لعبة الموت

قرأت خبرا في أحد الصحف المحلية يتحدث عن عملية القبض على محتالين يفتعلون حوادث دهس لغايات ابتزاز السائقين ولازلت أذكر لغاية الآن أحد حلقات المسلسل السوري الشهير ( مرايا ) للفنان المبدع ياسر العظمة عندما تناول هذا الموضوع وكيف أن بعض الشباب الذين ضاقت بهم سبل العيش اتخذوا من قضية افتعال حوادث الدهس مهنة لهم غير مكترثين للمخاطر التي قد تلحق بهم نتيجة لذلك ، وهو ماحدث فعلا في نهاية تلك الحلقة عندما حاول أحد هؤلاء الشباب افتعال حادث دهس أمام سيارة مسؤول وكانت النتيجة قيام حراس ذلك المسؤول بضرب ذلك الشاب حتى كسروا له ضلوعه .

إن ما يحدث من سلوكيات من قبل بعض الأفراد هي النتيجة المتوقعة لارتفاع معدلات الفقر التي بدأت تسود في المجتمع وارتفاع معدلات البطالة بين فئة الشباب وطالما أن الشعب بدأ يعاني في الحصول على لقمة العيش كما أكدت في إدراج سابق فسنرى ونسمع ونشاهد المزيد من السلوكيات الاجرامية وعمليات النصب والاحتيال وغيرها كثير من الأمراض الاجتماعية التي ستنهك جسد هذا المجتمع .

من جهة أخرى فما دفعني للحديث عن هذا الموضوع أيضا هو حادثة حصلت معي قبل عدة شهور في أحد الشوارع الفرعية في منطقة جبل الحسين ، فبينما أنا في طريقي إلى المنزل في المساء فوجئت بطفلة لا تتجاوز التاسعة من عمرها تعبر الشارع أمامي وبحمد وفضل من الله تعالى تمكنت من السيطرة على السيارة وايقافها في الوقت المناسب.

في الواقع لم أوبخ تلك الفتاة وتابعت مسيري ولازلت أنظر بالمرآة إلى الخلف ففوجئت بأن الفتاة الأخرى التي كانت مع الفتاة التي كنت على وشك دهسها تعبر الشارع أيضا بنفس الطريقة وكانت السيارة الأخرى أيضا على وشك دهسها ، في تلك اللحظة بالذات أوقفت سيارتي وبدأت بمراقبة هؤلاء الفتيات وكانوا ثلاثة ، فوجدت أنه بمجرد عبور أية سيارة من ذلك الشارع تقفز إحداهن في كل مرة إلى وسط الشارع متظاهرة بعبوره وفي كل مرة ينجح السائقون بالافلات من مكيدة دهس إحداهن ، هذا مع العلم أن جميع هؤلاء الفتيات لم يتجاوزن العاشرة من عمرهن .

بعد مشاهدتي الثالثة لتلك اللعبة المميتة تأكدت أنها لعبة يمارسنها دون ادراك لخطورتها وما قد ينجم عنها ، فتدخلت وعدت بسيارتي إلى مكان تواجد هؤلاء الفتيات وبالطبع حاولت إحداهن أن تقفز أمامي ولكنها فوجئت أنني توقفت قبل وصولي إليها بكثير ، وبدأت بمناداة هؤلاء الفتيات ، فاقتربن مني على حياء وكأنهن أدركن أنني اكتشفت سر لعبة الموت التي كانوا يلعبونها ، وفعلا بدأت أنصحهن حول خطورة ما يفعلن وأنهن قد يتعرضن للموت بسبب تلك اللعبة التي لا يدركن خطورتها ، تظاهرت أمامهن بأنني رحلت ولكني أوقفت السيارة في مكان يمكنني من رؤيتهن دون أن يلاحظن ذلك وفعلا وجدت أنهن توقفن عن لعبة الموت تلك ، فتابعت مسيري إلى المنزل ولكن عقلي استمر بالتساؤل حينها في أن الساعة كانت حوالي الثامنة مساء وهؤلاء الفتيات يلعبن في الشارع لوحدهن والمشكلة ليست في ذلك فقط بل في المدة التي قضينها في ممارسة لعبة الموت تلك ؟

يا ترى أين كنتم يا أهالي هؤلاء الفتيات في ذلك الوقت ؟

Followers

Pageviews Last 7 Days