صخرة الأحلام

في فضاءات الآمال المستحيلة ، تخلع السماء رداءها الأسود ببطء متعمد ، و تتأمل مشجب الوقت ، وكأنها لا تدري إن كانت ستأوي إلى عتمة متداعية في ألوان ثياب أخرى ، أم أنها ستختار ثوبها الأزرق ، وتشرق فيها شمس الأمل المختبئة خلف الهضاب والجبال المتصدعة من خشية المجهول ، فالنور والظلام لا يجتمعان بل يتعاقبان .

لماذا كانت تداعبها تلك الهواجس في أثناء جلوسها أمام البحر ؟ لماذا كانت تذرف الدموع وتبتسم شفتيها في آن واحد ؟ هي تعلم تماما أنها تتنفس حبه وتعشقه بجنون ، ولكنها تدرك أيضا أن كل الدروب بينهما محكمة الإغلاق ، فهي لها عالمها وهو له عالمه ، لا تراه ولا يراها ، ولكن كلاهما يدري بأن الآخر موجود ، فهل هي أنسية وهو جان ؟ أم هي جنية وهو إنسان ؟

تبتعد عيونها مجددا إلى ما وراء الأفق الممتد لتمخر عباب البحر ، فماذا تراها تنتظر ؟ أتود أن تصل سفينته إلى ميناء لهفتها المحترقة لغيابه ؟ أم أنها تخشى أن يغرق شوقا قبل الوصول إليها ؟

وتعاود عيونها معانقة الأمواج المتلاطمة على الصخرة التي كانت قابعة عليها منذ ساعات ، وأسدلت قدميها مستسلمة لمياه البحر ، فتسارعت نبضات قلبها وتتابعت تنهيدات صدرها دون انقطاع ، وأصابتها قشعريرة عصية على التفسير ، وكأن أنامله هي من تداعب قدميها ، فأغمضت عينيها وبسطت كفيها وعانقت نسمات الهواء ، وبدأت تناديه وتستجدي حضوره إليها ، وأجزلته وعودا أن لا تتركه يغادر صدرها مهما حصل .

بدأت تسمع صوته وهو يهمس في أذنيها قائلا : (( كم يلزمني أن أقول لك أحبك كي تنامي قريرة العين ... كم يلزمني أن أقسم بحروف اسمك كي تطمئني أنني لن أرضى بامرأة غيرك ... كم يلزمني أن أهذي بعشقك لتدركي أنني مذ خلقت لم ينبض قلبي بحب امرأة قبل لقائك )) .

تداعت الابتسامة فوق شفتيها الخمريتين ، وأزهرت ورود جورية على وجنتيها الخجلتين ، وعاهدته أن لا تكون قصتهما بعد اليوم أحادية العطاء ، فهي ستغمره عشقا كعشقه بل وربما أكثر ، وإذ بصوت يناديها من بعيد ، تفتح عينيها وتنهض كمن يستيقظ مفزوعا من نومه إثر كابوس مزعج ، التفت خلفها ، فأدركت أن واقعها يناديها من جديد ، ارتدت حذاءها وتركت صخرة أحلامها دون استئذان ، كتمت دموعها في صدرها وتزينت لواقعها بابتسامة زائفة .

Followers

Pageviews Last 7 Days