النبتة التي لاتثمر لا تسكت الجوع

في الأيام القليلة الماضية تعلمت درسا جديدا في مدرسة الحياة التي لا تتوقف عن فرض دروسها علينا ولا تتورع في إشباع لذتها من خلال المباهاة والإستعراض بعجزنا أمام أحداثها المفاجئة وغير المتوقعة .

ومما لاشك فيه أن تجربتي الأخيرة علمتني أن عمل الخير لاتكفي فيه المحاولة فقط ليتم الإعتراف به من قبل الآخرين ، بل لا بد أن تكون المحصلة النهائية لتلك المحاولات تخدم حاجات الآخرين بالطريقة التي يتوقعونها .

إنني أؤمن كثيرا بمقولة (( أن إرضاء الناس غاية لا تدرك )) ولكن كنت أعتقد أن مجرد المحاولة في تقديم الخير ضمن الإمكانات التي تكون في أغلب الأحيان محدودة جدا قد تساهم ولو بشكل بسيط بإرضاء الآخرين وليس بسخطهم .

لذلك أعتقد أن أي شخص يحاول عمل الخير ولاينجح في حصد ثمار ذلك العمل بالشكل المطلوب الذي يحقق نسبة الرضا العالية لدى الطرف الآخر فمن الأفضل أن لايفصح عن محاولاته تلك لأنها لن تسعد ذلك الشخص ولن يتم في أي حال من الأحوال تقدير صنيع المحاولة الجادة لذلك العمل وتوفر صفاء النية عند التطبيق بل سيكون السخط وعدم الرضا هما النتيجة الحتمية وعليه فمن الأفضل العمل بصمت لغاية قطف ثمار النتائج ، فالنبتة التي لا تثمر لاتسكت الجوع .

أنا أعتقد أنه لابد من تقييم القدرات الذاتية قبل محاولة الإقدام على عمل الخير لأن العواطف وحدها لاتكفي فإذا كان العمل خارج نطاق القدرات فليس هنالك من ضرورة لتكبد عناء المحاولة لأن نتيجة الفشل في مثل هذه الحالات ستسبب مزيدا من الألم واليأس والإحباط وفي أغلب الأحيان السخط للشخص الذي كان ينتظر تلك المساعدة .

الحقيقة المؤلمة أن الضعيف ليس بامكانه مساعدة الضعفاء أمثاله ولذلك فأنا أستغرب من طريقة تفكيري في بعض الأحيان وعنادي الذي لايجدي أية منفعة في تقديم المساعدة لغيري وأنا أساسا في أشد الحاجة لمن يمد لي يد العون والمساعدة .

أنا لا أنكر أبدا أنني أشعر بالخجل الشديد في رد أي شخص يقف على بابي يطلب المساعدة في أمر ما ، ولكن أنا أعترف الآن أنني كنت على خطأ وأن الصواب هو الأعتراف بعدم القدرة على تقديم تلك الخدمة في حال قصوري الفعلي عن تحقيقها .

التضحية والإيثار لا بد أن يرتبطان بالتفكير المنطقي والعقلاني عند التطبيق ، فمن غير المعقول أن يتم إطلاق عبارات الطمأنينة لشخص يلوذ إليك على أمل أن تجد له فرصة عمل وأنت أساسا قد تفقد وظيفتك وتجلس في المنزل في أية لحظة ، ومن غير المعقول أيضا أن تتكفل بدفع إيجار منزل أحد أقاربك وأنت تعاني من أزمة اقتصادية تجهل نتائجها المستقبلية على وضعك المالي .

ولابد من الإشارة أيضا أن الاعتراف بعدم القدرة على تقديم المشورة لشخص يعاني من مشكلة ما ، أفضل بكثير من تقديم مشورة خاطئة لن تساعد على حل تلك المشكلة بل قد تتسبب في تفاقمها أكثر ، فمثلا تجد بعض الأشخاص يعاني من مشكلة مع زوجته أو خطيبته فيتوجه إلى صديقه الأعزب بحثا عن الحل وبكل أسف تجد ذلك الصديق غير المجرب يسارع في تقديم النصائح والتوجيهات عن غير دراية بخصوصية تلك العلاقات ولكن لكي لا يرد صديقه خائبا ولايغضبه إذا أخبره بأنه ليس لديه المعرفة والخبرة في التعامل مع تلك المواقف التي لم يجربها في يوم من الأيام .

أنا لست أدعو للتمرد على الإقدام في عمل الخير وتقديم المعونة والمساعدة للآخرين ولكني أدعو لعدم الشعور بالخجل والجرأة في قول الحقيقة وعدم اعتبارها انتقاصا من هيبة الشخص في حال عدم توفر القدرة اللازمة لتحقيق المساعدة فهذا أفضل بكثير من مغامرة المحاولة التي لن تلقى في النهاية سوى اللوم والعتاب والسخط وعدم الرضا من الآخرين لأن الحكم يأتي دائما على النتيجة وليس على المحاولات المبذولة والجهود المتواصلة لتحقيقها ، كمن يحاول حل مسألة رياضية في امتحان فإذا كان الجواب النهائي غير صحيح فلن يحصل على أية علامات عليها .

Followers

Pageviews Last 7 Days