ليس ساديا وليس ماسوشيا

ماذا كان يريد منها ؟ الحب ؟ المتعة أم النشوة ؟ أم أنه كان يود أن يثبت لها أن لا امرأة تعجزه إن أرادها لنفسه ؟ هي تساؤلات ليس بالضرورة الإجابة عنها ، فهي لم تتمكن من مواجهته إلا في لقاء عابر ، وهذا هو حال الكثير من النساء ، يتأرجحن دوما بين (( نعم ولا )) ، وبين اللحظة واللحظة تتغير عقولهن وأفكارهن ألف مره ، فتارة يعشقن بجنون ، وبالجنون ذاته يكرهن أيضا ، وفجأة ودون سابق إنذار قد يصرخن ، أو يبكين ، وربما سيضحكن ، أو يتألمن ، بل يحقدن أحيانا ، ويعتقدن أن من أحبهن بالأمس ، لاذ بالفرار عند أول ابتلاء أصاب علاقتهما ، وسيتهمنه بأنه لم يحارب من أجلهن ، تماما كما حدث مع رجل انتظر امرأة سبع سنوات وهي لا تزال ترفضه ، وعندما حل به اليأس وقرر الزواج من غيرها ، جاءته لاهثة لتتهمه بالكذب عليها ، فلو أحبها كما كان يدعي لما تزوج في حياته قط .

هو رجل ليس من عادته الحديث بكلمات تتسلل من باب اللغة الخلفي ، فلا يتردد في الإجابة عند النفي قائلا (( لست أدري )) ، ولا يهاب طرق الأبواب الأمامية حين يريد شيئا ، أو يهز رأسه بخجل فتاة بكر حين يعرض عليها الزواج ، إنه سفاح الكلمات القاطعة ، وهذا كان يستدعي إيجاد امرأة تطابقه في ذلك ، وأن يكون لديها من الجسارة والشجاعة ما يكفي لمواجهته في ميدان الحب .

القضية لم تكن في يوم اختلافا بين طبيعة الرجل والمرأة ، وليس صحيحا ما كان يدعيه (( جون غراي )) ، فهو لم يقطن المريخ أو الزهرة أو عطارد ، بل الجميع عاش وسيموت على كوكب الأرض ، ولكن المعضلة تكمن في طبيعة المجتمعات التي تأخذ سمات رمادية وضبابية ، فتجدهم مذبذبين ، لا إلى هؤلاء ينتمون ولا إلى هؤلاء ، وإذا ما تم تبسيط هذه العبارات على لسان رجل أو امرأة ، فذلك يعني (( أريد الحصول على كل شيء دون التضحية بجانب على حساب جانب آخر )) ، ولكن هل من الممكن حقا أن يتمكن المرء من حمل خمس بطيخات بيد واحده ؟

هو اليوم ليس نادما على أية علاقة عاطفية فاشلة ، ولكن ثمة تساؤلات لا تزال تحيره ويتمنى أن يجد لها إجابات مقنعة ، أولها مبدأ الفوز والخسارة ، هل حقا يكون الفائز من بادر بهجر حبيبه سواء كان رجلا أم امرأة ؟ وماذا يعني ذلك ؟ وما هو هذا الفوز ؟ وما هي تلك النشوة بالانتصار ؟ هل هناك من ينكر تفكير العديد من الناس بتلك الطريقة ؟

وثانيها مبدأ المبادرة في الحب ، فحين يتقرب الرجل من المرأة ، تعيش حالة من الزهو والكبرياء ، وتظل تؤكد لنفسها كم هي مرغوبة من الرجال ، وحين تزول عنها حالة النشوة بعد مطالبة الرجل لها أن تتقدم بخطوات جادة في درب الحب ، تهرب منه وتتوسله أن يتركها وشأنها ، وحين يسألها عن سبب هذا الانقلاب المباغت ، تدعي أنها لم تفكر فيه يوما وأنه من ظل يرواغ ويتلاعب بعقلها كي يجرها لمصيدة الحب ، ولو أنه بدءا ظل دهرا بعيدا عنها ولم يبادر إليها ، لظلت تحلم بقربه ليل نهار .

وثالثها مبدأ العقول غير المتكافئة ، فالمرأة تخشى الرجل الذي يهزمها بفكره ، وتبحث عن رجل تتلذذ بإغوائه حين تنطبق عليه شروط نقصان عقله ورجاحة قلبه أمامها ، وهنا المعادلة في غاية البساطة ، امرأة سادية ورجل ماسوشي ، وليس العكس أبدا ، فهذا عصر النساء ، وفي شتى المجالات ، فلماذا لا يكون عصرهم أيضا في علاقاتهم مع الرجال ، هم الآن الحلقة الأقوى ، شاء من شاء ، وأبى من أبى .

وبعد إدراكه لتلك المبادئ ، قرر أن ينوء بنفسه ويتجرد من كل العلاقات التي تربط الرجال بالنساء ، فهو ليس ساديا ، ولم يكن بكل الأحوال ماسوشيا ، بل إنه كان دوما يرفض اقتران كلمة العذاب بالحب ، ولا يجد أي لذة أو متعة في تلاقيهما ، فالحب إذا لم يجلب السعادة والسكينة للروح والقلب ، لا يكون إلا هراء ووهما ، تضيع فيه الأيام التي يعيشها المرء دون جدوى ، ويغادر بوابة الحياة وهو لا يزال يتحسر على ضياع ذلك السراب ، ولهذا عقد العزم على مواصلة حياته دون الحنين للنساء .

Followers

Pageviews Last 7 Days