شهريار وجحا


قبل عدة أيام شاهدت فيلما مصريا بعنوان (( زي النهارده )) تدور أحداثه حول فتاة لاتكتمل فرحتها في الزواج من الشخص الذي أحبته بسبب وفاته ، وبعد ذلك تبدأ حياتها من جديد وتتعرف على شخص آخر يعرض عليها الزواج ولكنها كانت تلاحظ أمرا غريبا في أن الأحداث التي حصلت مع الشخص الأول تتكرر و بشكل مطابق جدا للأحداث التي تحصل مع الشخص الثاني فتصبح في حالة فزع وخوف شديدين أن تتكرر المأساة من جديد ويموت هذا الشخص أيضا .

لا أريد الخوض في أحداث الفيلم بالتفصيل ولكن ما أود التوقف عنده هو ذلك المشهد الذي تذهب فيه بطلة الفيلم لمقابلة أستاذ جامعي يشرح لها من خلال بعض الأمثلة التاريخية أن بعض الشخصيات تتكرر عبر الزمن وتحمل نفس الأفكار وتكون غالبا نهايتها بنفس الطريقة ومن تلك الشخصيات الشهيرة التي ذكرها (( نابليون وهتلر )) واللذان كانا يحلمان باحتلال العالم ولكنهما انهزما في نفس المكان وهو روسيا وكانت نهايتهما واحده وهي الانتحار ، وكذلك التشابه الغريب بين الرئيسان الامريكيان (( لينكون وكنيدي )) حيث يفصل بينهما في تاريخ تسلم الرئاسة الامريكية مائة عام حيث تم انتخاب لينكون في عام (( 1860 )) بينما تم انتخاب كيندي في عام (( 1960 )) ، كلاهما تورط بأمور عنصرية ضد الأمريكان الأفارقة وكلاهما أعلن رغبة في إحلال السلام بالعالم وكلاهما قتل في يوم جمعه وبرصاص من الخلف و في مكان عام كان يحمل نفس الإسم حيث مات (( لينكون )) في مسرح يدعى (( فورد )) أما (( كيندي)) فقتل أثناء تواجده في سيارة من نوع (( فورد )) .

هذا التشابه بين الشخصيات في الأفكار والمعتقدات وحتى في النهايات المشتركة التي تجمعها ليس موجودا في الغرب فقط بل هو موجود في عالمنا العربي أيضا ولكني في هذا الإدراج سأعرض أمثلة تتعلق بشخصيات من عالم الرجال والتي لا تزال تتكرر على الرغم من اختلاف الزمن ومضي القرون والأيام ولكنها حتما موجودة ولكن اختلفت فيها الأسماء فقط .

الشخصية الأولى (( الملك شهريار )) والذي بعد اكتشافه لخيانة زوجته وقتله لها قرر أن يتزوج في كل ليلة فتاة من مدينته ويقطع رأسها في الصباح انتقاما من كل النساء ، هذه الشخصية والتي قد يقول البعض أنها خيالية ولم تكن موجودة في ذلك الزمان تفرض نفسها وبقوة في عصرنا الحديث بين العديد من أنماط الرجال الذين إذا تعرضوا لموقف خيانة من امرأة ما ، يطلقون الحكم على أن جميع النساء كذلك ويبدأون بأذيتهم دون أي وجه حق من خلال التلاعب بمشاعرهم وأحاسيسهم و من ثم إذلالهن وبكل قسوة لإشباع تلك الرغبة المريضة في الانتقام من صورة تلك المرأة الخائنة .

الشخصية الثانية (( الشاعر عمر بن أبي ربيعه )) والذي كان شديد الاعجاب بنفسه حيث كان دائما يصور في أشعاره على أنه معشوق النساء وليس عاشقهن فيتهافتن عليه ويتنافسن في طلبه ، وبالطبع هذه الشخصية أيضا متواجدة وبقوة في مجتمعنا وكم صادفت في حياتي من تلك الأنماط التي ينحصر حديثها وبشكل دائم باستعراض البطولات في عشق النساء وهيامهن من أول نظرة من عيون تلك الشخصية الاستثنائية والتي أينما وطأت تكون محط أنظار النساء .

