أريدك أنثى

بعيدا عن واقع حياتنا الذي يزداد قسوة مع كل يوم يمضي ، وبعيدا عن الأوضاع الإقتصادية التي تزداد سوءا وعن العنف الإجتماعي الذي يزداد شيوعا وعن طقوس مشاهدات المظاهر السلبية المفروضة علينا سواء في بيئة العمل أو المنزل أو الجامعة أو المدرسة أو الشارع ، تتجمع في داخلي تساؤلات كثيرة عن أسباب غياب العاطفة والرومانسية الجميلة من حياتنا .

أحقا انتهى زمن العشق الجميل ؟

أحقا لم يعد هنالك مكان في قلوبنا لشيء جميل اسمه الحب ؟

أحقا عندما يأتي وقت الحديث عن الحب لا يستمع أحد لتلك السخافات التافهة ؟

أم أن الحب أصبح يعني الضعف والهوان والحزن والدموع ؟

هذه ليست دعوة تمرد لعلاقات غير شرعية بل هي دعوة لمراجعة الذات في التساؤل عن تلك الأحاسيس الجميلة التي باتت مفقودة من قاموس العلاقات الإنسانية في مجتمعنا .

الرجال والنساء في هذا المجتمع يتحملون المسؤولية معا في قتل الحب ولكن دائما كنت ولازلت أعتقد أن الأنثى هي مفتاح سعادة الرجل وهي التي بسحر أنوثتها العذبة تحرك كل مشاعره وأحاسيسه بطريقة تقلب كيانه رأسا على عقب وتجعل منه إنسانا رقيقا وحنونا ودافئا وسعيدا برغم كل مايعانيه من مرارة عيش .

مشكلتنا في هذا المجتمع تحديدا أن الأنثى تتبرؤ من أنوثتها بسبب خوفها من غدر الرجل وقسوته عليها في حال إحساسه بمشاعرها الجارفة نحوه ، مشكلة أنوثة مجتمعنا في هذه الأيام هي الاستعلاء والغرور في إظهار المشاعر للرجل كردة فعل عكسية لما يسمى بالمجتمع الذكوري والذي تسببت وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها بزرع بذور أفكاره السامة في عقول الإناث بشكل مبالغ فيه مما أدى إلى ضياع ذلك الحلم الجميل الذي بات شبه مستحيل في هذه الأيام ، فلماذا ضاع الحب من حياتنا ؟

قبل عدة أيام كنت أقرأ مقالا في صحيفة يومية فلاحظت أن كاتب المقال أشار إلى ظاهرة موجودة فعلا وأنا لامستها من خلال حديثي مع العديد من الفتيات في إعجابهن الشديد بأفراد المنتخب الإيطالي لكرة القدم وكان يتحدث عن غيرته وحسرته كرجل شرقي أمام هؤلاء (الطليان) وحتى أنني تذكرت أيضا تلك الهالات الأنثوية من الإعجاب بأبطال المسلسلات التركية أو نجوم السينما الأمريكية وغيرها كثير ، فتجد في مثل هذه الحالات أن الفتاة تعبر عن أنوثتها بكل صدق تجاه رجولة هؤلاء ولكن في محيط الذكور من حولها ( مافيش حدا بعبي عينها ) ، أليست هذه الظاهرة منتشرة في مجتمعنا ؟

أتذكر تلك الفتاة التي كانت دائما كلما جاء لبريدها الالكتروني رسالة عن رجال وسيمين من مشاهير العالم تبدأ باظهار كل أنوثتها في التغزل بفتنة هؤلاء الرجال أما عند الحديث عن أي رجل في هذا المجتمع تبدأ بالاشمئزاز والنفور ، ولغاية هذه اللحظة بالذات لم أستطع أن أعرف سر ذلك النفور العجيب الغريب بين الشاب والفتاة في مجتمعنا ونظرتهما معا لنجوم الغرب وحتى بعض الفنانين في الشرق أنهم فرسان الأحلام الذين معهم سيظهر كل مافي القلوب من مشاعر وأحاسيس ، وكم يحضرني مقولة ذلك الرجل الذي أعلنها أمام الجميع أنه مستعد أن يضحي بروحه ودمه في سبيل ابتسامة واحدة من شفتي ( هيفاء وهبي ) .

ولا زلت أذكر ذلك الصديق الذي كان يقول لي دائما (( أكره الفتاة المخدرة )) هو تشبيه باللهجة العامية يقصد فيه الفتاة التي لا تظهر أية انفعالات تدل على أنوثتها وهي تتكلم مع الشاب مما يجعله يعتقد أنه يتحدث مع شاب مثله فكأنها تشبه في تلك الحالة من يكون قد تلقى إبرة تخدير قبل دخوله لعملية جراحيه ، وإنني صدقا أقتنع كثيرا بمقولته تلك ، فمن خلال تجربتي السابقة في العمل بأحد البنوك الأردنية لما يقارب 6 سنوات ، كانت طبيعة عملي كمفتش تتطلب مني التجوال على دوائر الإدارة العامة وفروع البنك المنتشرة في مختلف محافظات الأردن وكم كنت أجد من نمط تلك الفتاة ( المخدرة ) في دوائر الإدارة العامة في مقر البنك الرئيس في عمان أو في فروع البنك المتواجدة في منطقة عمان الغربية ودائما ماكانت تصيبني تلك الحالة من الذهول وأنا أشاهد تلك الأنثى من بعيد ولكن بمجرد الاقتراب منها والبدء بالحديث معها أجدها ذكرا بكل معنى الكلمة ، فهل السبب في ذلك أن المرأة أو الفتاة تستخدم قناع الذكورة في بيئة العمل كوسيلة دفاعية لحمايتها من أصحاب النفوس المريضة ؟ ولكن إذا كان الأمر كذلك فهل هذا يعني أن تلك الأنثى تعيش حالة انفصام في الشخصية بمعنى أن لديها القدرة بعد خروجها من العمل العودة إلى طبيعتها الأنثوية بكل يسر وسهولة ؟ أشك في هذا .

