منصة الأحلام

فوق منصة أحلامي الكبيره ، تراقصت أمنياتي دون توقف ، وكانت تلك الأمنيات دوما قبل دخولها لصالة العرض ، تسترق النظر من وراء الستار ، لتشحذ عزيمتها بمشاهدة الحشود الهائلة من الزوار ، ولكنها وعلى الرغم من محاولاتها لتعلم كل فنون الرقص من (( شرقي ولاتيني وفالس )) ، إلا أن الجماهير كانت دائما تفتح بداية كل عرض ، بإلقاء الطماطم في وجهها ، لتعلن استهجانها واستياءها من رداءة أداء تلك الأمنيات في تحقيق أي حلم على أرض الواقع .

ملاحظة : (( في آخر عرض فاشل لأمنياتي ، استخدم الجماهير البطاطا عوضا عن الطماطم بعد اختفائها من الأسواق )) .

الرقصة الأولى كانت في المجال الرياضي ، فحلمت في بداية طفولتي المبكرة أن أصبح (( كبروسلي أو جاكي شان أو فان دام )) وتماديت في الأحلام بعدها إلى نجوم (( هوليوود )) فتمنيت لو أكون (( كآرنولد شوازنجر أو سلفستر ستالون )) ، ثم مالبثت أن انجذبت لألعاب القوى وسحرني مشاهدة العدائيين في البطولات العالمية ولأنني كنت دائما أسرع شخص في الجري السريع بين أقراني ، تمنيت لو أصبح أسرع رجل في العالم وأنال شهرة (( بن جونسون أو كارل لويس )) ، ولكنني وبعد مشاهدتي لبطولة كأس العالم بكرة القدم في عام (( 1994 )) وقعت في حب اللاعب البرازيلي (( روماريو )) وتمنيت أن أكون مثله ، وبعد أن تجاوزت السابعة عشرة من عمري كان عصر التكنولوجيا قد بدأ يجتاح حياتنا بسرعة فائقة ، فبدأت أسطح المنازل تختلف معالمها رويدا رويدا ، لتختفي أعمدة (( الانتين )) التي كانت تمكننا في أحسن الأحوال من مشاهدة سبع محطات تلفازية ويحل مكانها أطباق لاقطة ، سافرت معها أمنياتي وأبحرت في فلك محطاتها التي لاتعد ولاتحصى لأقع في حب رياضة ((السنوكر )) فبدأت أطلق العنان لخيالي وحلمت أنني أقف هناك في مدينة (( شيفيلد )) الإنجليزية ، أنافس أبطال العالم في تلك اللعبة التي يفاخر الإنجليز بمن يتقنها بعكس مايحدث في مجتمعنا تماما ، فمن يمارس تلك اللعبة يعتبر من (( أصحاب الأسبقيات الإجراميه )) ، فأضعت من عمر طفولتي ومراهقتي سنوات وسنوات مابين ممارسة كل تلك الأنواع من الرياضات ، ولكنني فشلت في أول نزال لي عند محاولة ترجمتها إلى واقع وخرجت أجر ورائي أذيال هزيمتي وفشلي في تلك الرقصة التي لم أتقن فنونها الأساسية .

بدأت قصتي مع تعلم الرقصة الثانية في عامي الجامعي الأول ، وتحديدا بعد سماعي لرائعة قيصر الغناء العربي كاظم الساهر (( أنا وليلى )) ، فعشقت الشعر وتمنيت أن أرسم بالكلمات أجمل اللوحات ، فبدأت ألتهم دواوين الشعراء في مختلف العصور ، وتعلمت نظم القوافي وتقطيعها على مختلف البحور ، فحلمت تارة أني أنازل (( امرؤ القيس )) في سوق عكاظ ، وأنني أتسابق تارة مع (( المتنبي )) في انتزاع محبة (( سيف الدولة الحمداني )) ، بل وأنني تمكنت من الانتصار على (( عمر بن ربيعه )) كمعشوق للنساء لا عاشق لهن ، ومضيت إلى زمن الشعر الحر وهزمت فحوله وعلى رأسهم (( نزار قباني )) ، إلا أنني وفي أول مسابقة للشعر في كليتي سقطت كأوراق الخريف مع أول عاصفة استهزاء وسخرية من لجنة التحكيم .

قررت في الرقصة الثالثة أن أبالغ في واقعية أحلامي وأمنياتي ، وأن أتقن علم المحاسبة الذي اخترته كمهنة أقتات منها رغيف أيام حياتي ، ولكنني سرعان ماعدت إلى عادتي السيئة في محاولة اتقان رقصة جديدة لأكون عالما مرموقا ومشهورا في جامعة (( إلينوي الأمريكية )) ، فقضيت أياما طويلة في إعداد أطروحة غير مسبوقة ، تذهل أساتذتي الجامعيين ، فيرشحونني إلى بعثة أستكمل من خلالها دراساتي العليا في جامعة أحلامي ، ولكن كما هي العادة مع كل رقصاتي الفاشلة ، اتهمني أحد الأساتذة بأنني عار على أن أكون قدوة للأجيال من بعدي ، وخرجت مهزوما لا أملك سوى مرارة الإحباط والفشل .

والآن قررت أن أرغم نفسي على التنحي من فوق منصة الأحلام ، وسأحاول العودة إلى صفوف الجماهير ، وسأبدأ بشراء البطاطا ، وسأستمتع برميها في وجه كل عرض لأمنياتي فوق منصة الأحلام ، فهواة الرقص الذين هم على شاكلة أمنياتي لا تكفيهم بلاغة التعبير في وصف تفاصيل تحقيق الأحلام لكي يدخلوا عالم الاحتراف من أوسع أبوابه ، بل لابد أن يتم حقنهم بمنشطات الإرادة والعزيمة والصبر لإكمال طريق الخروج من صحراء الواقع إلى رياض جناتها الخضراء ، ولكن يبقى السؤال المحير : (( أين تباع تلك المنشطات ؟ )) .

Followers

Pageviews Last 7 Days