إلى آدم : هكذا تريد عروسك ؟

التقيت قبل عدة أيام بصديقي العزيز (( آدم )) والذي كان يشبه إلى حد التطابق الممثل الأمريكي الوسيم (( توم كروز )) ، وما أن تعانقت أكفنا لتبادل السلام ، حتى شعرت بوخزة جسم معدني صلب تداعب أصابع يدي ، فضغطت وبشكل لا إرادي على كف يده ورفعتها عاليا ، فداهمني ذلك البريق الذهبي الذي كان يتوهج على طول محيط إصبع يده كتوهج الشمس في ظهيرة يوم صيفي ، وإنني ومن فرط دهشتي لم أشعر بأصابع يده التي بدأت تحاول يائسة التخلص من كف يدي ، كتلك المحاولة اليائسة لغزال بري اصطاده للتو نمر جائع ، مما دفع (( آدم )) لندائي مستغيثا أن أترك يده التي بدأت العروق تظهر فيها كأشجار امتدت غصونها بشكل عشوائي ، فاستيقظت حينها من غفوة دهشتي مذعورا كتلميذ اعتاد النوم في حصصه المدرسية ، وسحبت كفي من كفه الذي فاض عرقا كزجاج سيارة استقبلت رذاذ المطر بمساحات معطله .

ابتسم (( آدم )) محاولا التهدئة من روع إندهاشي ، فهو يدرك تماما معرفتي المسبقة بمواقفه التي ترفض مؤسسة الزواج وإيثاره لحياة العزوبية والتنقل بحرية بين أذرع النساء كعصفور شقي يتمكن من الهرب في كل مرة من كمين ذلك القفص الذي لم يقتنع يوما بأنه ذهبي .

اندفعت نحوه جملي المنتهية بعلامات الإستفهام والتعجب لمعرفة سبب ارتباطه المفاجىء ، كاندفاع طفل يركض صوب أبيه العائد من رحلة عمل طويلة مطالبا أياه بإجابات سريعة عن طبيعة الهدايا التي أحضرها ، فربت (( آدم )) كتفي بلمسة دافئة لم أشعر بها قط من خلال معرفتي القديمة بأطرافه التي كانت دوما متجلدة من كل الأحاسيس والعواطف ، وخاطبني بصوت بالكاد أسمعه وأنا الذي كنت دائما أطالبه في الماضي بخفض صوته الجهوري الغليظ كلما بدأنا نتجاذب أطراف الحديث ، فقال لي : (( أخيرا وجدت فتاة أحلامي يا صديقي )) .

فنظرت إليه باندهاش مجددا وقلت له بنبرة لا تخلو من التهكم والسخرية : (( و ما هي مواصفات تلك الفتاة التي تمكنت أخيرا من إدخالك للقفص الذي هربت منه طويلا ولم تقتنع يوما بقدرتك على العيش فيه ؟ )) .

فقال لي : (( ما جذبني إليها هو عدم انتمائها مطلقا لهذا الزمان )) .

فقلت له : (( أرجو أن توضح أكثر )) .

فقال : (( أنها فتاة رائعة بكل المقاييس ، فهي دائما تسعى لاكتساب مودتي و محبتي ، وتحرص على تجنب العبور من أية دروب قد تؤدي إلى غضبي ، تشعرني دائما بحاجتها إلي ، قليلة الشكوى والتذمر حتى عند تقصيري بحقوقها ، لديها ذكاء من طراز رفيع في إعادتي إلى مسار واجباتي نحوها من خلال معاتبة عاطفية تصهر من شدة حرارتها كل صخور إهمالي التي تكون قد تجمعت على شواطىء أيامنا بفعل أمواج ظروف تكون خارج سيطرتنا في معظم الأحيان )) .

صمت لثوان لم أتمكن من احتسابها واستطرد قائلا : (( عندما تقدمت لخطبتها لم تملي عليا أية شروط مادية ، فأصرت على أن يكون مهرها دينارا ورقيا أخضر اللون وليس من الذهب الخالص ، ورفضت أن تحدد السقف الأدنى لقيمة المجوهرات التي لابد من شرائها ، بل إنها كانت تود الإكتفاء بخاتم فقط ، حتى أنها عرضت عليا أن نقيم حفلة الخطوبة والزفاف بالتناوب بين منزلي أهلها وأهلي وكانت حجتها بذلك أن تلك النفقات من الأولى أن ندخرها لأيام قد تكون حالكة السواد في المستقبل القريب ، ولم تسألني أبدا أسئلة جغرافية عن طبيعة المكان الذي سنسكن فيه ولم تكترث أبدا بتصنيف تلك السكنى بين ملك أو إيجار ، بل إنها ومن فرط محبتها لي وإيمانها بقدراتي وثقتها بأنني قد يكون لي شأن عظيم في المستقبل ، استأذنتني لتحدث والدها لكي يدعمني ماديا في تجارتي التي لا تزال في مراحلها الأولى ، وأكدت لي حفاظا ومراعاة على كرامتي وعزة نفسي بأن تلك الأموال ستكون دينا قابلا للاسترداد بمجرد نضوج تجارتي وازدهارها )) .

