا وهما في انتظار خبر الحمل السعيد ، وبعد اجتياز تلك المحطة ينتقلان إلى محطة انتظار جديدة تسرق منهما فرحة الاستمتاع بخبر الحمل لثلاثة شهور أخرى حتى يتم معرفة جنس المولود وما أن تنتهي تلك المحطة حتى ينتقلان إلى محطة انتظار مقلقة جدا تمتد على مدار ستة شهور أخرى في أن تكون الولادة طبيعية وأن يرزقان بمولود تام الخلقة .

فرحة الاستمتاع بتلك اللحظة لا تتم إلا لدقائق معدودة حيث يتم الانتقال بعدها لمحطة ترقب انتظار المولود في تقبل رضاعة حليب أمه وإذا تم ذلك فلن تكون السعادة شعار المرحلة القادمة لأن الأم ستدخل بعدها عدة محطات انتظار في آن واحد ، فتبدأ تحدث نفسها متى ستظهر أسنان طفلي ؟ ومتى سيمشي ؟ ومتى سيتكلم ؟ ومتى سأنتهي من رضاعته ؟ وتمضي ثلاثة سنوات في محطات الانتظار المسلوبة المتعة حتى يصبح الطفل يمشي ويتكلم ويلعب ويأكل ويشرب بشكل طبيعي .

بعدها يدخل الطفل إلى المدرسة وهنا تأتي محطة انتظار طويلة عنوانها وصوله إلى الثانوية العامة واجتيازها بنجاح ولكن هل نجاحه سيرتبط بمتعة تدوم لفترة طويلة ؟ بالطبع لا وذلك بسبب دخول محطة انتظار قبوله في إحدى الجامعات وما أن يتم القبول تبدأ مرحلة انتظار تخرجه من الجامعة .

وعند التخرج ستكون لحظات السعادة قصيرة جدا لأن محطة الانتظار الجديدة تلوح بالأفق في تمكنه من الحصول على وظيفة تؤمن له لقمة العيش ، وما أن يستقر في عمل ما حتى تضيع لحظة الفرح سريعا وتبدأ محطة انتظار زواجه ، وما أن يتم الزواج حتى تبدأ دورة حياة الانتظار من جديد مع أولاده وهكذا هي حياة الإنسان العربي عموما .

بالتأكيد هنالك العديد من الأفراد الذين قد يتعثرون في تجاوز إحدى محطات الإنتظار وإذا حصل ذلك فحياتهم تتوقف تماما عند تلك المحطة وينحصر تفكيرهم بشكل مطلق في التمني بتجاوزها ، فمثلا من لم يتزوج تتوقف حياته عند تلك المحطة ومن لم ينجب كذلك ومن لم يعمل يبقى أسير محطة التخلص من البطالة ومن لم ينجح في دراسته تتجمد حياته على أعتاب هذه المحطة وهكذا .

ليس بالضرورة أن تكون محطات الانتظار التي ذكرتها تنطبق على الجميع ولكن المبدأ واحد في حياتنا كعرب ، فهنالك مثلا من ينتظر أن يصبح ثريا فيقضي أيامه إما بالتفكير أو العمل أو التمني في سبيل تحقيق ذلك وخلال وقوفه في محطة الانتظار تلك ينعزل عن كل مظاهر المتعة في الحياة ولايشعر بالسعادة أو يحاول على الأقل أن يسرق لحظات من الزمن في التلذذ بأمور أخرى وهكذا هي حال الإنسان العربي في أية محطة يتوقف عندها ويرفض مغادرتها مع أي قطار عابر في رحلة سعادة مؤقتة في هذه الحياة .

ولذلك فالفرق الرئيس بين أجيالنا وأجيال آبائنا وأجدادنا أننا لم نعد نؤمن بتلك المقولة الشهيرة (( عيش يومك )) والتي أعتقد أنها لم تعد موجودة في قاموس حياتنا ، ومن هنا أصبح التفكير بالمستقبل هو شغلنا الشاغل في هذه الحياة ولم نعد نستطيع ولو بشكل بسيط أن نستمتع بحاضرنا بأي شكل من الأشكال .

كلنا لديه هموم ومشاكل تزعجه وتؤرق حياته ولكن الحياة ليست فقط تخطيط وتدبير للمستقبل ، لابد من أخذ استراحة بين الساعات الأربعة والعشرين خلال كل يوم ، وأنا لا أقصد بالاستراحة هنا كسر روتين الحياة اليومية فقط ، بل لا بد من إيقاف العقل عن التفكير في كل شيء والتركيز فقط على لحظة متعة مشروعة لكل فرد منا في هذه الحياة .

ولذلك لا تجعلوا حياتكم محطات انتظار فقط ، ولاتجعلوا مخاوف المستقبل المجهول تسرق لحظات سعادة جميلة تكون في متناول أيديكم (( فالحياه حلوه بس نفهمها )) ، أليس كذلك ؟

Followers

Pageviews Last 7 Days