من الأنماط الأنثوية الأخرى التي كنت ألاحظها في بعض فروع عمان الشرقية وفي بعض الفروع خارج عمان أنني ممنوع تماما من إلقاء تحية الصباح أو المساء على بعض الموظفات وإذا أردت طلب ملف بحوزتهن لابد من الذهاب لطلبه من رئيس القسم وليس لي الحق أبدا بالحديث المباشر معهن لأي سبب من الأسباب وكأنني كائن غريب قادم من كوكب آخر ولست أدري كيف أفسر تلك السلوكيات ؟ فهل ذلك حقا حياء أنثوي مفرط ؟ أم هي بلاهة أنثى نشأت على معتقدات أنه لايجوز التحدث مع الرجال الأغراب ؟ أعتقد أنها شخصية تشكلت في وسط بيئة تضع قيودا وأغلالا لطبيعة الأنثى التي يجب أن تحافظ فيها على ذلك المظهر الضعيف الذي لاتملك معه أية أسلحة أنثوية مما يجعلها في عزلة مجتمعية مطلقة لتنتظر ( ابن العم ) المعقود قرانه عليها منذ ولادتها ، فتنجب له الأولاد وتجلس في المنزل ولاتشاهد زوجها إلا في وجبات الطعام وحتى غرفة النوم تصبح مهجورة بعد حضور العدد المفترض من الاولاد فهو لا يرى فيها إلا آلة للإنجاب ولا يعترف بأنوثتها أو يشعرها في يوم بمحبته ، فتتحول إلى ( الحجه أم فلان ) وهي لا تزال في بداية الثلاثينيات من عمرها .

ولكي أكون منصفا في كلامي فلقد وجدت في بعض فروع البنك سواء في عمان و إربد أو الزرقاء والسلط أمثلة قريبة جدا من الأنثى كما أراها فهي ليست بالمظهر الجذاب فقط بل في طريقة حديثها وتصرفاتها الرقيقة وحيائها في بعض المواقف وحزمها في مواقف أخرى ، في ابتسامتها الرقيقة وغير المفتعلة ، في حساسيتها الطاغية على سلوكياتها فتجدها تارة تبكي بدون أية مقدمات وتارة تفرح مثل الأطفال عند تلقي خبر سعيد ، في مرحها وخفة ظلها وعفويتها ، في نظرة إعجابها للرجل وتقدير مكانته ، في حضورها الذي لايفرض على الجميع تأكيد الإعجاب بشخصيتها الأنثوية فحسب بل يفرض احترامها قبل أي شيء آخر .

مشكلتنا في هذا المجتمع أننا بالغنا بالواقعية على حساب المشاعر والأحاسيس الجميلة والتي أصبحت كما يقول إخواننا اللبنانيون ( آخر همّنا ) ، وقمنا بحفر قبور جماعية لقلوبنا ، فغابت الرومانسية من حياتنا وغدت العلاقة بين الرجل والمرأة كبحر متجمد أطبق بجليده على سعادتنا الحقيقية فغرقت فيه أيامنا التي باتت خاوية من قصة جميلة اسمها الحب .

وإنني بدأت أخشى من القول أن النساء في مجتمعنا تفوقن في كل العلوم والمعارف وفي قيادة السيارات وارتداء أجمل الملابس واقتناء أحلى العطور وأغلى الحلي والمجوهرات ومواكبة كل جديد من تكنولوجيا العصر الحديث ، ولكن هل من لا يزال يبحث عن أنثى رومانسية سيتمكن من إيجادها بسهولة في هذا المجتمع ؟

عذرا يا نزار قباني فلم أعد أقتنع بكلامك عندما قلت : (( أريدك أنثى لتبقى الحياة على أرضنا ممكنه .... وتبقى القصائد في عصرنا ممكنه .... وتبقى الكواكب والأزمنه .... فما دمت أنثى فنحن بخير .... فكوني سألتك كل الأنوثة .... لا امرأة بين .... بين )) .

فنحن لانزال بخير ، وحياتنا لا تزال مستمرة ومدنيّتنا تحارب على كل جبهات المظاهر الكاذبة واجتماعاتنا المشتركة كذكور وإناث تتم على كل طاولات المفاوضات إلا طاولة العشق التي أصبحت مقاعدها بيوتا لعناكب القلوب ، وغدت حجرتها مهملة بطابق تسوية الأحلام الأخير في ذلك المبنى الملقب بالحياة .

Followers

Pageviews Last 7 Days