قاعدة التاجر المفلس

(( التاجر بس يفلس بيرجع للدفاتر القديمة ))

عندما تغلق الحياة أبوابها في وجوهنا وتصدمنا بواقعها المختبىء وراء ستار أيام المستقبل ، نجد أنفسنا نهرب وبشكل لا إرادي للبحث عن ذكريات الماضي علّها تعيد لنا بعضا من الأمجاد التليدة التي كنا نتباهى بها .

وفي لحظة اجتياح مشاعر الضعف والانكسار ، يبدأ شريط ذكريات الإنسان بالعودة إلى المواطن التي كان يتسيّد بها نشوة أيام سارت في دوامة رياح رغباته كما كان يشتهي وأكثر .

فذلك عجوز يتحسر على أيام شبابه ، وذلك فقير معدم يفتقد أيامه الخوالي ونقوده التي تراقصت طويلا في جيوبه ، وهناك تتوقف أمام المرضى وهم يتأملون تاج الصحة على رؤوس الآخرين و يتذكرون أيام صحتهم وعافيتهم ويتمنون لو أنها تعود مجددا ، ولكن توقفك الطويل يكون أمام دعاء تلك الأنثى التي ذهبت إلى صلاة التراويح لأول مرة في حياتها بعدما بدأ العمر يهرول مسرعا بها دون زواج ، فهي تجاوزت الآن الثامنة والعشرين من عمرها وتشعر بندم شديد على ذلك الرجل الذي أصرت على رفضه في الماضي وتعذيبه بشتى الوسائل والأساليب بحجة أنه يتوجب عليه أن يجتهد في سبيل الوصول إليها ، فيكون بذلك جديرا بالارتباط بها .

القصة تعود جذورها إلى أكثر من عشرة أعوام عندما كان ذلك الشاب يتغيب عن المحاضرة الأخيرة في جدول دوامه الجامعي ، لكي يتمكن من رؤيتها وهي تغادر بوابة المدرسة التي كانت ستغادرها وإلى الأبد بعد عدة شهور ، فهي في السنة الدراسية الأخيرة و ليس لديها طموحات كبيرة في إكمال تعليمها الجامعي وتفضل فرصة ارتباط ذهبية مع رجل كامل الأوصاف المادية والعاطفية ، وكان ذلك الشاب بالفعل يرضي طموحات أحلامها العاطفية ولكنه لم ينجح بعد في اختبارات طموحاتها المادية .

وهي كانت تدرك تماما بمجرد النظر في عينيه أنه لن يبتعد عنها أبدا وسيستمر في ملاحقتها واستجداء موافقتها على الارتباط به ، ولكنها قررت وبدهاء أنثوي لا يخلو من المخاطره ، أن تتحدث مع هذا الشاب على الهاتف وتكتشف شخصيته أكثر وبذات الوقت لكي تتمكن من استدراجه في معرفة وضع عائلته المادي .

وبعد أن تمكنت من معرفة كل ماكان ينقصها من معلومات ، استنتجت أن هذا الشاب لن يرضي طموحاتها المادية ولذلك قررت أن لا تتكلم معه مجددا وأن تبتعد عن حياته وبدون سابق إنذار ، وتزامن قرارها هذا مع نتائج الثانوية العامة التي لم تؤهلها إلا لدخول معهد إداري لعلوم السكرتاريا .

سخرية المصادفات تقود ذلك الشاب إلى التواجد في شارع ذلك المعهد في يوم من الأيام ليشاهدها وهي تخرج من هناك ويعيد قصة انتظاره لرؤيتها مجددا بعد خروجها من بوابة المعهد كما كان ينتظرها في كل يوم أمام بوابة المدرسة .

ولكنها في هذه المرة لم تحاول أبدا النظر في عينيه لأنها مطمئنة لحبه وهيامه المطلق بها ، وبذات الوقت فهي تجد في المعهد بعض الزملاء الذين قد يتمكنون من إرضاء متطلباتها المادية والعاطفية معا ، ولذلك فهي لن تغامر مجددا بالتحدث مع ذلك الشاب بل ستكتفي بوقوفه منتظرا أمام البوابات وستبدأ هي رحلتها في البحث عن رجل بأبعاد ثنائية متناسبة مع طموحاتها .

الشاب عاجز عن فك رموز سلوكياتها الغريبة معه ولكنه قرر أن يتخذ الخطوة الحاسمة ويتقدم لخطبتها ومع أنه كان لايزال على مقاعد الدراسية الجامعية ، إلا أن أمنياته البريئة جعلته يعتقد أنها ستفرح بتلك الخطوة وتتأكد من صدق مشاعره ومحبته لها ، ولكن والدته وبكل أسف عادت وهي تحمل وراء ظهرها إجابة الرفض وحاولت أن تراوغ ولدها كثيرا في معرفة تلك الحقيقة خوفا من الحزن الذي سيصيبه إذا علم بأنها ترفضه ، إلا أن مرور الوقت والأيام دون قدوم والدتها لزيارة محتملة لوالدته كانت كفيلة بمعرفته للحقيقة .

خمسة أعوام تمضي فيلتقيان مجددا في ( سوبرماركت ) ، هي تعمل فيه كأمينة صندوق وهو أصبح موظف في بنك مرموق ، هي لاتزال دون زواج ، وهو قد تزوج وأصبح لديه أولاد .

تفرح برؤيته وتشكر رب العالمين الذي استجاب لدعواتها في صلاة التراويح ، تتظاهر أمام الشاب بأنها كانت تعتقد أنه خارج البلاد ، وهو ينظر لها ولايصدق مايرى ، فبعد كل الجفاء والرفض والمحاولات الفاشلة في الوصول إلى قلبها ، تعترف هي الآن وبكل بساطة أنها لم تتزوج لأنها كانت بانتظار عودته من السفر ، ولكنه يخبرها بحقيقة لم تكن تتوقعها ، في أنه قد تزوج وأصبح لديه أولاد ، فتنظر إليه نظرتها المعتادة وتقول له : (( أنتم الرجال لا تعرفون معنى الحب ، فلو كنت تحبني حقا كما كنت تتظاهر لما تزوجت أبدا غيري ، ولبذلت مجهودا أكبر في محاولاتك للوصول لي والإصرار على الإرتباط بي ، ولكنك لم تكن تحبني )) .

Followers

Pageviews Last 7 Days