ما أسهل الشفاء منك


ما الذي دفعه للبحث عنها ؟ هل كان حقا يود الاطمئنان عليها ؟ أم أنه كان يقنع نفسه بذلك كي يخفي حقيقة ضعف مقاومته إزاء الفضول الذي كاد يفتك به وهو يحاول عابثا تقصي الحقائق عن حالها في غيابه .

نعم لقد هجرته وبملء إرادتها ولم تتعثر خطواتها التي عقدت العزم على الرحيل بمطبات الحنين أو الاشتياق ، و اختارت لنفسها حياة لا تبدأ أو تنتهي بحروف اسمه ، فأضحت غير قابلة للإلتقاط وكأن رياح حضوره كانت تهب دوما في الإتجاه المعاكس لسارية قلبها .

ولكن كيف حدث هذا ؟ وقد كان قاب قوسين أو أدنى من تسجيل أوراقه الثبوتية لدى وزارة الحب ، فصفحات سيرته كانت زاخرة بالأيام التي مضت في حياته وهو يتعلم كل المناهج العاطفية التي تؤهله لحبها ، وعندما تجاوز كل الاختبارات الأولية لمشاعرها بنجاح ، إذ به يهوي عند الاختبار الأخير في وديان الفشل .

لعلها كانت تنتظر باحتراق قدومه إليها ، و لابد أنها غارقة في بحر الندم ، ولكن كبرياء الأنثى في داخلها يمنعها من البوح بذلك ، فهي بلا شك كسائر النساء (( يتمنعن وهن الراغبات )) .

وعلى وقود تلك الكلمات ، انطلقت به سفينة الأمل للقائها مجددا ، معتقدا أنها كانت تعد نجوم السماء في حضرة غيابه ، تماما كنساء البحارة عندما يجلسن في كل ليلة أمام نوافذهن المطلة على البحر أملا بعودة سفينة رجالهن .

وحين أزف اللقاء ، لم يلاحظ تورم عينيها من تعاقب ليالي السهر عليها وهي تنتظر عودته ، ولم يطرأ أي تغيير جذري على ملامحها وكأنها صورة فوتوغرافية ملصقة في متن وثيقة رسمية ، ومع هذا تجاهل برودها الواضح ، و ظل يقنع ذاته بنظرية كبرياء الأنثى ، وأنها ليست سوى محاولات عابثة لاحتراف هيئة اللامبالاة الزائفة .

لم يمهد الطريق لسؤاله الذي ينخر رأسه منذ رحيلها ، وذلك بمحاولة استدراجها بدءا بتساؤلات فرعية ، ظنا منه أن ذلك مدعاة لاضطرابها ، تماما كتلميذ فوجىء بعد دراسة مستفيضة ، بامتحان الاستاذ الذي جاء بسؤال من خارج المنهاج .

(( أتزالين مريضة بحبي ؟ )) بادرها بذلك السؤال وابتسامة صفراء ترتدي ملامحه الطاغية في ثقتها ، ولكن ضحكتها التي دوت المكان ، كانت كإعصار اقتلع أوتاد خيمة غروره ، لتجيبه وبمنتهى البرود : (( ما أسهل الشفاء منك )) .

Followers

Pageviews Last 7 Days