في الواقع كنت أستمع له والشكوك تحوم في عقلي كالنسر قبل انقضاضه على الفريسة ، فقررت أن أبادره بهجوم سريع من خلال مخالب أسئلتي لأمزق سعادته ونشوته المفرطة بهذه العروس التي بدأت أتمنى حقا لو كانت عروسي .

- فقلت له : (( هل هي جميلة ؟ )) .
- فأجاب : (( أجمل من القمر في ليلة اكتماله )) .
- (( أعذرني يا صديقي آدم على هذا السؤال ولكن أهي عذراء ؟ )) .
- (( نعم ولم يقبلها من فمها إلا والدتها )) .
- (( أهي متعلمة ؟ )) .
- (( حاصلة على الشهادة الجامعية الأولى وقريبا ستمنح درجة الماجستير )) .
- (( وماذا عن ثقافتها ؟ )) .
- (( بحر واسع في مختلف العلوم والآداب والمعارف ومكتبة بيتها تصلح أن تكون مكتبة عامة )) .
- (( وما رأيها بالمساواة بين الرجل والمرأة ؟ )) .
- (( قاعدتها الثابتة في هذا الموضوع بأن المرأة هي ظل الرجل تتبعه ولاتقوده )) .
- (( ولكن أليس في ذلك تناقض كبير وأنت أقل شأنا منها في العلم والثقافة و الثروة ؟ )) .
- (( هي لا تكترث لكل ذلك لأنها وجدت معي الراحة والأمان والحب وهذا هو ماكانت تبحث عنه طوال حياتها )) .
- (( ولكن ما هو طبيعة عملها ؟ )) .
- (( والدها أنشأ لها مشروع دار حضانة للأطفال قبل عدة سنوات ولكنها وبمجرد زواجنا ستعين مديرة للحضانة لتتفرغ لبيت الزوجية وستكتفي بالاشراف على الحضانة بين الفينة والأخرى ، فهي تخشى أن يؤثر عملها على أنوثتها التي تود الحفاظ عليها دائما بأبهى صورها ، فهي تغار عليا كثيرا )) .
- (( وماذا عن أحلامها وطموحاتها ؟ ))
- (( أحلامها وطموحاتها يا صديقي تتلخص في محاربة الأنانية وحب الذات ، فهي وهبت نفسها لخدمة الأطفال الفقراء والمساكين ومساعدتهم على العيش الكريم ، وليست مهتمة أبدا لتقلد مناصب في شركات خاصة لتخدم ملاكها البرجوازيين ، فذلك لن يجعلها تشعر بالفخر أبدا ولن يؤدي بها لما تصبو إليه من تحقيق ذاتها المجبولة على التضحية والإيثار )) .

لم أجد نفسي بعد سماع كل هذا الكلام إلا وأنا أتوسل (( لآدم )) وأرجوه إن كان لعروسه شقيقة كي أتقدم لخطبتها فورا ولكن صوتي عندما تحدثت كان أشبه بهتاف جماهير عريضة في مباراة لكرة القدم ، فنظرت خلفي لأجد حشودا هائلة من الشباب الذين تجمعوا خلفي واستمعوا لحديثي مع (( آدم )) .

فضحك (( آدم )) ملء فمه ونظر إلينا بازدراء قائلا : (( كم أنتم ساذجون وهل هنالك من امرأة بمثل تلك المواصفات في هذا العصر )) .

ثم نظر إليا قائلا : (( هذا الخاتم لسائح أجنبي وقع منه في حافلتي قبل قليل وأنا في طريقي إلى الفندق لأسلمه أياه ، ولكن حقا أنت لا تتغير أبدا ، فأنا أتمكن دائما من جعلك تصدق حكاياتي الخيالية وبكل سهولة )) .

انفضت الجموع من حولي ونالني أنا و (( آدم )) من السب والشتم واللعن ما نالنا ، ولكنني تسمرت في مكاني وسافرت بعيدا في خيالي وحلمت بيوم أجد فيه (( حوائي )) بمثل هذه الموصفات .

Followers

Pageviews Last 7 Days