خالفني يا سيدي

( خالفني يا سيدي ) هي صرخة مدوية أطلقها سائق السيارة التي يبلغ ثمن إطارها الدخل الشهري لأسرة تقف على حاجز خط الفقر ، ( خالفني يا سيدي ) هي رمز الغرور والنرجسية والتكبر المتفشي في عقول العديد من أصحاب الثروات والنفوذ .

( خالفني يا سيدي ) هي جملة قالها ذلك المتغطرس وهو يقود سيارته ال ( BMW) على السرعة القصوى في شارع فرعي وضع في مقدمته إشارة واضحة بمنع المرور في ذلك الإتجاه ولكنه لم يكترث لتلك الإشارة وزاد من سرعته ليفاجأ بسيارة بسيطة لا يتعدى ثمنها أضواء سيارته الفاخرة لتنطلق فرامله بصوت صفير مخيف يشبه أصوات صفارات الإنذار عند الغارات الجوية في الحروب .

قفزت النساء على الشبابيك وتعوذ الشيوخ من الشيطان الرجيم وهرول الرجال والصبية إلى مكان ذلك الصوت المريع ليجدوا جدالا قد بدأ بعبارة انطلقت من سائق السيارة البسيطة لم تحمل في طياتها أية شتائم أو ألفاظا بذيئة بل كان عتابا ضعيفا فيه رائحة الهزيمة والإنكسار ويعتريه الخوف والجزع من مصيبة نجا منها بأعجوبة فقال : ( أنت تسير في إتجاه ممنوع ألم تلاحظ الإشارة ) ، فما كان من ذلك المتغطرس إلا أن نظر إليه بازدراء ولم تكن بالطبع لديه أية نوايا محتملة بالاعتذار ليزداد قسوة وغلاظة ويقول بكل استهزاء : ( خالفني يا سيدي ) .

( خالفني يا سيدي ) أصبحت تحية يلقيها أصحاب الثروات والنفوذ والسلطة في وجوه البسطاء في كل يوم آلاف المرات .

( خالفني يا سيدي ) تدل على عودة قاعدة الدم الأزرق في هذه الأيام ، فمن الذي يجرؤ على محاسبة أصحاب تلك العبارة إذا أزهقوا الأرواح وسفكوا الدماء ؟

( خالفني يا سيدي ) هي تحية من يعيث في الأرض فسادا ولايجد من يردعه ، هي تحية قوانين الغابة التي تفرض من قبل الحيوانات المفترسة ، هي جملة توكيد لفظي ومعنوي على هدر كرامة الإنسان وإذلاله دون وجود رقيب أو حسيب .

إن مخالفة القوانين والأنظمة في المجتمع هي مما لاشك فيه ثقافة متأصلة في عقل المواطن العربي إلا من رحم ربي ولكن هذه الثقافة دائما تزداد متانة وصلابة عند غياب العقاب الفعال الذي يحد من تلك السلوكيات ويساهم في القضاء عليها بشكل كبير .

المشكلة أن البسطاء من المواطنين في الدول العربية إذا حاول أحدهم التلاعب أو التحايل على القوانين والأنظمة تجد أن أشد العقوبات وأقساها ستحل به ولن يرحمه أحد وأنا لست ضد معاقبة المذنب ولكن هل هذا العقاب يطبق على جميع الأفراد في المجتمعات العربية بنفس الطريقة ؟ لربما اكتفيت بوضع علامة استفهام واحدة ولكن في الواقع هذا التساؤل يتطلب العديد من علامات الاستفهام .

قاعدة ( القانون فوق الجميع ) ليست مطبقة في العالم العربي بل القاعدة الأصح هي ( القانون فوق الضعيف فقط ) فصاحب النفوذ والسلطة والمال لا يجد من يردعه عن أي فعل قد يرتكبه هو أو أحد أفراد عائلته والأمثلة في هذا الصدد عديدة ولاحصر لها مما يتسبب بزيادة غطرسة وتكبر وغرور هذه الفئة من المجتمع وكما يقولون في الأمثال ( قالوا لفرعون إيش فرعنك قال مالقيت حدا يردني ) .

ولذلك ستبقى عبارة ( خالفني يا سيدي ) هي العبارة السائدة في هذا الزمن حتى يأتي من يطبق عبارة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال : ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) .

Followers

Pageviews Last 7 Days