السعادة المؤلمة

عاشق مجنون ليس مدرجا في صفحات أيام هذا الزمان ، يتذكر قول سيدة الأدب العربي أحلام المستغانمي عندما قالت (( الحب يجلس دائما على غير الكرسي الذي نتوقعه ، تماما بمحاذاة ما نتوقعه حبا )) ، وهذا ما حدث معه بعد عصور جفت فيها أقلام نبضات قلبه عن الخفقان ، لا تسعفه حروف كلماته التي ما فارقها القحط والجفاف لتقارع أمواج حروف كلماتها التي فجرت صخور شواطئه الصامتة عن الاعتراف بلذة العشق الأبدي .

كان يؤمن دائما بالمثل الذي يقول : (( مفتاح باب قلب الرجل في عيونه أما المرأة ففي أذنيها )) ، ولكنه اكتشف أنه عشقها قبل أن يراها ، ليثبت لنفسه بذلك أنه عاشق الكلمات وليس عاشق الأجساد ، لم يكن مهتما للتفاصيل ولم تجذبه أنوثة قد تقاسمتها في لون عيونها أو سحر ابتسامتها أو رشاقة جسدها مع الأخريات ، بل كان مسافرا في بحور كلماتها العميقة الأثر على عقله وفؤاده ووجدانه .

لم تعد تعنيه قصيدة عملاق الشعر نزار قباني التي التصقت بذاكرته منذ زمن بعيد وارتبطت مع كل فنجان قهوة يحتسيه ، فحبيبة قلبه أصبح لها أرض ووطن وعنوان ، واقتنع تماما أن امرأة واحدة قد تغدو هي الدنيا وليس كما كان يقال في الأفلام أن امرأة واحدة لا تكفي ، استسلم تماما لتلك الأقدار التي قادته إليها دون تخطيط مسبق وبدون أية مقدمات أو إعلانات استثنائية توهم متلقيها بتميز ما تدعو له في حين أنها لا تكون كذلك أبدا .

ماهو سر تلك الرسائل الخفية التي كانت مختبئة وراء حروف كلماتها ؟ تلك التي أشعلت فتيل ذلك العشق المجنون في فؤاده الذي اعتراه الرماد الداكن الكئيب بعد أن اتخذ قرار الإعتزال عن ممارسة طقوس العشاق و اقتنع تماما بفشل كل محاولاته الماضية في العثور على ذلك العشق الأسطوري الذي لا تتعدى حدوده الأقليمية الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال .

هي أنثى تتقن تماما وضع السكر في كل ما تقول وبذات الوقت لديها موهبة فطرية في نزع الملح من كل ما يقوله لها ، ترفض الوقوف في الأماكن الرمادية ويفصل بين حروف كلماتها دائما أدوات جزم يذوب فيها أية احتمالات لمعاني الشك والريبة في صدق أحاسيسها عند الحديث .

هي أنثى ترفض تماما مقولة (( أن أقصر طريق لقلب الرجل هي معدته )) ولا تبذل مجهودا في إقناعه دائما أن سحر كلماتها هي طعامه وشرابه وغذاء روحه التي يتوجب أن يترفع بها عن كل ملذات جسده البالية ، دائما كانت لديها قدرة خارقة في التحكم بمشاريع أحلامه المحتملة وبث هيمنتها في فرض كل التفاصيل فيها كما يحلو لها وهو ماكان يملك سوى الإذعان والخضوع الجميل في رسم تلك التفاصيل والأحداث دون أن تبادره أية وسوسات متمردة في الخربشة على لوحات تلك الأحلام الوردية .

وفجأة يوقظه صوت الهاتف من سباته العميق ليجد نفسه أمام التلفاز لا يزال يشاهد تلك الندوة التي تناقش نشأة علم غسيل عقل المواطن العربي وأسباب تقدمه وازدهاره على مر العصور .

Followers

Pageviews Last 7 Days