فحولة لا تهوى إلا الأطفال

في الطريق المؤدي إلى هاوية الفراق ، كانت عيون (( ناصر )) تنظران نظرتهما الأخيرة على شقيقته ورفيقة طفولته البريئة (( سناء )) وهي تخلع رداء عذرية أنوثتها بمناسبة إكمالها عامها الخامس عشر ، فقد صدرت الأحكام العرفية من جدتها التي لايوجد في قراراتها أنصاف حلول ليتم اغتصاب (( سناء )).. عفوا.. تزويجها من رجل الأعمال المعروف (( الباشا )) الذي كان يبحث عن طفلة جديدة ..عفوا.. عن عروس جديدة يكمل معها نصاب فحولته للمرة الرابعة وليحتفل معها بعيد ميلاده الخامس والخمسين ويتخلص من أرقه في رؤية تلك الخانة الفارغة من دفتر عائلته بعد أن يضيف صورة حفيدته .. عفوا .. ابنته .. عفوا .. زوجته الرابعة التي سيتزوجها وهو مطمئن أنه لم يقبلها من فمها إلا أمها .

رحلت (( سناء )) وظل (( ناصر )) يصارع وحشة الألم ولوعة الفراق على رحيل شقيقته وتؤام روحه ، فلم يجد له من رفيق في تلك الرحلة المؤلمة سوى الكتب الدراسية التي بدأ يلتهمها بشراهة وشراسة على أمل تحقيق الحلم الذي كانت (( سناء )) تتمنى دائما ببراءة تحقيقه عندما كانت تقول : (( بس أكبر بدي أصير دكتورة )) ، فقرر (( ناصر )) أن يحقق ذلك الحلم ويهديه إلى شقيقته التي سلب منها (( الباشا )) كل أحلامها الوردية التي تلاشت وذهبت أدراج الرياح بمجرد أن وطأت قدماها أعتاب بيته .

وبعد مرور عام واحد كان (( ناصر )) يطالع الصحيفة اليومية بحثا عن اسمه في قوائم المقبولين لكلية الطب ، فاستوقفه خبر منشور في الصفحة الرئيسة يتحدث عن مسودة قانون جديد للأحوال الشخصية يسمح بتزويج الفتيات قبل بلوغهن الخامسة عشر من عمرهن ، فتذكر (( ناصر )) أخته (( سناء )) وترقرقت الدموع في عيونه التي أوقف استمرار هطولها جرس الهاتف الذي جاء ليعلن عن أنباء استعداد (( سناء )) لمغادرة بيت (( الباشا )) ، ففرح (( ناصر )) ولم يصدق ما كان يسمعه ومالبث أن بدأ يصرخ ويغني بكل سعادة قائلا : (( آه كم اشتقتك يا سناء سنلتقي أخيرا ونجتمع من جديد )) ولكن في تلك اللحظة تحديدا أوقفت خادمة منزل (( الباشا )) أفراح (( ناصر )) لتحولها إلى أتراح بعد أن قالت له أن ((سناء)) لن تتمكن من الحضور إلى منزل والدها ، فذهل (( ناصر )) وبدأ بالصياح والاستفسار عن السبب ، فروت له الخادمة ما حدث (( لسناء )) .

كانت (( سناء )) تستعد للذهاب إلى مستشفى الأمراض العقلية ليتم علاجها من نوبات الخوف والفزع التي كانت تصيبها كلما جاء ليل الأثنين والأربعاء من كل أسبوع وهو الموعد الذي كان محددا لها في أجندة فحولة (( الباشا )) .
فما كان من (( ناصر )) إلا أن أطلق تلك الصرخة المدوية ليعلن بها الثورة على أصحاب العقول المتحجرة التي تستبيح لنفسها القضاء على مستقبل الأجيال القادمة بحجة حمايتهم والخوف على مصلحتهم ورسم مستقبل مشرق لهم .

Followers

Pageviews Last 7 Days