أنت تبكي إذن أنت لست رجلا

لم يسمع في حياته تلك العبارة إلا بعد نهاية العقد الأول من عمره ، فبينما كان يلعب بالكرة مع أولاد الحارة ويتباهى أمامهم بمهارته في حراسة المرمى وأنه ليس أقل شأنا من ( زينغا ) حارس إيطاليا الأول في كأس العالم عام 1990 باغتته كرة صاروخية ارتطمت بسقف معدته محدثة انفجارا هائلا من الألم الذي أطلق العنان لدموعه وآهاته ، فتجمع الأولاد من حوله محاولين تحفيزه وتشجيعه على النهوض ومقاومة الألم قائلين ( أنت تبكي إذن أنت لست رجلا ) .

مضت الأيام والسنين وها هو في ذات صباح يتوجه إلى مدرسته لاستلام نتيجة الثانوية العامة والآمال الكبيرة تسبقه بخطوات لرؤية حصوله على معدل يتجاوز ( 90%) ولكن حال بين أمنيته ومعدله أربعة أعشار الدرجة ليحصل على معدل ( 89,6%) فلم يتمكن مجددا من مقاومة دموعه التي فاضت بها عيونه وبمجرد عودته إلى المنزل ورؤية والده له بعيون محمرة العدسات لم يسأله عن نتيجته في امتحانات الثانوية العامة بل صرخ في وجهه قائلا ( أنت تبكي إذن أنت لست رجلا ) .

انتهى العقد الثاني من عمره وهو سعيد باقتراب موعد انتهاء دراسته الجامعية لكي يتمكن من تحقيق أمنيته في التقدم لطلب يد بنت الجيران التي وعدته والدته بالذهاب لخطبتها بمجرد حصوله على شهادته الجامعية ولكنه لم يكن يدري في ذلك الوقت بالذات أنها اصبحت مخطوبة وستسافر عما قريب مع عريسها المغترب في إحدى الدول النفطية التي جعلته من أصحاب الكلمات المسموعة عند طرق أبواب الفتيات للزواج دون الاكتراث أبدا لطالب جامعي يسابق الزمن لخطبة من أحبها منذ طفولته ودهس أمانيه تحت عجلات سيارته التي لم يشاهد لها مثيلا قبل ذلك إلا في الأفلام الأمريكية لتتساقط دموعه مع ضربات الطبول والدفوف في زفة عرس لم تسجل في حارته قبل ذلك التاريخ وليجد والدته قد حضرت مسرعة إليه وهو ينظر نظرته الأخيرة إلى جثمان حبه المتوجه إلى فندق بخمسة نجوم لاستكمال مراسيم جنازته أمام بركة سباحة وولائم طعام تكفي حارته لأسبوع كامل فتصرخ به والدته قائلة ( أنت تبكي إذن أنت لست رجلا ) .

انتصف العقد الثاني في حياته وتزوج ورزق بأنثى عطرت أيامه بأحلى الأخبار في زيادة استثنائية لراتبه بمقدار مئتي دينار دفعة واحدة فما كان منه إلا أن وثق شهادة ميلادها باسم أغلى زهرة يعشقها (( ياسمين )) وكان يحبها بجنون استثنائي غير مسبوق في حياته فما كانت تغيب عن ذراعيه إلا في ساعات عمله التي يسابق الوقت لانتهائها من كثرة شوقه لياسمينته الصغيرة ولكن بعد شهرين على ولادتها أصيبت بالتهاب رئوي حاد كاد أن يودي بحياتها ومجددا لم يتمكن من حبس دموعه التي كانت تحترق في هذه المرة كجمرات نار تكوي وجهه من شدة حرارتها فيحضر شقيقه إلى المستشفى ويشاهده بهذا المظهر فيقول له ( أنت تبكي إذن أنت لست رجلا ) .

انتهى العقد الثالث من عمره معلنا نشوة هزائمه ومسلسل إحباطاته المتكررة في تلفاز الحياة وعجزه التام عن السباحة خارج محيط الديون وغلاء المعيشة والتهديد المستمر الذي يعيشه في كل يوم مع هبوط نقاط مؤشر البورصة التي تتوقف عليها حياة الشركة التي يعمل فيها فينفرد بذاته في هذه المرة ويطلق الحرية لعصافير دموعه من ذلك القفص اللعين الملقب بالرجولة .

Followers

Pageviews Last 7 Days