( شارع الوكالات ) و أشياء أخرى

لا يجهد نفسه في التفكير مطولا حول كيفية تزجية الوقت في كل مساء ، فالبدائل والخيارات المتاحة أمامه واضحة المعالم ولاتبعث أية محاولات عابرة للحيره .

فما أن تسقط الشمس في أعماق جبال مدينته حتى ينطلق مسرعا إلى ( شارع الوكالات ) ليقحم نفسه بين غابات الأقدام التي تسير ذهابا وإيابا ، ويبدأ رحلة نظراته شبه الدائرية مابين فضول وترقب لمحاولات شديدة الحذر في تجاذب إعجاب متبادل مع امرأة أو في بث موجات ضحك مفتعلة عند الإجابة على مكالمة هاتفية كمحاولة لجذب انتباه العيون غير المكترثه .

أحيانا أثناء مطاردة عيونه لإحدى فريساته الأنثوية المحتمله ، تتقاطع نظراته بشكل غير مقصود مع فحول الصيادين الآخرين مما يجعله عرضة للوقوع في مشاجرة لا يدرك تماما حقيقة مسبباتها إلا بعد فوات الآوان .

نصحه العديد من الأصدقاء باتباع استراتيجيات متنوعة لكي يتمكن من اجتذاب إعجاب النساء ، فمنهم من نصحه بشراء قيثارة والتشبه بملوك الغجر الإسبان ، ومنهم من أشار عليه بعقد حلقات في زوايا الشارع لاستعراض مواهبه في الغناء ، ومنهم من أكد عليه أن مواهبه في تقليد الأصوات وبخاصة تلك المتعلقة بأصوات الحيوانات هي الوسيلة التي سيتمكن خلالها من اجتذاب المعجبات وذلك تطبيقا للمقولة الشهيرة : (( من السهل أن تجعل امرأة تبكي ولكن من الصعب أن تجعلها تبتسم )) .

ولكن بعد فشل كل تلك الاستراتيجيات قرر أن يتبع خطة جديدة كان قد سمع أنها نجحت في العديد من المناسبات ، تتلخص في ارتدائه لبدلة رسمية والجلوس في أحد المقاهي المتواجدة في الشارع ، ليبدأ بعدها مطاردة هاتفية ( بلوتوثية ) مع كل أسماء الإناث التي ستظهر في قائمة جهازه الخلوي ، ولكن حظه العاثر يلازم كل تحركاته ومحاولاته ، فقد اكتشف أنه كان يتبادل تلك الرسائل ( البلوتوثية ) مع شاب مثلي كان يتواجد في ذات المقهى .

قرر أخيرا التوقف عن كل المحاولات والاكتفاء بالجلوس على أحد المقاعد المزروعة في وسط الشارع ، ليبحر في خياله مع كل امرأة عابرة ويتمنى لو أنها تكون حبيبته حتى ولو للحظات ، كم كان يذرف الدموع عندما تحاصره مشاهدات متتالية لعشاق يتجولون أمام لوعة حرمانه ، فيتخذ قرارا في التوقف عن الحضور إلى هذا المكان ولايلبث أن يتراجع عنه سريعا بمجرد عبور أول امرأة تلوح أمام ناظريه خلف مواكب العشاق ، ليبدأ مجددا مشوار الخيال في تمثيل دور حبيبها المفترض .

الغشاء الذي يحيط عقول معظم الشباب كما يحيط السوار بالمعصم ويقف حاجزا بين أية انجازات محتملة للإبداع والتميز في أي مجال ، سببه الكبت المفروض عليهم في واقع مجتمع يفيض بالمتناقضات المتعددة ، فهو مجتمع منفتح ومنغلق بذات الوقت ، فيه نساء تمشي شبه عاريه وأخريات تمشي في جلابيب ، فيه أشخاص ينطلقون للصلاة في المساجد وآخرون يذهبون لقضاء الليالي الحمراء في الملاهي الليلة ، فيه أشخاص يتشبهون في لباسهم ومظهرهم وحتى بطريقة كلامهم بالغرب وآخرون يصرون على التشبث بهيئة العرب الأوائل المتوارثة عبر القرون ، ومن المفروض مشاهدة كل تلك المتناقضات و المحافظة على العقول ضمن منسوب متوازن والإدعاء بأن لنا هوية متميزة عن الآخرين ، أحقا لا زلنا نجهل سبب التصرفات غير السوية بين الشباب في هذا المجتمع ؟

القضية ليست قضية حريات شخصية بل هي قضية مجتمع لم يعد له من هوية واضحة المعالم ، مذبذبين نحن لا إلى الغرب ولا إلى الشرق ننتمي ، فمن نحن إذن ؟

Followers

Pageviews Last 7 Days