شامك شامي يا أم الأولاد

على سرير يتهاوى كل ليلة بين أرقها وخوفها وقلقها ، وفوق وسادة تغرق فيها الأنفاس بسيل من عبراتها ، أضمها لصدري وأربت على رأسها بكفي التي ارتعشت أناملها ، وأداعب جدائلها كي تغفو ، فترجوني كالأطفال أن أروي لها حكاية قبل المنام ، وحين أخبرها أن حكايتنا ستكون عن الشام ، تنفرج أسارير محياها ، وتهز كتفي كي تعجل في فك عقدة لساني ، وهي تهتف بلكنتها الشامية المحببة لقلبي (( قولا بقى )) .

يا ابنة الفيحاء الأبية لا تحزني ، ولا تتنهدي بحسرة كلما ألفيت أزقة الشام العتيقة يغسلها الدم ، واصبري ولا تجزعي في كل يوم جمعة حين تأتيك أخبار الإنفجارات التي ابتدعها من لا يخشى الله في العباد ، فهي ستكون قاب قوسين أو أدنى من خطوات أبيك أو أخيك أو أمك ، وحينها فليستمر التطبيل والتزمير بين كل أطراف النزاع ، فهذا يريد كرسيا وذاك يرغب بالحفاظ عليه ، وآخر يود الانتقام لمن أهانه في وسائل الإعلام وسيدفع أمواله لكل متطوع سيجاهد في سبيل رد إعتبار مشيخته ، وآخرون سيدعون حرصهم على حقوق الإنسان وهم أكثر من سفكوا الدماء بأيديهم و أيدي حلفائهم في مشارق الأرض ومغاربها ، وجيران سيترقبون بشغف نشوب حرب أهلية كتلك التي حدثت يوما في لبنان ، وكل هؤلاء لا يدرون أن أهل الشام لا ينتمون إلا للشام ، لربوتها وساحاتها ، لمساجدها وكنائسها ، لأحيائها وأسواقها وحضارتها القديمة بقدم الإنسان .

أنا لست بعثيا ولا قوميا ، ولم أكن في يوم اشتراكيا أو ليبراليا ، وبكل الأحوال لست أيضا من الرأسماليين ، ولست منضما لجماعة الإخوان المسلمين ، أنا شخص يمقت كل التشريعات الوضعية التي خطتها أقلام البشر ، ولا أسمع أو أتكلم أو أرى إلا بكتاب رب العالمين حين قال : (( الفتنة أشد من القتل )) ، فكم هو عدد المتورطين في ذبح شامنا بتفرقتهم إلى شيع ومذاهب يترفع لساني عن ذكرها ؟ 

لك الله يا شام ، فهذه أمة اعتادت أن تذبح أبناءها لأسباب تتعلق بالخلافة والسلطنة والرئاسة ، ومن يشكك في هذا فليقرأ التاريخ بعد وفاة سيد الخلائق والبشر ، وليسأل الصديق و ذي النورين و أبا موسى وابن العاص ، وابن الزبير وابن مروان ، وخلفاء بني أمية وبني العباس ، وأبناء القسطنطينية و الحجاز وبلاد الشام ، والانقلابات العسكرية المتعاقبة بعدها ، وبلادنا مع كل هذا تظل على حالها تهوي في غياهب المذلة بين الأمم . 

ماذا أقول لك يا زوجتي الحبيبة ؟ أأقول تبا لهذا الربيع الذي يروي أيامه بالدماء ، كيف يمكنني أن أبعث في نفسك السكينة بعد كل كابوس يجتاحك في المنام ؟ وأنت تصرخين عاليا : (( أبي ... إمي ... أخي )) ، كيف أستطيع أن أرسم الابتسامة على شفتيك مجددا ؟ وشامك يقتتل عليها كتائب وجيوش نظامية وحرة ، وشيوخ من بلدان نفطية ، وشرذمة مرفهة تعيش في بلاد اوروبية ، بل إن شامك أصبحت ذريعة لاشتعال حرب عالمية ، يتنازع فيها النسر والدب والتنين  ، بعد تعميدها بالشمعدان السباعي ، فهنيئا لكم يا أمتي على خيبتكم وتضافروا في قتل بعضكم كما كان حالكم دائما منذ أيام الغساسنة والمناذرة ، فهؤلاء رفعوا راية الروم وهؤلاء رفعوا راية الفرس ، واليوم أنتم تعيدون الكرة ذاتها ، فعجبا من أمة لا تتعلم الدروس التي لم تتلقنها إلا بالدماء.  

الجميع أصبحوا مناضلين ومجاهدين ، وأولياء صالحين ، وسيرفعون راية مجد الأمة على جبل قاسيون ، فهم أصحاب ضمائر لا تفتأ ذكرا للحق ، وهم حريصون على حقوق الإنسان ، ويخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ، بل إنهم يرفضون الظلم والمذلة والمهانة لأي شعب على وجه الأرض ، ويقفون بالمرصاد لكل الجبارين والمتغطرسين ، فالإنسان في عقيدتهم أغلى ما يملكون ، وحرية البشر ديدنهم وقسطاسهم المستقيم ، ولكن قبل الخوض بصفاتهم الحميدة ، أتمنى أن يجيبوني عن تساؤلاتي التي تذرفها الدموع :

فكم من الأطفال سيموت بعد ؟ وكم من النساء ستنتهك أعراضها ؟ وكم من الشيوخ سيذبحون كالشاة الجرباء ؟ وكم ... وكم ... وكم أيها القتلة المجرمون ؟ 

نامي يا عزيزتي ، فلكل ظالم يوم قصاص ، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين رب العالمين حجاب ، وهذا هو إدراجي الذي أهديه لكل من تسبب في هدر دماء أبناء سوريا ، وأدعو العزيز الجبار أن ينتقم منهم ويذلهم ويخزيهم أجمعين . 

Followers

Pageviews Last 7 Days