أماه غني ... زغردي


قميصي ما قد من دبر ولا من قبل ، فلقد ادخرته ليوم كهذا ، خذوه لأمي ، وكفكفوا به دموع عينيها التي ابيضت وهي تنتظر عودتي ، وقولوا لها أن حلمها البارحة ما كان أضغاث أحلام ، فأنا بمشيئة الله تعالى قادم إليها ، وسأحطم قضبان سجونهم التي حجبت شمس لقائنا منذ ثلاثة عقود .

صبرك الجميل في غيابي سيكمل عدته ويرحل راضيا مرضيا ، فاخلعي ثوبك الاسود يا أمي وغني وزغردي وزيني باب الدار ، واشعلي الموقد لتطعميني بيديك ، ودقي البن بالهاون ، فكم أنا مشتاق لفنجان قهوتك يا أمي .

لا زلت أذكر يوم اعتقالي وكأنه حدث بالأمس ، ولازلت أذكر جسدك الذي حال بيني وبين أجسادهم المدججة بالسلاح ، ولازلت أسمع آهاتك وهم يدفعون بي مكبلا بأغلالهم خارج فناء الدار ، لم أتمكن ولأول مرة في حياتي من تلبية نداءك يا أمي وأنت بحرقة تصرخين : (( ولدي ... ولدي ... ولدي )) .

أعوام مضت وأنا في سجونهم ، وذاكرتي تتهالك فيها صور الزمن الجميل لأيام حريتي ، حتى كدت أنسى كيف يكون العالم خارج جدران السجن ، ولكن داء النسيان كانت تستقر أعراضه كلما تذكرت وجهك يا أمي وأنت تعدينني بالتضرع للرحمن بعودتي وأنت ساجدة في باحات المسجد الأقصى .

ابعثي بسلامي يا أمي لغزة هاشم ، وقبلي ثراها الذي ما استكان لطائراتهم ودباباتهم وبوارجهم الحربية ، فبرغم كل آلامها وجراحها ، ابتلعت شاليط في جوفها ورفضت أن تلفظه دون عتق رقابنا التي طال بها الأمد في الأسر .

انتظريني أماه فإن الغد لناظره لقريب ، ولكن أسألك بالله أن لا تبكي عندما تضميني لصدرك ، بل اضحكي وزغردي ، فولدك سيدخل بمشيئة الله تعالى آمنا إلى ذراعيك ، أما أمي الحبيبة فلسطين فلست أدري متى سيدخل أبناؤها المهجرون إلى ذراعيها آمنين ؟

هذا الإدراج إهداء ومباركة مني لعائلات الأسرى الفلسطينيين الذين سيتحررون من سجون الاحتلال الاسرائيلي بمشيئة الله تعالى ...

Followers

Pageviews Last 7 Days