الشخصية الثالثة (( كليب بن ربيعة التغلبي )) والذي بعد أن اختاره قومه ليصبح ملكا عليهم أصبح مغرورا جدا بنفسه واعتقد أنه ليس له مثيل في الدنيا بالفروسية والشجاعة وأن قومه بدونه ليس لهم أي عز ولاكرامه وهذا الزهو الشديد بنفسه تحول إلى ظلم وجور وغطرسة على كل من حوله حتى كانت نهايته القتل على يدي شقيق زوجته ، بالتأكيد هذه الشخصية من الشخصيات الشائعة جدا في مجتمعاتنا وتتكرر بشكل دائم ، فمثلا بعض الاشخاص إذا تولى منصبا ما يصبح تماما (( ككليب )) شديد الغرور والإعجاب بنفسه ولايتورع عن أذية أقرب الناس إليه إذا حاول أحدهم التقليل من شأنه أو نقده في أي أمر من الأمور ، تماما كما فعلت (( جليله زوجة كليب )) عندما مدحت شقيقها (( جساس )) أمام زوجها .

الشخصية الرابعة (( الحجاج بن يوسف الثقفي )) تلك الشخصية الجدلية التي جمعت بين الجبروت والظلم وسفك الدماء وبين كثرة تلاوة القرآن وتجنب المحارم ولكن ما أود التوقف عنده في شخصية (( الحجاج )) هي العلاقة الغريبة والعجيبة التي كانت بينه وبين أهل العراق فقد أصبح واليا عليهم على الرغم من مشاعر الكره المتبادل بين الطرفين والتي لم يكن هنالك من سبيل للخلاص منها إلا بموت أحد الطرفين وبالطبع فإن هذه العلاقة وتلك الشخصية لاتزال تتكرر في كل يوم وفي كثير من الأماكن في مجتمعنا ، فمثلا في الشركات تجد دائما أنه عندما يصبح مكان رئيس أحد أقسامها شاغرا وتكون هنالك رغبة في ترشيح شخص من داخل الشركة لذلك المنصب يتم الاختيار بناء على تلك القاعدة وهي أن يكون أكثر شخص مكروه بينهم هو الرئيس عليهم وهكذا ترتبط العلاقات بين الرؤساء والمروؤسين في الوطن العربي من خلال قاعدة علاقة (( الحجاج بأهل العراق )) .

الشخصية الأخيرة التي أود ذكرها هي شخصية (( جحا )) والذي لم يكن مجنونا أو أحمقا أبدا بل على العكس كان شديد الذكاء لأنه تظاهر بالغباء والغفلة لكي يتمكن من عرض آرائه الناقدة والساخرة والناقمة على الظلم والجور الذي كان يحدث في زمانه بحرية تامة ودون أن يتعرض للأذى ، وأعتقد أن (( جحا )) أصبح يفرض نفسه بقوة في مجتمعاتنا العربية في هذا الزمان ، فالذي يود الاعتراض على أمر ما يتوجب أن يكون (( كجحا )) حتى لايتعرض للأذية ، أما من يود أن يكون عاقلا فعليه أن يرفع دائما شعارا واحدا هو (( السمع والطاعة )) وهذه هي الديمقراطية التي تصلح فقط في عالمنا العربي ولذلك عندما حاول أحدهم ممازحة (( جحا )) قائلا له أننا عرفنا حمارك ولم نعرفك رد عليه (( جحا )) قائلا : هذا أمر طبيعي لأن الحمير تعرف بعضها ، ولا زلت أسأل نفسي لهذه اللحظة من كان الحمار ؟ هل هو جحا ؟ أم ذلك الشخص ؟

Followers

Pageviews Last 7 Days