مشروع زواج جامعي

اثنتي عشرة سنة في التعليم المدرسي غير المختلط تعلل المجاعات العاطفية التي تبلغ ذروتها مع نهاية تلك المرحلة في حياة العديد من المراهقين ، ولذلك تكون الجامعة هي بوابة أحلام العديد من الشباب و الفتيات في إيجاد نصفهم الآخر الذي سيروي عطش سنين عجاف من رغبات متأججة في دهاليز الفطرة والغريزة التي يشعل نيرانها ذلك المناخ الذي بدأ يسود أيامهما في القدرة على التواصل دون حواجز ولاقيود .

ومرحلة المراهقة هي منعطف خطير جدا في حياة الإنسان ، فشخصيته لا تكون مكتملة النضوج ، وعواطفه من غير الممكن التحكم بمقدار اندفاعها ومدى استمراريتها وثباتها في مسار واحد ، فهي تكون عرضة للتغير المستمر مع كل يوم يمضي ، لأنها مرحلة اكتشاف للعقل الذي لا يملك العديد من التجارب والخبرات السابقة في معترك الحياة .

المراهق لا يدرك هذه الحقيقة لاعتقاده أن التغيرات الفسيولوجية ( الجسدية ) المرافقة لمرحلة بلوغه تعني اكتمال معرفته وخبرته ، مما يدفعه إلى المضي في دروب قرارات قد تتسبب في غرق مستقبله فيما بعد في بحر الفشل إذا لم يجد من يوجهه ويقدم له النصح والإرشاد ممن سبقوه في التجارب والسنوات .

وبالطبع لا تقترن النصيحة التي تقطف ثمارها مع المراهق بمحاولة إقناعه بحبس تلك الطاقات الهائلة المندفعة كحمم البركان ولكن تكون من خلال رسم ملامح المكان الصحيح الذي يمكن أن يحتويها دون حدوث أية أضرار جسيمة .

و أعتقد أن من أبرز المشاكل التي يعاني منها المراهقون في تلك المرحلة هي في عدم تمكنهم من تحديد أشكال وقوالب قنوات الإتصال بين ذكورهم وإناثهم .

ومن خلال تجربتي الجامعية الممتدة لقرابة سبع سنوات مابين مرحلة (( البكالوريوس والماجستير )) في الجامعة الأردنية التي تتميز بكثافة عدد طلابها وتنوع واختلاف البيئات التي تشكلت فيها شخصياتهم ، وجدت أن تلك المشكلة في طريقة الإتصال تتسبب في ذلك التشتت والتخبط في تحديد أولويات القرارات المستقبلية للعديد من الطلاب .

سأتحدث بشكل موجز عن مختلف الفئات التي صادفتها في حياتي الجامعية وعن قوالب قنوات الإتصال التي تشكلت فيما بينهم :

- القادمون من المدارس المختلطة أو بمعنى آخر من لم تكن أجواء الاختلاط حدثا جديدا في حياتهم ، حيث لاحظت أن المرحلة الجامعية لم تكن سوى امتدادا للأجواء التي كانوا يعيشونها بالسابق فالعلاقات بينهم لا تتجاوز حدود الزمالة والصداقة في أغلب الحالات وهذه الفئة مرتبطة بالطبقة العليا في المجتمع من أصحاب الثروات والنفوذ .

- القادمون من الطبقات المتوسطة ومنهم من انخرط بالفئة السابقة بكل يسر وسهولة نتيجة لاجتهاده الملحوظ الذي كان سببا في إزالة الحواجز الطبقية التي تفصله عنهم ، وهنا كان أساس العلاقة قائما على مبدأ المصالح المتبادلة بين منفعته المادية ومنفعتهم في استغلال تحصيله الدراسي ولكن هذا الاختلاط بين الطبقتين كان يؤدي في بعض الأحيان إلى نشوء علاقة عاطفية بسبب اختلال توازن نمطية المشاهدات بينهما مما كان يؤدي إلى الانجرار وراء أحاسيس التعلق بتلك الاختلافات التي لا تلبث أن تنتهي سريعا مع مرور الوقت و الغوص في أعماق الشخصيات فتنتهي اللهفة والإندفاع وتفتر تلك المشاعر تدريجيا لتعود أدراجها إلى مرحلة نمطية تتوقف عندها .

- القادمون من الطبقات الدنيا وهي فئة منغلقة على ذاتها بشكل كبير ولكن ما أن تحدث حالة يتم فيها الحديث بين شاب وفتاة من ذات الطبقة أو مع الطبقة الوسطى والعكس صحيح حتى تبدأ قصة حب عنيفة بين الطرفين وهذا أمر طبيعي جدا لأن ذلك التعلق ينتج أساسا من عدم وجود أية خبرة لديهما في طريقة التعامل مع الآخر ولذلك يتصرفان بفطرتهما ومشاهداتهما المختزنة في ذاكرتيهما عن طبيعة شكل العلاقة التي تربط الذكر بالأنثى و المتأتية بالأساس من صورة علاقة والديهما في المنزل ، وهنا تبدأ الأحلام والمشاريع المستقبلية التي تنحصر في الزواج والتي تستحوذ بشكل مطلق على تفكيرهما ومع أننا في الأردن لم نصل بعد إلى المراحل الخطيرة التي وصلت إليها بعض البلاد العربية في انتشار الزواج العرفي بين طلاب الجامعه ولكن هذا لا ينفي أن شبابنا وفتياتنا يعانون كثيرا من اختلاط المفاهيم مابين منظومة العلاقات التي تجمعهما في تلك المراحل العمرية غير الناضجة .

خلاصة القول أنني لا أؤمن بعلاقات الحب في المرحلة الجامعية ولا أتوقع لها استمرارية بأي شكل من الأشكال إلا في حالات نادرة جدا ، وبذات الوقت فالحب هو الالتزام أمام الطرف الآخر قبل أي شيء ، ولذلك فمن غير المعقول أن يتمكن الشخص في هذه المرحلة من تحقيق ذلك وهو لايزال قاصرا عن الإنفاق على نفسه و طبيعة مشاعره لاتزال متذبذبة وعرضة للعديد من التقلبات السريعة المرتبطة بالتعلق الذي يرافقه الملل بعد فترة قصيرة جدا ، وهذا إنما يؤكد على أن تلك المشاعر ليست بحب ناضج وإنما هي نزوات شبابية سريعة الزوال .

Followers

Pageviews Last 7 Days