صورة حبيب الماضي المزيفة

بينما كان يجري جولته التفقدية المعتادة على صفحته في موقع التواصل الإجتماعي الأول على الشبكة العنكبوتية (( الفيس بوك )) لاحظ وجود رسالة في بريده الخاص تحمل توقيع فتاة يبدو من حروف اسمها أنها (( بولنديه )) .

وبالفعل كانت توقعاته في مكانها ، فلقد كانت الفتاة بولندية الأصل (( لندنية الإقامة )) ولم تتجاوز رسالتها الفقرة الواحده ، تحمل بين حروفها عرضا بمشروع تعارف وصداقه .

لم يشعر كثيرا بالاستغراب من تلك الرسالة ، والسبب هو عنوان إقامته الوهمي المعلن على بطاقة تعريف هويته في ذلك الموقع الالكتروني ، فهو يدعي أنه موجود في بولندا على الرغم من أنه لم يذهب مسبقا إليها ، ولكنه تعمد فعل ذلك على أمل إيجاد حبه الضائع من فتاة بولندية رحلت من حياته بسبب ظروف عائليه .

يجيب على فقرة رسالتها الواحدة بتساؤل واحد ، فيما إذا كانا يعرفان بعضهما البعض من قبل هذه الرساله ؟

فتكون إجابتها أن فضولا أصابها لمعرفة قصة تواجده في بولندا ، فيجيبها دون تردد أنه في مهمة بحث عن حبه الضائع ، فتتمادى في فضولها ليروي عليها تفاصيل تلك القصة بحذافيرها ، وتعرض عليه المساعدة في إيجادها من خلال بعض المواقع البولندية المتخصصة في التواصل الإجتماعي .

ولكن عدوى الفضول بدأت تدريجيا بالانتقال إليه لاستكشاف بعض التفاصيل المتعلقة بحياتها ، لتبدأ بعدها الرسائل تتراشق من هنا وهناك ، وليكتشف كلاهما مدى تشابه التجارب العاطفية السابقة التي كانت في حياتهما ، فهي كانت تحب شابا عربيا كذلك خلال سنوات دراستها الأولى في (( انجلترا )) ولاتلبث مع مرور الوقت بالإفصاح له عن كل تفاصيل تلك العلاقة وكيف كانت نهايتها بسبب اختلافات الثقافات والعادات والتقاليد التي أحدثت الشرخ الذي أطاح بذلك الحب من جذوره .

مع مرور الوقت والأيام أصبح كل منهما يرى في الآخر مرآة معكوسة لصورة الحبيب السابق ، واسترسلا في خيالهما معتقدان أنهما يعيشان علاقات حبهما الضائعة من جديد ، إلا أن الاختلافات سرعان ما بدأت بالظهور ولم تكن في العادات والثقافات فقط ، بل كانت أيضا بالشخصيات التي لم يكفي فيها تطابق جنسية حبيب الحاضر ليكون صورة طبق الأصل عن حبيب الماضي .

وهكذا انتهت الحكاية بشكل سريع بعد أن اكتشف كلاهما أنه صورة مزيفة لحبيب الماضي الذي لن يعود .

ولكن التساؤل يبقى مطروحا في سلوكيات العديد من الأشخاص الذين يستمرون في البحث عن مواصفات تتشابه مع حبيب سابق سواء كان ذلك في الشكل أو المهنة أو الجنسية (( النشأة البيئية )) ، معتقدين أن التطابق في مثل هذه الأمور يضمن التطابق في الخصائص الشخصية من الداخل ويضمن كذلك التناغم الفكري الذي يكون قد حدث في السابق .

كثيرة هي الحالات التي نجد فيها أن شخصا كان يحب مضيفة طيران على سبيل المثال وبعد انفصالهما لا يبحث إلا عن مضيفة طيران أخرى ليرتبط بها ، أو فتاة كانت تحب طبيبا ولم يجمعهما النصيب في بيت واحد ، فتجدها وبشكل عفوي أو مقصود لا ترتبط بعدها إلا بطبيب آخر .

وعلى ذلك نستطيع القياس لكثير من الحالات الأخرى سواء في البحث عن ملامح شكلية متشابهة للحبيب السابق ، أو من خلال البحث عن أصول بيئية متطابقة تضمن تواجد نفس العادات والتقاليد في الحبيب الجديد ، فإذا كان الحبيب السابق أسمر البشرة فيبقى الإصرار في التجارب اللاحقة على الأسمر ولا أعتقد أنه من الممكن البحث عن رديف لذلك الحبيب من خلال شخص أشقر ، وكذلك فإذا كان الحبيب السابق من الريف فلن يتم البحث في التجربة اللاحقة عن حبيب من المدينة ، والحالة ذاتها تنطبق عند الحديث عن البيئات المتشابهة على مستوى الأقطار والبلاد .

ولكن لماذا لا يتجنب الأشخاص في أثناء بحثهم عن حب جديد تلك الخصائص المتشابهة للحب القديم ؟

ألا يعتبر فشل العلاقة السابقة مسوغا للبدء من جديد في علاقة يكون بطلها أو بطلتها على النقيض التام لمواصفات الحبيب السابق ؟

Followers

Pageviews Last 7 Days