الصداقة والحب

أحقا ليل العاشقين نهار ؟

وكيف لا وقد توالت الليالي النهارية على (( عادل )) بعد أن أكمل العقد الرابع من عمره ، هو لم يعد يخشى الكوابيس التي كانت سببا دائما في استيقاظ والدته مذعورة في منتصف الليل على صراخ أوجاع وحدته ، فقد رفع النوم الراية البيضاء أمام جيوش نوبات الأرق التي اغتصبت كل شبر في تفكير (( عادل )) وعقله .

والدته التي باتت تستيقظ على صوت مؤذن المسجد في فجر كل يوم وهو ينادي : (( الصلاة خير من النوم )) وليس على صوت ولدها الذي كان يصرخ في كل ليلة من وطأة كابوس مزعج ، أصابها من الحزن ما تعجز عن حمله الجبال ، وهي تجده يمتنع عن إجابتها عن رفيق درب لياليه الجديد والذي كانت صحبته سببا في تطابق نهاره وليله لايفرق بينهما سوى الشمس والقمر والنجوم .

بماذا سيجيبها ؟

أيقول لها أنه يعشق فتاة تصغره بخمسة عشر عاما ؟

أم يقول لها عن عجزه في مصارحة تلك الفتاة برغبته في الارتباط بها خوفا من أن ترفضه وتقضي على مابقي في عمره من أحلام سعادة تمنى مشاهدتها مكتوبة في كراسة قدره ونصيبه من هذه الدنيا ؟

لكنه و بعد سماع بكاء والدته وهي تبث شكواها إلى رحمان السماوات والأرض مع خيوط ساعات الفجر الأولى بأن يزيل عن ولدها ما أصابه من الهم والغم ويرزقه راحة البال والنوم ، حتى اتجه مسرعا بعد صلاتها إلى ربوع أحضانها الدافئة وأغرق صدرها بدموعه التي انحبست في سماء عيونه منذ زمن طويل .

(( لا تحزني يا أمي فأنا عاشق من رأسي وحتى أخمص قدماي ، ولكني عاجز عن التحلي بشجاعة الفرسان ولم أتعلم فنون الحروب على قلوب النساء ، وسيف قلبي بكى من كثرة مكوثه في غمده حتى أصابه الصدأ وأصبح عاجزا عن إصابة قلب نمله )) .

وبفطرة الأم الدائمة التعصب لأولادها : (( يا ولدي أنت سيد الشباب ، من هي الفتاة التي لا تتمنى الارتباط بك ؟ )) .

كلام والدته بث فيه نشوة محارب امتطى مجددا صهوة جواد ثقته بنفسه ، فهل يغير على ساحات وغى الإعتراف التي لم يكن يجرؤ على الاقتراب منها ؟

وفي اليوم التالي وبمجرد وصوله إلى عمله قرر أن يذهب إلى مكتبها ويعترف لها برغبته بالارتباط بها ، وفعلا ذهب إليها وبعد عدة طرقات لباب الأمل والأحلام ، أذنت له بالدخول مستقبلة أياه بابتسامة ارتسمت على ثغرها كانت كفيلة بجعل نبضات قلبه تتصاعد في إيقاعها حتى وصلت جوف حلقه ، أما صوتها الدافىء كشمس الشتاء فلم يتمكن من إيقاف رعشات جسد (( عادل )) وهي تسأله عن أخباره وصحته .

غرق (( عادل )) في بحر عينيها وعجزت كلماته عن ركوب أمواج الاعتراف بعشقها ، ولكنه بدأ يتذكر كلمات والدته ليستمد منها القوة والجرأة فيعرض عليها فكرة الزواج ، وقبل أن يتلفظ بأي اعتراف ، تبادره قائلة : (( أنت لست مجرد زميل بل أنت صديق أيضا ، ولذلك أود أن تساعدني باتخاذ قرار مهم جدا في حياتي ، ما رأيك بزميلنا نبيل ؟ فقد عرض عليي الزواج )) ، انهار برج الأحلام والأماني في قلب (( عادل )) بطائرة كلماتها التي فاقت سرعتها مجالات عشقه الدفاعية ، ولكن أنينا من تحت الأنقاض رفض الاستسلام قائلا : (( نبيل شاب مهذب وخلوق ، ولكن أنا جئت اليوم إليك لذات السبب ، فمنذ فترة طويلة وأنا أود الاعتراف لك بأنني أرغب بالارتباط بك )) ، مجددا يبستم ثغرها كالنهر العذب الذي يحجز مياهه أمام ظمأ قلب (( عادل )) لتقول له : (( فلنبقى أصدقاء )) ، ولكن (( عادل )) يودعها بمقطوعة موسيقية حزينة كأيامه قائلا : (( غالبا ما تتحول الصداقة إلى حب ، لكن يستحيل أن ينزل الحب إلى درجة الصداقة )) .

دائما مايتم استخدام مصطلح الصداقة عند الرغبة في الهروب من مشروع حب او ارتباط محتمل ، بل ويتم استخدامه أيضا عندما يرغب الرجل أو المرأة في التخلص من علاقة قائمة ، ولكن أحقا يستطيع العاشق أن يتحول إلى صديق ؟

أما من ارتبطت علاقتهما بالصداقة في البداية ، فيحدث أحيانا أن تتطور وتصل إلى درجة الحب ولكن قد تكون تلك الحالة هي بداية النهاية ، فكم من الرجال والنساء كانت علاقة الصداقة بينهما ناجحه وكم أصبحت تلك العلاقة فاشلة عندما تحولت إلى حب ، وكم يحضرني في هذه اللحظات مطلع قصيدة الشاعرة الكويتية الكبيرة سعاد الصباح والتي تغنت بها ماجدة الغناء العربي : (( كم جميل لو بقينا أصدقاء )) ، فهل حقا من الصعب أن تجتمع الصداقة والحب في شخص واحد ؟

Followers

Pageviews Last 7 Days